العدد 109 - الإثنين 23 ديسمبر 2002م الموافق 18 شوال 1423هـ

الاعتزال كفكرة موجودة ولكن كشعب أو جماعة غير موجودين

صالح عظيمة لـ «الوسط»: (1 - 2)

أجرى الحوار - عدنان الموسوي 

تحديث: 12 مايو 2017

ما طبيعة المواجهة الفكرية عربيا؟ وهل هي صراع أم حوار؟ وماذا تعني ظاهرة الإغراق للمفاهيم والمصطلحات في الممارسة الفكرية العربية؟ وهل هذه المصطلحات مخلقة أم مستعارة؟ وهل يمتلك المفكر النهضوي معيارا يزن به صحة برنامجه الفكري النهضوي؟ وما دور العقل لدى الطبقات الإسلامية التي تتصدى للابتلاءات والنوازل؟ وإلى أين نحن نسير في فهمنا لجدل المعرفة الدائر حاليا في فضاءاتنا الثقافية؟... ماذا، وكيف، ولماذا؟

أسئلة طرحناها على بساط البحث مع الفيلسوف والمفكر السوري المولد الفرنسي الجنسية صالح عظيمة، فبماذا أجاب؟... وكيف أعلن رؤاه؟

هنا وفي غمرة سطور هذا الحوار نكتشف ذلك:

أستهل الحديث بمداخلة شخصية لمحدثي قال فيها بعد أن استعرض في الحديث سيرته الذاتية هو أراد أن أكون له عبدا ولكني شئت أن أكون لوطني جنديا فرفضت ذلك لأن الفرق بين العبد والجندي كبير، فالعبد ليس حرا وهذا ما لا أطيق، ومن هنا فشعوبنا كلها صفة «عبد» ولن تعرف خلاصها إلا بالحرية... و... و... وهنا قاطعته متسائلا:

إذن فنحن عدنا إلى حيث انتهينا إلى منظومة قيم الغلبة والتغالب وسيادة منطق القبيلة والأبوة السياسية وإلى غيرها من النظم الحاكمة والمستحكمة كل هذه التداعيات التي نعيشها اليوم؟

- يبدو أن الأمر كذلك!

وما فائدة علوم هذه العقود المنصرمة إذا لم يستطع العلم أن يحدث ويغير في أعماقنا ما يراد تغييره؟

- أية نهضة علمية لا تقوم على ثلاث هذه القوائم التي سآتي على ذكرها فهي نهضة مشوهة، وأما الأساس الأول فهو العقل، وإذا أردت فما أعنيه بالعقل ليس العقل المحكوم لا من الخارج ولا من الداخل... وكيف يكون هذا؟ طبعا بالتربية... والعقل لا يفارقه العلم أبدا لأنه لا يتقدم ولا يدخله شعاع من أشعة النور إلا بالعلم ويأتي بعد التربية الأساس الثالث وهو الحرية التي اختارت مع من ستكون، مع العقل أم العلم ومن ثم انحازت للعقل لأنها لا تفارقه مطلقا وبالتالي فهي في توحدها للعقل تستطيع أن تأتي بالعلم، ولو قسنا الأمور بمنطق هذه الأسس الثلاثة فالسؤال الذي يطرح نفسه: أين هي نهضتنا، وأين هو موقفنا؟

فالعقل نحن وضعناه حبيسا في عاداتنا وتقاليدنا، ووضعناه حبيسا باسم الدين أو الإسلام والدين الإسلامي عندما ننظر إليه بعين فاحصة ونقارنه بالنص الصحيح نجد أنه الوحي المنزل، وهذا ما لا نراه يقف على قدميه لدينا، فالدين الإسلامي لو طبق في حياتنا التطبيق الصحيح لما ترك صنفا من أصناف الشر ولا ترك نوعا من أنواع الأذى إلا بدّلها وغيّرها، ونحن لم نصل إلى هذا المعدن ولم نتحول على الاطلاق. فمعروف لدينا ما هو الإسلام... وما هي أصوله؟

وأما الجهاد والزكاة فهما مغيبان بل لا وجود لهما وما تراه من زكاة فهي زكاة العيدين ولو تحدثنا عن الصلاة فهي بلا شك قد فرغت من محتواها الصحيح فالقرآن يقول: «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر» (العنكبوت:45)، فهل ترى اليوم أن الصلاة لدى قطاع عريض من المسلمين تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ وعليك أن ترى ماذا يحدث في الحج وبذلك لم يبقَ من جهيد الإسلام شيء إلا الأذى وحتى هذا الأذى فرغ من محتواه، وبإمكانك أن تقول إنه إذا كان إسلامنا مشوها أو أعرج فما بالك بعلومنا؟!

لكن، ألا تعقد أنك مارست القسوة على الطبقات الإسلامية المجاهدة التي تتصدى للابتلاءات؟

- لم أقسُ وما قلته هو نقلا عن الواقع، وإنني لم أعتم ولا أنكر أن هناك زوايا مضيئة، ولكن علينا أن ندرك أن هذا هو واقع الإسلام والمسلمين ولم لم يكن هذا الواقع موجودا لكان هناك واقع آخر، واقع المقاومة والصمود في وجه الغزو الثقافي والسياسي والعسكري، والإسلام هو فكر وعندما لا يجد هذا الفكر من يصونه ويحافظ عليه فهو غير موجود، وكل فكرة لا تجد من يقوم ويبشر بها تبقى غير موجودة!

يسوق مثالا من واقع التجربة فيقول: أقول لك الاعتزال «المعتزلة»، فالاعتزال كفكرة موجودة ولكن كشعب أو جماعة غير موجودين، والفكرة موجودة لأن النقاش يحملها في بطون الكتب.

وكيف بقيت إلى يومنا هذا سُنّةُ يزيد الأخلاقية والسياسية والتربوية الملوثة، فاليوم يزيد غير موجود بالمعنى المادي ولكن تم استنساخه وتخليقه على أكثر من صعيد؟

- من سنَّ سُنّة سيئة فله وزرها ووزر من يعمل بها إلى يوم القيامة والعكس هو الصحيح، وما سُنّه يزيد بقي قسم كبير منه وحتى الآن نحن نتحمل أوزاره، وكل وزر نعانيه الآن هو من هذه السنة المنحرفة كما يشهد التاريخ، ان من سنّ سُنّة توريث الخلافة من الآباء إلى الأبناء هو معاوية ولكنها لم تكن بعقل أو بنقل، ويقال إن الإمام علي (ع) هو أول من سَنّ سنّة الخلافة حينما أوصى إلى الإمام الحسن (ع)، فالإمام الحسن بقي خليفة مدة ستة أشهر ولم يذكر ذلك التاريخ، ولكن الفارق بين السنتين أن الإمام علي (ع) كان يعتمد في وصاية الخلافة للإمام الحسن على النص، وهذا النص موجود ولاتزال تحتفظ به وترويه كل الفرق المذهبية الإسلامية... فإذا وجد مثل الإمام الحسن (ع) خليفة فنحن نطمئن له، وأما إذا وجد خليفة كمعاوية ومن ثم يرثه ابنه يزيد فهذا غير مقبول.

وماذا فعلت الأمة العربية منذ الحكم العضود إلى يومنا هذا؟

- لم تفعل شيئا، ولن أتجنى على الحقيقة إذا اعترفت لك بأن الأمة العربية ومع مرور كل يوم جديد تغرق في العتمة والانحراف، وإذا أردنا أن نسمي الأشياء بمسمياتها فعلينا أن نشير إلى بعض هذه الإيماءات للخليفة عمر بن عبدالعزيز، هذا العبد الصالح ولكن ماذا بإمكانه أن يفعل؟

ومن المسئول عن تغييب موروث الحكم العضود في يومياتنا العربية المعاصرة؟

- شراهة الحاكم في الحكم وخبث الفقيه في الفقه هما المسئولان عما نعانيه، فطمع الحاكم في الحكم وطمع الفقيه في الدنيا، فالفقيه باع دينه للسلطان... والسلطان اشترى آخرته بدنياه وانحرف كما يشاء، وهذا هو المختصر المجمل في الموضوع، ولكن علينا ألا نغفل الجوانب الإيجابية... وحتى إذا وصلنا إلى العصور المتقدمة حتى الحرب العالمية الثانية وكيف قسمت «سايكس بيكو» العالم حينما جلس القطبان مدة دقيقة واحدة ووضعا الخريطة على الطاولة وقسّما مناطق النفوذ في العالم هذا لك... وهذا لي ومنذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا لم يتغير شيء وما نلمسه هو حصيلة ما جرى بعد الحكم العضود من إفرازات وتداعيات وغياب القيادة الفكرية والدينية هو البلاء الكبير. وكما هو معلوم فالإعوجاج بدأ عندما نكث معاوية بكل ما وقعه مع الإمام الحسن (ع)، حينما قال: «كل ما اتفقت عليه مع الحسن تحت قدمي»، وهذه حقيقة لا يستطيع أي مُنكر أن ينكرها. إذن هناك انحراف وكثرة آراء في الفقه وانحراف في السياسة، وبما أن الأمور في الوطن العربي والإسلامي كذلك فهل ترى أنه قد تغير شيء؟ لم يتغير شيء، وما نشاهده هو حصيلة هذه التداعيات والإفرازات، ولنعد نحن إلى النبع الصافي الأول إلى «القرآن الكريم» لنعد إلى تكريم الإنسان وإعلاء قيمته، وإلى تحقيق العدل، فالقرآن فيه تبيان كل شيء، وبما أن الصورة واضحة أمامنا كذلك فعلينا بعلوم القرآن، لأن ما عشناه ونعيشه وسنعيشه موجود بتفاصيله في القرآن وعلينا العودة إلى القرآن.

وكيف يمكن أن نحقق ما ترمي إليه ونحن مازلنا نتنازع على جلد الذئب قبل ذبحه ومازلنا نتراشق مفهوم الخلافة على رغم مرور ما يزيد على 1400 سنة، ومازالت السياسة تتقدم على الدين ولايزال بعض علماء الدين يتقدمون بسياساتهم على فقههم؟

- عندما أقول قيادة فإنني أفترض أن لدينا من يضحي أو أن هناك إنسانا قام من قلب العتمة وأضاء حزمة ضوء لينير الطريق للآخرين، فكيف وجد جمال الدين الأفغاني الذي أقام الدنيا ولم يقعدها في مصر ضد الإنجليز وغيرهم، انظر كيف قام الإمام الخميني (قده) وتلامذته وكذلك المسيح وتلامذته... والقيادة يجب أن تفهم.

وهل القيادة هي التي تخلق الشعب، أم أن الشعب هو الذي ينتج القيادة؟

- هذا لا أستطيع أن أفتي فيه، لكن كل ما أعرفه هو أن القيادة الدينية وليست السياسية نور إلهي ينبثق من عتمة الظلام ليتسع شيئا فشيئا إلى أن يأخذ وضعه الطبيعي.

أنت تتحدث كلاما مثاليا قد تفهمه النخبة بصورة وتفهمه العامة، وهي الغالبية العظمى في العالم العربي والإسلامي، بصورة سلبية. وما أعنيه بالجانب السلبي أن على الأمة أن تنتظر انتظارا سلبيا إلى أن يمنّ الله عليها بالقائد المخلص.

- هذا الموضوع الذي أحذر من أن تقف عنده وتقول إنني أعنيه، وأنت لا تستطيع أن تعتمد على العامة إلا عندما تُؤمِّن القيادة المخلصة. فمثلا يوم أن كان الإمام علي (ع) خليفة سأله أحدهم: هل كان مسيرنا من الشام إلى الشام بقضاء من الله وقدره، أم اختيارا منا؟ فقال له الإمام علي (ع): والله ما علوت طلعة وما نزلت بوادٍ إلا بقضاء من الله وقدره... فقال عند الله يا أمير المؤمنين أحتسب الثواب. وعندنا قيادة، وهذه القيادة هي التي تركها الرسول (ص) والإمام علي بن أبي طالب (ع) شرحت للناس مبهمات أمورهم وبينت لهم الطريق. وعندما أقول قيادة فليست القيادة أن تمشي على عمى وإنما على بصيرة وتجعل العامة في مصاف من يعرف واجبه واعتقاده وهذا ليس على الله بعزيز.

وإذا أردنا إنتاج قيادة صالحة فعلينا العودة إلى الأساليب الغربية ـ وأتمنى ألا يفهم كلامي خطأ ـ لأنني حينما أدعو إلى الاستفادة من الأساليب الغربية فلا أدعو إلى تقمصها بأمراضها وعللها وإنما بما يعود بالفائدة من هذه الأساليب على الأمة مع تضمين هذه الأساليب الروح الإسلامية والعمل على تحديث الفكر والمنهج في الخطاب الإسلامي والعمل بمبدأ الحداثة من دون إخلال بالنصوص.

وبما أنني أرى في منطلقاتكم «أركونا» إسلاميا، فكيف تنظرون إلى قراءة محمد أركون من جهتكم ومن جهة ما يطلق في المجتمعات الإسلامية؟

- محمد أركون بلا شك مفكر، ولكن دعني أتحدث هنا بصراحة، فنحن لنا عليه مآخذ. فهو لا يتقن العربية كأهلها وكما يحس بها العلماء المتمرسون، وقد قدم أشياء بالعربية وهذه أضاعته وأضاعت العربية معه، ولذلك تجده لم يؤلف بالعربية كتابا واحدا واحتفظ بوثائق تثبت أن محمد أركون لم يستطع أن يأخذ بتلابيب اللغة العربية، وهذا كله بسبب حال الانبهار بالحضارة الغربية «وهذا حقه» لأن ما رآه في العالم العربي من تشرذم وتخلف جعله منحازا للحضارة الغربية، لكن كما أعرفه باعتباره صديقا هو قلبه وعاطفته مع أمته العربية، ونقدي له وما تعرض له على أيدي المفكرين الفرنسيين والغربيين بسبب محاولة نقله المفاهيم الأوروبية بمقاييسها إلى العرب لا يلغي وجوده باعتباره مفكرا على الصعيد العالمي، وفي المقابل فنحن يجب ألا نوافقه على كل ما يطرحه ولا ينبغي أن نغيِّبه.

لكن وكما نعلم ثمة ظاهرة بدأت تتنامى وهي ظاهرة تفريخ المصطلحات في الممارسة الفكرية العربية، فيما تلك المصطلحات تظل بمعزل عن حقيقة ومؤدى تخليقها وإيجادها.

- نحن نريد أن نأخذ من المصطلحات ما يناسب واقعنا ويتصل به وما يمكن أن يكشف لنا عن أمراضنا، وأما ما تبقى من مصطلحات تكشف عن أمراض في مجتمعات أوروبية وغربية فهذه قد نعرفها ولكن لا نعمل على تطبيقها. ويضيف: هنالك فرق بين ما أعرف وبين ما أعتقد، لأن ما نعرفه يخص الآخر وما نعتقده يخصنا نحن، وهذا أيضا يلزمنا وعلينا أن نستفيد من كل الإعلام والمصطلحات مع تحقيق الشروط الموضوعية لكيفية الاستفادة من الآخرين والإضافة إلى ذواتنا من كل جيد، فهذه هوية وهويتنا هي القرآن والذين أنزل عليهم القرآن هم الرسول وآل بيته وحوله نشأت كل العلوم الفقهية والعلمية والفكرية والفلسفية والسياسية، فهذا الكتاب العظيم الذي حمى هذه الأمة ولغتها وتراثها ومنه نشأ كل شيء ينبغي ألا يقال إنه مرحلة تاريخية مرت. وقد أقول إن جيل والدي مرحلة تاريخية مرت ولكن قيم والدي لا يمكن أن تكون مرحلة تاريخية مرت. هناك قيم منها ما أبقيه مادمت حيا ومنها ما لا أستطيع أن أبقيه، وكذلك القيم بالنسبة إلى القرآن والنبي والعترة الطاهرة.

ألا تعتقد ان ما يؤخذ اليوم على أصحاب المنهج التحديثي «الحداثي» صدامهم المروع مع بعض القيم الثابتة؟

- فيما يتعلق بهذه النظرة فإن لها أكثر من جانب، فهناك من نظر وأنكر الوحي ورسالة الإسلام واعتبرها تاريخية، وهناك من قال إنها كل شيء. ونريد أن نعود إليها كما كانت وهذا أيضا فيه غلو، وهناك من وقف موقفا وسطا وربما كان هذا هو الرأي الأكثر اعتدالا وقبولا عندنا لأنه الموقف الوسط، لأننا لدينا هوية ولا نستطيع أن نأتي بالغرب ونقول هو هويتنا. صحيح، ان عمل الإنسان هو هويته لكن هذا العمل ما هو؟... من أين ينشأ؟... ما طبيعته؟ هذه الأسئلة يجب أن تكون لها إجابات واضحة، وبمعنى آخر إجابات واضحة لا تدفعنا إلى أن نتخلى بأي شكل من الأشكال عن القرآن





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً