العدد 110 - الثلثاء 24 ديسمبر 2002م الموافق 19 شوال 1423هـ

المشروع الصهيوني وقضية اللاجئين الفلسطينيين

خليل تقي comments [at] alwasatnews.com

منذ قيام «إسرائيل» في العام 1948، تختلق حكوماتها المتعاقبة الذرائع للتهرب من مسئولياتها تجاه مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، فمرة تحاول نفي مسئوليتها عن تهجيرهم ومرة تحاول الإفلات من مسئوليتها السياسية والأخلاقية والمادية التي ستترتب عليها في إطار أي اتفاق عن هذه القضية في المستقبل. فالدولة العبرية تدعي أن هذه القضية نجمت عن الحروب العربية ـ الإسرائيلية، وليس بسبب أعمال القتل والإرهاب والتعذيب والتنكيل التي قامت بها على مدى نصف قرن، ولذلك فإن حكوماتها المتعاقبة تدعي بأنها غير مسئولة عنها، وتدعو إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان والأقطار العربية، وغير العربية، التي يعيشون فيها اليوم على أمل العودة إلى الوطن غدا.

ووفقا لهذه الرؤية القاصرة مازالت «إسرائيل» تتجاهل أن اللاجئين الفلسطينيين ضحية عدوانها الذي بدأ منذ عقود، ولم يتوقف حتى يومنا هذا، فقد لجأت حكوماتها إلى طرد العرب الفلسطينيين وإخلاء أراضيهم منهم وإحلال قطعان الشتات محلهم تنفيذا لجوهر المشروع الصهيوني. وجرت عملية الطرد هذه على مراحل، وكان أولها بين العامين 1947 ـ 1948 عندما أُجبِر الفلسطينيون على النزوح إلى الضفة الغربية لنهر الأردن وعدد من الدول العربية المجاورة، ثم جاءت المرحلة الثانية في العام 1967 عندما اتجه اللاجئون من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى كل من لبنان وسورية والأردن ومصر والعراق.

مخططات إسرائيلية مبرمجة

اصطنعت «إسرائيل» الكثير من القوانين والأنظمة الباطلة لإكمال مشروعها في طرد العرب الفلسطينيين، فقد أصدرت حكوماتها قوانين جائرة للاستيلاء على الأراضي والممتلكات الفلسطينية. ففي العام 1950 أصدرت ما يسمى بقانون (أملاك الغائبين) الذي أباح الاستيلاء على أراضي العرب الغائبين عن قراهم، حتى ولو كان هذا الغياب في قرية مجاورة، وكذلك تحويل الأراضي إلى ما يسمى (المناطق الأمنية) أو (المناطقة المغلقة)، ثم تبع ذلك قانون الحصول على الأراضي في العام 1952، وفي العام 1962 أصدرت الحكومة الإسرائيلية ما يسمى بالقوانين الأساسية التي اعتبرت أراضي العرب المحتلة أراضي تابعة للدولة وتتولى إدارتها ما يسمى بـ (هيئة أراضي إسرائيل).

ونتيجة لهذه القوانين التعسفية، ولإجراءات «إسرائيل» القمعية بحق الفلسطينيين واستخدامها لشتى أنواع القتل والتعذيب والتنكيل والإرهاب ارتفع عدد اللاجئين الفلسطينيين بشكل كبير، فطبقا لإحدى الوثائق التي وزعت أثناء مؤتمر عقده مركز الدراسات العربية التابع لجامعة جورج تاون الأميركية، فإنه يوجد حاليا أربعة ملايين و600 أف لاجئ فلسطيني في العالم.

ولعل قراءة متأنية في الدراسات والبحوث الأميركية والإسرائيلية التي تتطرق إلى مشكلة اللاجئين ستؤكد أنها تدور في فلك السياسة الصهيونية تجاه هذه المشكلة، التي تتمحور على فكرة استحالة عودتهم إلى أراضيهم بسبب التغييرات الجذرية المزعومة في المناطق والأراضي العربية، وبذريعة الخطر المزعوم الذي سيشكله اللاجئون بعد عودتهم إلى وطنهم الشرعي والتاريخي فلسطين.

فقد تضمنت إحدى الدراسات الأخيرة ورقة عمل أعدتها لجنة عمل خاصة بالعلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية في جامعة هارفارد الأميركية، حاولت تلك الورقة أن تقدم توصيفا لأسباب بروز مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، فأشارت بشكل غير منقطي إلى أن هذه المشكلة كانت نتاجا لحرب 1948 التي ادعت أن العرب هم من يتحملون مسئوليتها، وأن معظم الحروب في العالم تشهد بروز مشكلات لاجئين، وتاليا فإن «إسرائيل» ترفض الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم وديارهم، لأن هذه العودة (ستثير مشكلات)، على حد زعمها، بخصوص ملكية الأراضي والمنازل، متجاهلة أن هذه الأراضي والمنازل هي ملك للفلسطينيين وليست لقطعان المستوطنين الذين اغتصبوها.

وليس بخافٍ على أحد أن التهرب الإسرائيلي من القبول بحق العودة له علاقة بشرعية الكيان الصهيوني بحد ذاته، فمجرد الاعتراف بملكية الأراضي والقرى للعرب سيؤدي إلى فتح خرافة (أرض بلا شعب) وستؤكد حقيقة اغتصابها من قبل اليهود الصهاينة.

فكرة طرد العرب ليست جديدة

الواقع أن فكرة طرد العرب من فلسطين ليست وليدة حرب 1948 كما تدعي «إسرائيل» إذ أن قراءة في تاريخ الفكر الصهيوني تؤكد أن الفكرة نبتت في أذهان المنظرين الصهاينة منذ أن وجدت البذرة الصهيونية طريقها إلى النمو، ورسخت في أذهان معتنقيها أن (فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، فمؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل كتب في يومياته بتاريخ 12/6/1985 «يجب علينا أن نستولي على الملكية الخاصة في الأراضي التي تخطط لنا، وسنسعى إلى تهجير السكان عبر الحدود».

كما دعا آحاد هعام، زعيم ما يسمى بالصهاينة الإصلاحيين، في خطاب ألقاه في مانشستر في انجلترا في العام 1904 إلى استخدام الإرهاب لتهجير العرب من ديارهم قائلا: «في قضاء القدس كثافة السكان الآن ما يفوق كثافة السكان في أميركا مرتين، إذ فيها 52 نسمة في الميل المربع الواحد، لذا علينا أن نستعد إما لطرد ـ القبائل ـ بحد السيف وإما التعامل مع عدد كبير من السكان العرب الذين اعتادوا لقرون طويلة على ازدرائنا».

أما ديفيد بن غوريون فقد كتب رسالة إلى ابنه عاموس في 5/10/1937 يؤكد فيها ضرورة استخدام الإرهاب لطرد العرب من فلسطين، فقد ورد في إحدى فقراتها أنه «علينا أن نطرد العرب ونحتل أماكنهم، وإذا اضطررنا إلى استخدام القوة لاقتلاعهم من النقب وشرق الأردن لضمان حقنا في استيطان هذه الأماكن، فإن مثل هذه القوة في تصرفنا».

وتؤكد الوثائق التاريخية أن عمليات التهجير بدأت فعليا قبل العام 1948 بوقت طويل، فقد بدأ الإرهاب المنظم في منتصف الثلاثينات من القرن الماضي، ثم تطور ليأخذ شكل مجازر وحشية، وكانت مذبحة دير ياسين إحدى أبشع المجازر وأفظعها، إذ اعتبرت من أهم العوامل التي تسببت في هجرة العرب الفلسطينيين آنذاك.

وفي أعقاب قيام «إسرائيل» عشية 15/5/1948 توالت مسلسلات الإرهاب. ففي 29/10/1948 نفذت إحدى الكتائب التابعة لعصابات (الهاغاناه) بقيادة موشي دايان مجزرة «الدوايمة» التي لا تقل وحشية عن سابقتها، فقد وصفها أحد الجنود اليهود الذين شاركوا في عمليات المجزرة بقوله: «لقد قتلت الفرقة الأولى من ـ الفاتحين ـ نحو مئة عربي، وقتل الأطفال بتكسير رؤوسهم بالعصي، ولم يكن ثمة منزل بلا قتلى، وقد أمر الضابط أحد أفراد الكتيبة بوضع امرأتين عجوزين في بيت ثم فجره على رأسيهما فورا».

وكانت المنظمات الصهيونية قد نشطت في بث الإشاعات ووقائع المجازر بين العرب لإرغامهم وحملهم على الهجرة. وكشفت إحدى المذكرات الإسرائيلية أن الهجرة من «الجليل الشرقي» جرت بصورة أساسية نتيجة حملة متناسقة من الدعاية المنظمة والإرهاب المسلح، وجاء فيها: «بحثنا عن الوسائل التي تفرض علينا اللجوء إلى القوة لطرد عشرات الألوف من الباقين من العرب في الجليل الذين قد يهاجموننا من الخلف في حال حدوث اجتياح عربي».

أيد القرار الدولي (رقم 194) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة حق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم التي أخرجوا منها، ونص على أنه «ينبغي أن يسمح للاجئين الفلسطينيين الذين يرغبون في العودة إلى أراضيهم وديارهم، والعيش في سلام مع جيرانهم، والقيام بذلك في أبكر وقت، وأنه يجب دفع تعويضات عن ممتلكات أولئك الذين يختارون عدم العودة، وعلى فقدان الممتلكات أو الأضرار التي لحقت بها، وينبغي على السلطات المسئولة احترامها وفقا لمبادئ القانون الدولي».

وهكذا، فإن حق العودة مكفول تماما بموجب قرارات الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، وبالتالي فإن مقولة «إسرائيل» باستحالة عودتهم من الناحية العملية هي مقولة باطلة، فكيف تستطيع الحكومة الإسرائيلية أن تستوعب مليون مهاجر روسي في فلسطين المحتلة، وتتذرع بأنها غير قادرة على إعادة العرب، أصحاب الأرض والمنازل والحق التاريخي إلى ديارهم؟ ولعل أكثر ما يدعو إلى الأسف أن المفاوض الفلسطيني لم يكن شديد الإصرار على عودة كل اللاجئين إلى ديارهم، بل اكتفى بالحديث عن عودة نازحي العام 1967، ولاسيما في إطار اللجنة الرباعية الفلسطينية ـ المصرية ـ الأردنية ـ الإسرائيلية الخاصة بدراسة قضية اللاجئين. واتخذت الحكومة الإسرائيلية الليكودية في عهد بنيامين نتنياهو، وارييل شارون أشد المواقف تطرفا في إنكار حق العودة، في الوقت الذي تراجع فيه الدور الأميركي من هذه القضية، جاء ليؤكد اتفاق واشنطن وتل أبيب على موقف واحد، ولم يكن حزب العمل بعيدا عن هذا الموقف، وانتهاج السياسة نفسها، فبعد أن كان المندوب الأميركي يتقدم في دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة بمشروع قرار يعيد تأكيد القرار (194) أخذ منذ العام 1994 يقول: «إن مثل هذه القرارات تشكل تأثيرا سلبيا من جانب الأمم المتحدة على مفاوضات السلام، أو تدخلا فيها»، بحسب تعبيره. وهذا الموقف الأميركي من قضية اللاجئين ليس مفاجئا ولا غريبا، فالولايات المتحدة تقف إلى جانب «إسرائيل» في كل وقت وفي كل مكان، حتى ولو كانت الدولة الصهيونية قد خرجت عن جميع الأعراف الدولية وقوانين الشرعية الدولية وأسس عملية السلام التي أطلقتها واشنطن في خريف العام 1991 بعد حرب الخليج الثانية

العدد 110 - الثلثاء 24 ديسمبر 2002م الموافق 19 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً