العدد 109 - الإثنين 23 ديسمبر 2002م الموافق 18 شوال 1423هـ

استياء عبري من السجاد الأحمر اللندني للأسد و... لكنه فشل في إقناع بلير ومجلس العموم

آمنه القرى comments [at] alwasatnews.com

.

شكلت هاجسا للصحف الاسرائيلية، زيارة الرئيس السوري بشار الأسد، إلى لندن، التي أثارت غضب «اسرائيل»، وقلقها خصوصا في ضوء الاستقبال الحار الذي لقيه الرئيس الشاب والاستقبال الملكي الذي لقيه في قصر باكنغهام فيما كان لافتا الاستياء تحديدا من «السجاد الاحمر» الذي كان في استقبال الاسد في مختلف لقاءاته اللندنية.

واستغربت الصحف العبرية ان تستقبل دولة اوروبية ليبرالية ديمقراطية، رئيس دولة «فاسدة ورهيبة» بحسب تعابير دوغاس ديفيس في «جيروزاليم بوست» وما زاد من غيظ الكتاب الإسرائيليين، هو ان زيارة لوزير خارجية إسرائيل بنيامين نتنياهو، إلى لندن، تأتي بعد ايام من زيارة الأسد التاريخية، فلفتت «هارتس» في مقالها الافتتاحي، بغيظ واضح، إلى ان المجموعات الفلسطينية لا تملك مكاتب اعلامية في دمشق، كما قال الاسد، لمضيفه بلير، وإنما تدير مراكز قيادية للتخطيط لهجمات اجرامية بحسب زعم الصحيفة العبرية. ورأت دعم الاسد، السطحي للحرب العالمية ضد «الارهاب» لا يشكل غطاء لما يقوم به من دعم فعال لما اسمتها العناصر «الارهابية» في منطقة الشرق الاوسط. كما ان غياب من تستطيع سورية التحدث إليه في الجانب الاسرائيلي، لا يبرر دعم المنظمات الفلسطينية. لكن «هارتس»، كانت متأكدة من ان الاسد لا يستطيع إقناع الرأي العام الاسرائيلي بحسن نواياه، تماما كما فشل برأيها في إقناع بلير، ومجلس العموم البريطاني، إذا اضفنا الدعم الذي يقدمه إلى حزب الله، طبعا بحسب «هآرتس»... التي جاء واضحا ان حملتها تعود لأنها اكتشفت ان الاسد، مازال مستمرا في خطة المتشدد، فقد اكد امام مجلس العموم البريطاني انه لن يوافق على لقاء اي رئيس حكومة اسرائيلي، ما لم يحصل تغيير حقيقي في الجانب الاسرائيلي. فوصفته بأنه من ابرز رموز المعارضة المتشددة لاي طرح باتجاه التسوية. زاعمة ان سورية عملت كل وسعها لتحييد المبادرة العربية السعودية، ولربط المفاوضات حصرا بين القيادة الفلسطينية و«اسرائيل». وتابعت مزاعمها، بأن الاسد أكد مجددا سياسته بالنسبة إلى الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، من خلال السماح للمجموعات «الارهابية» الفلسطينية مثل حركتي الجهاد السلامي، وحماس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بالبقاء والعمل من سورية.

وحملت «جيروزاليم بوست»، في افتتاحيتها ايضا، بشدة على الاسد وبلير على السواء، فالاخير اي بلير يعزز الشعور العام بأنه متلهف بقوة لاسترضاء الرأي العام العربي، حتى ولو كان ذلك على حساب الحرب ضد «الارهاب». ورأت ان الطريقة الوحيدة لتشجيع الاصلاح الفلسطيني (في إشارة منها إلى دعوة بلير الفلسطينيين إلى مؤتمر) هي من خلال القضاء على «الارهاب» والدول الراعية له، وليس من خلال استقبال رؤساء هذه الدول في قصر باكنغهام. وأضافت انه إذا رأى الفلسطينيون ان باستطاعة سورية، ان تدعم «الارهاب» وان تحظى باستقبال شرف في الغرب، فما من شيء يمكن أن يقنعهم انه يجب عليهم التخلي عن «الإرهاب» وإلا فإنهم سيفقدون الدعم الدولي. ولاحظت ان بلير يبدو مقتنعا بضرورة المزج بين الترغيب والترهيب في التعاطي مع «الارهاب». إلا ان هذا المزيج بحسب الصحيفة العبرية، ليس عملا ذكيا وانما سيطيل مدة الحرب وسيعرض حياة الكثيرين للخطر.

وزعمت «معاريف» في تقرير لها ان الرئيس الاسد، تعهد خلال زيارته إلى بريطانيا الحرص على كبح حزب الله، في حال وقوع هجوم اميركي على العراق. لكن «معاريف»، لفتت إلى انه في تقدير «اسرائيل»، ان هذا الموقف للأسد، اتى على خلفية العزلة السياسية المتزايدة التي تعانيها سورية. مستدركة بأن من نتائج الموقف السوري تغير علاقة الغرب بها، فالأسد، يزور هذا الايام لندن، وهو يحظى باحترام شديد من جانب البريطانيين. وفي السياق عينه، كتب ديفيس دوغلاس في «جيروزاليم بوست»، إذ اعرب عن استيائه واستغرابه، للترحيب في قصر باكنغهام في لندن، لدى زيارته الملكة اليزابيث الثانية، والحفاوة التي لقيها الرئيس السوري، الذي زعم انه حاكم دولة راعية «للارهاب» وإذ ابدى دوغلاس، اسفه من ان حاكم اكثر الانظمة تشددا في العالم، حضر ايضا حفل عشاء اقامه حاكم لندن على شرفه، بحضور عدد كبير من رجال الاعمال البريطانيين المدافعين بقوة عن الاقتصاد الحر، رأى ان الاستقبال بالسجاد الاحمر الذي لقيه الرئيس الاسد، هدفه ضمان تحييد المعارضة السورية للحرب المرتقبة ضد العراق. وهدفه ايضا ضم سورية إلى عملية السلام في الشرق الأوسط. مذكرا بأن الرئيس الراحل حافظ الأسد أجرى قبل وقت قصير على بدء حرب الخليج في العام 1991، محادثات في جنيف، مع بوش الاب، نتج عنها انضمام سورية إلى الائتلاف الدولي الذي كان قائما حينها، لطرد العراق من الكويت. وذلك في تلميح منه إلى ان محادثات الاسد الابن البريطانية، قد تكون مماثلة لتلك التي اجراها والده.

وعلى رغم نفي مكتب رئيس الوزراء البريطاني اتهامات اسرائيلية لطوني بلير بالتدخل في الشئون الداخلية الاسرائيلية من خلال رفضه استقبال وزير الخارجية الاسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارة للندن وقت اعرب فيه عن تحمسه للقاء الرئيس الجديد لحزب العمل عميرام ميتسناع. ذلك بعد ان نقلت «يديعوت احرنوت»، اتهام مصادر في وزارة الخارجية الإسرائيلية بلير بالتدخل في الشئون الداخلية لاسرائيل من خلال رفضه لقاء نتنياهو وقبوله الاجتماع مع ميتسناع، ومحاولة التأثير على الرأي العام مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في «اسرائيل». وقال متحدث باسم بلير طلب عدم ذكر اسمه في الشرق الاوسط، «ان نتنياهو حسب معلوماتي لم يسع إلى لقاء رئيس الوزراء. والوضع الانسب ان يلتقي نظيره وزير الخارجية جاك سترو». وقد تطرق نتنياهو عبر بيان إلى الزيارة فقال ان الرئيس الاسد حاول التظاهر بالبراءة «عندما اعلن ان المكاتب الفلسطينية في دمشق هي مكاتب صحافية».

وحمل دوغاس ديفيس في «جيروزاليم بوست»، بشدة على الاستقبال الحافل الذي لاقاه الرئيس السوري، ووصف محادثاته مع بلير، بأنها حوار طرشان. واستغرب ان تستقبل دولة اوروبية ليبرالية، رئيس دولة رهيبة، بحسب تعابير ديفيس، وزعم ديفيس، ان الاسد، الذي تم تكريمه من قبل اعلى المستويات السياسية والاقتصادية في بريطانيا، يدير دولة تستضيف عددا وافرا من المجموعات التي وصفها بأنها «ارهابية» وتابع مزاعمه، بالقول ان سورية دولة تسهل تجارة المخدرات، وتسجن المعارضة السياسية، وتنتهك حقوق الانسان، وتسعى إلى الحصول على اسلحة الدمار الشامل، وتؤمن السلاح إلى نظام صدام حسين. من ناحية ثانية، عرض ديفيس للاسباب التي دفعت بشار الاسد، إلى القيام بهذه الرحلة. معتبرا انه من الناحية البراغماتية، فإن الاسد لا يريد ان يتم ضم سورية إلى لائحة محور الشر في العالم. هذا بالإضافة إلى أن الأسد يريد أن يحصل على ثمن لدعمه، أو على الأقل لقبوله بالحرب ضد العراق. موضحا ان سورية مثل غيرها من الأنظمة العربية، مازالت عالقة في زمن الحرب الباردة، ومازالت تسعى الى بديل عن راعيها القديم الاتحاد السوفياتي، وأوروبا قد تصلح لهذا الدور بحسب ديفيس. وخلص الى القول بلهجة متهكمة، ان الأسد قد يكون محقا. فإذا كان الأوروبيون يحولون الانتحاريين الى مناضلين، فإن باستطاعتهم ان يحولوا مراكز «الإرهاب» في دمشق الى «مراكز إعلامية» كما يحب بشار الأسد أن يسميها.

وقد تكون لافتة قراءة هيرب كينون في «جيروزاليم بوست» لاقتراح رئيس الوزراء البريطاني مؤتمرا في لندن عن القضية الفلسطينية، إذ اعتبر ان هذه الدعوة، التي ترافقت مع لقاء جمع بلير، والرئيس السوري بشار الأسد، دفع البعض الى طرح السؤال التالي: ما هو الدافع وراء حماسة بلير المفاجئة؟ فقال كينون ان الجواب الجزئي عن هذا السؤال، له علاقة بإحساس بريطانيا، بأن حليفتها الأقرب، وشريكتها الرئيسية في الحرب على الإرهاب، في إشارة الى الولايات المتحدة، لا تنشط بشكل كاف للتوصل الى حل للصراع المقبل في الشرق الأوسط. ورجّح ان تكون دعوة بلير إلى عقد مؤتمر لندن، عشية الضربة الأميركية البريطانية المحتملة ضد العراق للقول للعالم العربي ان الغرب ليس مهتما فقط بضرب العرب في العراق وإنما هو مهتم أيضا بتحريرهم من «الاحتلال في فلسطين»، وهو الأمر الذي قرأه وأجاب عليه أيضا، جدعون سامت في «هآرتس»، حين رأى ان إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش تشكل حاجزا منيعا أمام إحراز أي تقدم باتجاه أي شكل من أشكال الحوار مع الفلسطينيين... وإذ لاحظ أنه بدلا من أطر بيل كلينتون - ويعني اقتراحات الرئيس الأميركي السابق بما يتعلق بالمفاوضات مع الفلسطينيين - بات لدى إسرائيل «مشنقة» جورج بوش التي يستخدمها أرييل شارون لتعليق وعرقلة أية حركة باتجاه الحل السلمي... لافتا الى أن بوش، رفض طلب بعض الأصوات داخل الإدارة الأميركية التي تنادي بالإعلان عن «خريطة الطريق». كما انه رفض طلبا مماثلا من قبل الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي كان يتحدث باسم الغالبية في اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة). وأضاف أنه لهذا السبب بالذات، في إشارة الى الرغبة في إطلاق المفاوضات، دعا رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، القيادة الفلسطينية الى لندن، بالإضافة الى قادة الأردن ومصر والسعودية، بعد ان تحامل على نفسه، واستقبل الرئيس السوري، بالسجاد الأحمر للغاية نفسها، لكن المساهمة التدميرية التي تقوم بها الإدارة الأميركية لا تستحق سوى الإدانة كما يقول سامت.

يذكر ان الرئيس السوري، كان انتقد في اليوم الثاني من زيارته الى بريطانيا، المطالبات الغربية بإصلاح السلطة الفلسطينية معتبرا أنها ليست سوى تغطية لاستبدال الرئيس ياسر عرفات، بشخصية موالية للإسرائيليين. وقال الأسد، إن دعوة طوني بلير، إلى مؤتمر عن الإصلاح في لندن، تتجاهل جذور الصراع العربي - الإسرائيلي

العدد 109 - الإثنين 23 ديسمبر 2002م الموافق 18 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً