ازدادت في الأشهر الأخيرة حوادث السرقة المنظمة في كثير من مناطق البحرين، وهذه السرقات ازدادت حرفية وتركيزا على أنواع معينة من المنازل وفي مناطق معينة تتشابه ظروفها، ما يشير الى وجود عصابة امتهنت الجريمة.
اضافة الى ذلك ظهرت بعض الاعمال العبثية في بعض المناطق استهدفت تخريب السيارات وبعض الممتلكات العامة والخاصة. وفوق هذا وذاك تزداد حالات من الطعن وبعض الاحيان القتل والاختفاء وأخبار عن أمور لم نكن نسمع بها.
بعض هذه الأمور كانت تحدث في الماضي إلا ان التغطية الاعلامية كانت تنشر ما يصدر رسميا عنها، ولذلك لم تتم تغطيتها بالصورة الكافية. وفي كل البلدان المنفتحة اعلاميا يسمع المرء كثيرا عن حوادث القتل والاختطاف والابتزاز وغيرها، ولكن كل ذلك لا يؤثر أبدا على حفظ الأمن العام.
البعض يطرح أن حفظ الأمن يستدعي العودة الى أساليب الماضي وإلى قوانين الماضي، ولكن التاريخ يخبرنا ان تلك الاساليب لم تحمِ المواطن من اعتداء أحد ضباط الأمن على أموال الناس ولم توفر أمنا للنظام أو المجتمع نستطيع الافتخار به لكي ندعو لعودته بأي شكل من الاشكال.
كلنا يعلم ان القانون واحترام القانون هما الاساس لحفظ الأمن العام، ولكن القانون يجب أن يكون عادلا. فبامكان حفظ النظام في منطقة معينة عبر قتل أهل تلك المنطقة جميعا وتحويلها الى مقبرة، وبالتالي يمكن لفاعل ذلك الامر الادعاء بأن المقبرة لا يحدث فيها ما كان يحدث في المنطقة المأهولة بالاحياء. وهذا أمر لو حدث فانما يعبر عن فقر شديد في الفهم الانساني للمشكلات التي يواجهها أي مجتمع. فالمطلوب - لتحقيق الأمن ليس تحويل الاحياء الى اموات والمناطق الى مقابر - وانما نشر ثقافة تبني علاقات ثقة بين الشرطي بصفته حافظا لأمن المواطن، والمواطن الذي ينظر للشرطي بصفته جزءا من الحياة العامة.
ربط الشرطة بالقسوة والرعب لا يخدم الغرض، ولم يخدم الغرض في الماضي. والشرطة بحاجة الى ثقافة جديدة تؤهلهم للقيام بدورهم بصورة أفضل. وما حدث أخيرا من تغيير ألوان بعض سيارات النجدة يساعد في نشر انطباع آخر عن الشرطي ودوره في المجتمع. وكثير من البلدان (بما في ذلك بريطانيا مثلا) تربط مراكز الشرطة بالمجالس البلدية. ولذا فإن مجالس البلدية البريطانية هي التي توجه مراكز الشرطة من الناحية السياسية (ما عدا العاصمة لندن اذ تتبع الشرطة وزارة الداخلية). ووزارة الداخلية لها دور تنظيمي غير مركزي في مختلف المناطق، أما التوجيه السياسي للقضايا اليومية الاعتيادية فترجع الى مجلس البلدية ورئيسه للاتفاق مع مسئول الشرطة في المنطقة. كما أن وزارة الداخلية لا تتدخل إلا اذا كانت هناك قضية تتطلب تدخل جهاز القسم الخاص أو جهاز المخابرات أو أحد الاجهزة المركزية التابعة لوزارة الداخلية. أما الامور العادية اليومية فالأمر متروك لكل منطقة لمعالجتها بصورة حميمة بين الشرطة وممثلي الأهالي في المجالس المحلية. وهذا الشعور بأن الشرطة هي جزء لا يتجزأ من تركيبة الاحياء وارتباط الشرطة بممثلي الاحياء المنتخبين ينشر ثقافة مختلفة ورؤية مختلفة عن دور الشرطة. فالشرطة في كثير من الدول الشرقية هي انموذج القسوة والاستعلاء والاستخدام غير الديمقراطي للسلطة. وبعض الشرطة في هذه الدول يرى انه سيد المجتمع وان الجميع تحت سوطه ويجب ان يخافوه وانه سبب حفظ كل شيء. هذا الفهم الخاطئ يحوّل البلاد الى دولة بوليسية، ويتحول الشرطي الى «بعبع» تستخدمه بعض الامهات غير المتعلمات لتخويف اطفالها. والبحرينيون متعلمون وواعون لأهمية دور الشرطي وليسوا أطفالا يحتاجون لمن يخوفهم بمرور سيارة «جيب» أو سيارة نجدة.
ان ما نحتاجه هو البدء بحملة وطنية تثقيفية يشترك فيها جهاز الشرطة مع أئمة المساجد وبإشراف المجالس البلدية المنتخبة لنشر ثقافة المحافظة على الأمن والشروع في برامج مراقبة شعبية، مراقبة الجيران بعضهم بعضا اذا اشتبهوا في أمر ما وابلاغ الشرطة في حال غياب الجيران... لدينا الكثير لنعمله قبل أن ندعو إلى عودة الماضي التعيس
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 109 - الإثنين 23 ديسمبر 2002م الموافق 18 شوال 1423هـ