العدد 109 - الإثنين 23 ديسمبر 2002م الموافق 18 شوال 1423هـ

اللائحة الأميركية ارتبطت بأهداف سياسية

ماذا عن تشكيك واشنطن في التقرير العراقي؟

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

اعلنت الولايات المتحدة ان العراق خرق قرار مجلس الامن الدولي المرقم 1441 «خرقا ماديا». ووزعت وزارة الخارجية الاميركية لائحة تتضمن ما تعتبره انتهاكات عراقية في تصريحه عن برامج اسلحة الدمار الشامل التي سلمها إلى الامم المتحدة في السابع من ديسمبر/ كانون الاول الجاري.

وقالت هذه اللائحة ان التصريح العراقي يتجاهل 2160 كليوغراما على الاقل من وسائط التصنيع البيولوجي التي حددتها اللجنة الخاصة (اليونيسكوم) التي عملت في العراق حتى العام 1998. واعتبرت اللائحة ان تلك الوسائط كان بمقدوها انتاج 26 ألف لتر من الانتراكس، اي ثلاثة اضعاف ما اعلنه العراق و1200 لتر من مادة بوتولينيوم السامة، و5500 لتر من مادة كلوستدريديوم، اي اكثر بـ 16 مرة مما اعلنه العراق. لكن اللائحة الاميركية لا تشير صراحة إلى ان واشنطن تملك دليلا على ان العراق استخدم هذه الوسائل بالفعل لانتاج هذه المواد. غير انها تشير إلى ان العراق كشف عن انتاج وقود جديد يناسب طرازا من الصواريخ لم يعترف به.

وبهذا المعنى فإن الولايات المتحدة لا تصدق ان الصاروخ الذي اجرى العراق عليه اختبارا يندرج في إطار مدى الـ 150 كيلومترا والذي تسمح قرارات الامم المتحدة للعراق بانتاجه. واضافت اللائحة ان التصريح العراقي يتجاهل الجهود التي بذلتها بغداد للحصول على اليورانيوم من النيجر. وبهذا المعنى فإن اللائحة الاميركية تفترض حصول العراق فعلا على اليورانيوم من النيجر.

هذا وزعمت اللائحة الاميركية ان التصريح العراقي لا يقدم معلومات إضافية وقابلة للتصديق عن انتاج غاز الاعصاب (V X) كما سبق ان طلبت (اليونيسكوم) في 1998. فضلا عن انه لا يقدم دليلا موثوقا على ان القذائف الـ 550 المحشوة بغاز الخردل، والقنابل الـ 400 القادرة على حمل اسلحة بيولوجية، قد تم تدميرها. وتقول اللائحة التي وزعتها الخارجية الاميركية ان العراق ينفي اي رابط بين برامج لتصنيع مركبات جوية غير مأهولة وبين قدرات نشر المواد الكيماوية والبيولوجية، في الوقت الذي كان فيه العراق اقر في 1995 ان طائرة ميغ 21 من دون طيار، قد اختبرت في العام 1991 على حمل نظام رش مواد بيولوجية. بينما يتجاهل التصريح العراقي (ودائما بحسب اللائحة الاميركية) اية معلومات عن النظام البيولوجي المحمول جوا وأجهزته.

وفي الواقع ان اللائحة الاميركية تثير اسئلة من جانب المراقبين، واول هذه الاسئلة كيف تمت دراسة مضمون التصريح العراقي الذي جاء بصيغة تقرير مكون من 12 ألف صفحة مطبوعة وعدد كبير من الاقراص المدمجة؟

والاجابة عن هذا السؤال بسيطة، فهذه ليست المرة الاولى التي يقدم العراق فيها مثل تلك التقارير، فقد حدث ذلك عدة مرات في فترة عمل اللجنة الخاصة بين العامين 1991 و1998، ووفق هذا الاعتبار تقل اهمية مسألة الحجم في التأثير على اسلوب المراجعة. وبالتالي من المعتقد ان حوالي 75 في المئة من حجم الملف الجديد يتألف ببساطة من التقارير التي تم تقديمها في السابق، وتمت مراجعتها بدقة من قبل. وهذا الكلام منطقي، إذ ليس من المتصور ان يعد العراق مثل هذا الملف الجديد الضخم خلال شهر واحد. ولكن معظم الجديد الذي تضمنه التصريح العراقي يقع في اطار التقرير بعدة آلاف من الصفحات قد تصل إلى نحو 3000 صفحة، وهذا الجديد الذي يتم الكشف عنه للمرة الاولى كتب باللغة العربية من دون ترجمة بسبب محدودية الفترة التي منحها القرار 1441 لبغداد لتسليم اعلانها في اطار فترة شهر واحد. والمهم في هذا كله كيف توصلت واشنطن إلى ما اعتبرته «خرقا ماديا» من جانب العراق بسبب المعلومات التي تضمنها التصريح العراقي، فيا ترى كم من الوقت استنفذت الاجهزة الاميركية لمعرفة فيما اذا كانت توجد اختلافات بين الوثيقة الجديدة وقاعدة المعلومات المتوافرة لديها. وكم من الوقت احتاج المحللون للوصول إلى استنتاجاتهم التي تضمنتها اللائحة التي وزعتها الخارجية الاميركية او كم هو الوقت الذي احتاجته الاجهزة الاميركية في ترجمة الاجزاء العربية من الملف؟ ترى هل كان الوقت كافيا بين تسلم واشنطن التقرير بضخامته هذه وبين اللائحة التي وزعتها الخارجية الاميركية التي تزعم فيها انتهاك العراق المادي للقرار 1441؟ ألا يدعو ذلك إلى الارتياب من ان واشنطن وعبر لائحتها ارادت التشويش على التصريح العراقي واعطاء احكام مسبقة عليه؟

يرجح ان واشنطن ارادت عبر هذا المسلك، ان تحرف الاهتمام الدولي في اتجاه بذل المساعي للحيولة دون اعلان ساعة الصفر لحربها على العراق. وبهذا تكون كسبت قضية جوهرية في حرب العلاقات العامة في صراعها مع العراق عندما ابعدت الانظار عما اذا كانت اللائحة التي وزعتها الخارجية تحمل استنتاجات دقيقة ام مغالطات. ان الحقيقة الناصعة التي تضمنتها اللائحة الاميركية في مزاعمها ارتبطت بأهداف سياسة ودعائية ولم تكن مبنية على اسس فنية. فالواضح ان اللائحة الاخيرة لوزارة الخارجية لا تختلف كثيرا عن تقرير طوني بلير والتقارير التي روجتها الادارة الاميركية قبل القرار 1441، والتي اثبتت زيارات المفتشين منذ بدء عملهم في العراق في الشهر الماضي هراءها، وهي بالاجمال تركز على العوامل الكيماوية والبيولوجية، وهي عوامل يعرفون ان لديها عمر زمني محدد لا يتجاوز بأي حال من الاحوال السنوات الخمس واستورد العراق هذه المواد منذ ما يقارب 15 إلى 17 سنة. فهذه المواد يعلمون ان العراق تخلص منها وهي في كل الاحوال انتهت فعاليتها بحكم انتهاء صلاحيتها. وإذا اخذنا إحدى هذه المواد كمثال وهي 1,5 طن من غاز الاعصاب V X، اذ يقول البريطانيون والاميركيون إن هذه المادة لم تؤخذ بالحسبان حتى الآن. إلا انه واستنادا إلى تقرير في يناير /كانون الثاني 1999 للجنة التفتيش عن الاسلحة العراقية السابقة (يونيسكوم) فإن العراقيين قالوا إنهم دفنوا ما لديهم من غاز الأعصاب V X وإن العلماء العاملين لدى الامم المتحدة وجدوا آثارا لذلك في موقع محدد. وبغض النظر عن ذلك، فالاساس الفني والعلمي للتعامل مع محتويات التصريح العراقي يجب ان ينطلق من تصفح كل ورقة ووثيقة في الملف، وتجرى مقارنات معقدة قياسا على تقارير العراق السابقة، ونتائج عمليات تفتيش اليونيسكوم، والمعلومات الاستخباراتية المتاحة من الدول، (وهذا بالطبع يستغرق وقتا طويلا وليس اياما معدودة)، ومن ثم تحديد ما امتلكه العراق من برامج لاسلحة الدمار الشامل ويشمل هذا العنصر برامج إنتاج الاسلحة، بما تتضمنه من مرافق ومعدات ومواد، سواء ما حصل العراق عليه من الخارج أو ما قام بتطويره محليا، إضافة إلى انظمة التسلح النهائية، من رؤوس نووية أو شحنات كيماوية أو عناصر بيولوجية أو قذائف باليستية ويتم مقارنة ذلك مع ما كان مسجلا أنه لدى العراق قبل 1991، وما اشارت إليه القوائم المعلنة العراقية بعد 1991، وما تم الكشف عنه ميدانيا من جانب فرق التفتيش، يضاف إلى ذلك ما يمثل مشكلة حتى الآن على بعض المستويات، وهو ما يقول العراق إنه دمره من اسلحة قبل بدء عمل المفتشين الدوليين. ونتيجة المقارنة اذا اظهرت بأية صورة من الصور ان هناك عنصرا جديدا (سواء كان مرفقا معينا لم يتم اكتشافه من قبل، أو مواد جديدة تم الحصول عليها، أو معدات معينة تم الاعتراف بوجودها، أو سلاحا معينا افلت من الحسابات السابقة) تبدأ آنذاك عملية إعادة تقييم العناصر السابقة ليتم التحقق منها وتاليا الرصد لهذه العناصر وفيما اذا ادت هذه العملية إلى استنتاج وجود اسلحة محتملة لم تكتشف، وفي هذا الاطار يمكن ان يعتبر وجود خرق مادي للقرار 1441، سيما وان التصريح العراقي يقر بعدم احتفاظ العراق بأسلحة دمار شامل. أما في حالة بروز استنتاجات حسابية على غرار مشكلة الصاروخين المفقودين اللذين يؤكد العراق انه دمرهما بنفسه، فيما ظلت اليونيسكوم تعتبرها قرينة على العراق باحتفاظ اسلحة محظورة، فيفترض وفق المنطلقات والاسس الفنية لعمل المفتشين ان يتم الرصد والتحقيق والتفتيش للوصول إلى ما يزيل الغبار عن هذه الاستنتاجات الحسابية على نحو مقنن مثل تنشيط البحث في المنشآت والمواقع وطلب مقابلة بعض العلماء للتحقق بما يوفر الادلة ضد العراق بهذا الخصوص أو الاعتماد على ما يقدمه العراق من معلومات بشأنها. فضلا عن ذلك، يفترض ان التصريح العراقي والمعلومات الاستخبارية التي يمكن ان يحصل عليها المفتشون أو تلك المعلومات التي يتم الحصول عليها من خلال استجواب العلماء العراقيين ان تنعكس على خطة اعمال التفتيش خلال المرحلة المقبلة. واذا ما افرزت عمليات التفتيش ان العراق لايزال يخفي شيئا، آنذاك فقط يمكن ان تدق طبول الحرب وفق القرار 1441. وما عدا ذلك يكشف ببساطة عن اهداف ونوايا سياسية لا علاقة لها مطلقا بعملية نزع الاسلحة العراقية، انما يرتبط بالخطط الاميركية ليس فقط بالنسبة إلى العراق وإنما بالنسبة إلى المنطقة بأسرها

العدد 109 - الإثنين 23 ديسمبر 2002م الموافق 18 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً