العدد 110 - الثلثاء 24 ديسمبر 2002م الموافق 19 شوال 1423هـ

طبول الجنرالات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

متى يضع الرئيس الأميركي جورج بوش توقيعه على قرار الحرب؟

هناك أكثر من رأي في المسألة. العسكريون يقولون إن الاستعدادات شارفت على الانتهاء ويلزم واشنطن عدة اسابيع لاستكمال الحشد. الاستراتيجيون يقولون ان الحرب بحاجة إلى ضمانات دولية واقليمية والقوة العسكرية ليست كافية لتحمل مسئولية النتائج السياسية الكبرى المتوقعة منها.

الاقتصاديون منقسمون فهناك رجال شركات النفط والتصنيع العسكري يدفعون نحو قيامها وهناك رجال المال (الخزانة الاميركية) يتخوفون من كلفتها وصعوبة تغطية نفقاتها في الشهور الاولى. السياسيون يتمهلون الادراة الاميركية ويطالبون باعطاء المزيد من الوقت لدراسة مختلف التداعيات وكسب ثقة الحلفاء والاصدقاء في المنطقة والعالم وتحييد القوى المتخوفة من حصولها واحتمال امتداد سلبياتها إلى بلدانهم المجاورة. الخبراء في شئون المنطقة غير متفقين على موقف موحد فهناك من يدفع باتجاه تفجير الوضع المستقر حاليا لمصلحة الجانب الاميركي والاستفادة من التغيير المحتمل لتشكيل وضع اكثر استقرارا لمصلحة الولايات المتحدة، وهناك من يطالب بمنع وقوع الحرب والاكتفاء بالضغط السياسي والمزيد من الضغط النفسي واستثمار المخاوف لانتاج معادلة اكثر ميلا للتفاهم مع الجانب الاميركي.

إذن هناك أكثر من رأي في مسألة الحرب الا ان النقاش الدائر عن لحظة قيامها ومبراراتها وتوقيتها وذرائعها وعناصرها لا يعني ان الحرب لن تقع. النقاش الدائر دخل في التفاصيل ووصل إلى حد تحديد مواقيت مناسبة مناخيا وجغرافيا تعطي افضلية للقوات الاميركية وتساعدها على حسمها واحتواء تداعياتها بأسرع وقت ممكن لا يتجاوز الاسابيع الثلاثة.

المعارضون للحرب كثر الا ان اصواتهم ضعيفة وقدراتهم على التأثير أو تعديل وجهات نظر الادارة الاميركية تتراجع يوما بعد يوم. والسبب ان الاستراتيجية الأميركية في العالم واحدة وتسير على خطوط متوازية باستثناء منطقة «الشرق الاوسط».

ففي هذه المنطقة تدخل عناصر اضافية على الاستراتيجية الاميركية الهجومية (الوقائية) وهي المصالح الاسرائيلية وقوة الدفع الذاتية التي تضغط تل أبيب باتجاه تصعيدها وتفجيرها لتحقيق اهداف خاصة... وليست منسجمة بالضرورة مع المصالح العليا أو البعيدة المدى للدولة الأميركية.

هذا العامل الاسرائيلي يصب النفط على النار الحامية ويعطيها القابلية القصوى للاشتعال وهو ما يزيد من قوة دفع جنرالات الحرب في إدارة البيت الابيض. فالحرب الاقليمية الكبرى ستجلب الكثير من الفوائد لتل أبيب وتعطيها منافذ سياسية للتهرب من التزاماتها الدولية والقرارات والمواثيق والمعاهدات التي وقعتها خلال السنوات العشر الاخيرة. الا ان تلك الحرب، اذا وقعت، فليس مضمونا لها ان تنتج معادلة سلمية - سياسية تناسب الاستراتيجية الأميركية على المدى البعيد. فالحسابات العسكرية على الورق لا يمكن ضمان حصولها حرفيا (رقميا) على الارض. فحسابات الواقع دائما مختلفة وأي خطأ رقمي في التقرير يعني في الحسابات البشرية كوارث انسانية قد تجلب للسياسة الاميركية المزيد من الاضطراب واللا استقرار والكثير من الكراهية والحقد.

فالقتل المجاني بأوامر عسكرية من جنرالات البنتاغون ومثلث الشر (تشيني رامسفيلد، رايس) في البيت الابيض لا يجلب للسياسة الاميركية الاصدقاء والحلفاء بل ربما يؤدي إلى خسارتها حتى تلك القوى الدائرة في فلكها والمستعدة للتضامن معها على حساب شعوبها. فحين تخسر الشعوب كل شيء حتى الحلم بمستقبل افضل فإن الرد على الحرب الاميركية لن يكون القبول بالامر الواقع والخضوع لمصالح جنرالات القوة العسكرية... بل بالمزيد من الرفض الذي قد ينجم عنه الجنون السياسي المحتقن بالاستعداد للانتحار الجماعي دفاعا عن الوجود والحقوق.

جنرالات الحرب يقيسون المسألة عسكريا (قوة النيران) ورقميا (القدرة على الحشد والتمويل). وجنرالات السياسة يقسمون المسألة بالنتائج المترتبة من الحرب والفوائد والمكتساب وهل بالامكان الحصول عليها بالتفاوض لا بالضرب... بينما رجالات الجغرافيا والتاريخ ينظرون إلى المسألة من خلال الزمن ومستقبل المنطقة وشعوبها. فالزمن في النهاية أقوى قوة وهو الذي يقرر مسار المعادلة وهي في كل الجهات لن تستقر في حال وقعت الحرب الظالمة ولن تكون المعادلة في النهاية لمصلحة الولايات المتحدة (وايضا إسرائيل).

هناك اكثر من رأي في مسألة الحرب الاميركية على العراق. والمعارضون للحرب كثر الا ان اصوات السلم لا تسمع حين تدق طبول الجنرالات. فالطبل يحدث الضجيج ويعطل امكانات العقل على التفكير في التفاصيل. والتفاصيل في النهاية هي التي تقرر مسار المعادلات الكبرى. اميركا تريد النفط وتستطيع الحصول عليه من دون قتل، واميركا تريد الاستقرار لضمان مصالحها والاستقرار لا يأتي من طريق الحرب بل من باب السياسة... الا ان طبول الجنرالات تضرب بسرعة وقوة لكسر معادلة الاستقرار وتوازن المصالح لكسب المعركة من طريق البطولة. الا ان دروس التاريخ علمتنا ان الطبول غير البطولة، والزمن اقوى من القوة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 110 - الثلثاء 24 ديسمبر 2002م الموافق 19 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً