العدد 108 - الأحد 22 ديسمبر 2002م الموافق 17 شوال 1423هـ

متى نفهم الدرس فلا نكرر الخطأ؟

الفقراء يدفعون الفاتورة والأغنياء يحصدون الغنائم

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

لا أعلم هل هو قدر البحريني ان يبقى فقيرا ومهمشا وضعيفا وساذجا وبسيطا وفي كل الحالات وفي كل الظروف؟ وهل قدره دائما ان يكون الحلقة الاضعف، وان يكون هو الذي يدفع الفاتورة في نهاية المطاف؟.

وعندما أقول البحريني لا أعني به تلك الطبقة العليا من المجتمع فهي قادرة على الامساك بكل الخيوط واللعب في كل الأوقات والحصول على المكتسبات والحصص والغنائم في كل المراحل ومن نظر الى بعض الأسماء في المراحل الانتخابية (البلدية والنيابية) تكفيه عناء البحث، فمع قراءة بعض الأسماء يرى المراقب كيف تتغير الجلود والمشاهد والصور وكيف يخرج (الأبطال) من جحورهم وأوكارهم ورمالهم سواء في التيار الليبرالي أو الإسلامي أو اليساري أو التوكنوقراطي وغيرهم فلقد طبق ذلك المثل الجميل بحذافيره «عندما يصبح البحر هادئا يصبح قبطان كل سفينةٍ بطلا».

ولعل أكبر مرحلة بطولية عشناها هي في الفترات الانتخابية مع موسيقى تلك البرامج الانتخابية العملاقة من «حل قضية البطالة» و«محاربة التجنيس العشوائي» و«إعطاء مسكن لكل مواطن» و«محاربة الفساد» و«كفانا (هرار) فلنبدأ العمل» صورة بابتسامة، وصورة بتكشيرة، صورة فوق حصان واحيانا فوق بغلةٍ «شوارعكم ستغيّر» «بانتخابنا تحققوا المستحيل» «سنغير المطار» «سنمنع التلوث» وماذا بعد كل ذلك... النتيجة المقولة المضحكة المبكية لأحد رؤساء البرلمان في كلمته العصماء «الحمد لله على النجاح وكلنا في تعاون ومحبة وتفاهم و... وأشكر وأشكر وأشكر» هذه الديباجة التصريحية الجميلة تعطيك المؤشر الرئيسي «أشكر» والمفارقة الكبرى بين هذه اللغة ولغة أحد الرؤساء الفائزين في إحد المناصب الرئاسية للبرلمان الكويتي حيث عند الفوز قال بكل جرأة ووطنية «نحن سنبدأ بمحاربة الفساد وباستجواب الوزراء الفاسدين وسنعمل بكل ما أعطينا من صلاحية برلمانية لعودة أسرانا في العراق ونطمئن عوائلهم أننا سنسعى لتحريك هذا الملف على المستوى الدولي وفي المؤتمرات العربية».

وهذا هو عين ما قامت به اللجنة البرلمانية لحقوق الإنسان في المجلس النيابي... ومن ثم قالت «أشكر أشكر» «هذا بداية الغيث... ثم ينهمر» المهم الضحية في كل ذلك هو المواطن البحريني هو دفع فاتورة هذه المراحل من سجنٍ وغربةٍ وتعذيبٍ ليقدمها على طبق من ذهب. كيف سيترافع بعض هؤلاء عن هموم البطالة والعاطلين وبعضهم «يتملك مصانع ومقاولات» مليئة بالعمالة الأجنبية وراتب العامل البحريني عنده لا يتجاوز الـ 120 دينارا بل بعضهم يرفضون حصتهم البحرينية الملزمة لهم بتوظيف بحرينيين في عقاراتهم ومشروعاتهم التجارية وإذا أردت الألم فاذهب إلى وزارة العمل والشئون الاجتماعية لترى فضائح بعض النواب من بعض الفائزين والخاسرين في انتخابات البلدية والبرلمانية.

المشكلة الكبرى أن الضحية هم الفقراء وشبابنا الفقير فهو يقدّم وقودا الى المحارق وأبناء الأغنياء والمنظرون هم الرابحون في نهاية المطاف.

وانظر الى بعض الابطال الميكروفونيين في مجتمعنا العربي وجزء من مجتمعنا البحريني أين يعيشون؟ كم من العقارات التجارية والفلل يمتلكون؟وأين هم أبناؤهم يدرسون؟ وخصوصا من لا ترتفع أصواتهم الثورية إلا وقت الهدوء! تجدهم في أجمل حديقة وسكن، يمتلكون عقارات لا تستطيع حسابها والأبناء يدرسون في أعرق الجامعات العالمية وتجد المفارقة ان من ينادي منهم مثلا بحقوق العمال هو أول القامعين لهم في مصنعه الخاص، وتجارته الخاصة أو مؤسسته وتجد المفارقة الكبرى أنه دائما ما يحرص على ابعاد أبنائه عن أية مواجهة سياسية مباشرة قد تؤدي الى ما لا يحمد عقباه ولكن أبناء الفقراء وبناتهم ونساءهم هم دائما في الخطوط الأمامية لأن الله كتب عليهم ان يضحوا وان يبذلوا وان يهتفوا من اجل عيون مثل هؤلاء «الانتهازيون هم وابناؤهم» لكي يترأسوا عليهم في نهاية المطاف.

وهذا عين ما نشهده على الساحة السياسية في البحرين ان فقراء القرى الطيبين دائما ما يدفعون الضريبة وهم أقل حظوة ساعة توزيع الكعكة والغنائم السياسية والاقتصادية، انظر الى شوارعهم، انظر الى قراهم، الى فقرائهم. أنا لا أقول ذلك بتحيز ولكن ما أشهده وما يصلني يوميا من مآس يشيب لها الرأس.

المصانع التجارية في البحرين مليئة ببنات القرى والقطاعات العامة والخاصة وغيرهم مليئة أيضا بالعمال البحرينيين من ذات القرى لماذا لم يجدوا لهم فرصا للدراسة في الجامعة؟ أتعلمون لماذا؟ لأن الفقر يأكل أبدانهم خصوصا مع ارتفاع الرسوم في الفترات السابقة ومع عسكرة الجامعة من قبل الوزير السابق، الوزير المحبوب جمال عبدالناصر.

وجزء من ذلك سياسة الإهمال الرسمي لمثل هذه القرى إذ لا مركز ثقافي، لا مركز توعوي، لا بنية تحتية، كما أن هؤلاء ذهبو ا ضحايا التناقضات السياسية بين السلطة والسياسيين، إضافة الى ذلك كله الثقافة التسطيحية التي تقدم للناس عبر بعض المنابر الاجتماعية:

- عوائل تحارب من أجل الوجاهة المأتمية والاجتماعية والضحية أبناء الفقراء.

- تشاحنات في صراعات وهمية على قضايا تقليد، على قضايا موكب، على قضايا أعلام وصور...

وللأسف نحن لم نذهب ضحايا هذه المعارك الوهمية فقط بل رحنا نتفاعل مع القضايا الأخرى الإقليمية وعلى حساب تأهيلنا السياسي والاقتصادي.

وهنا أسأل سؤالا واضحا وصريحا: من سأل عن معتقلينا البحرينيين وعن عوائل الشهداء الكرام وعن آلام الفقراء صحيح نحن نحب الفلسطينيين والإيرانيين واللبنانيين؟ نحن نحترمهم جميعا ونقدر تجاربهم ولكن لماذا نكون فلسطينيين أشد من الفلسطيني نفسه وإيرانيين أشد من الإيراني نفسه ولبنانيين أشد من اللبناني نفسه. نعم نحن نؤمن بتفاعل المسلم مع إخوانه وقضاياهم الإسلامية ولكن يجب ألا يدفعنا حماسنا الى درجة نسيان ما يقع على أبنائنا وما نعيشه من ملفات خطيرة وقاسية.

لقد بقينا سنينا طويلة لم نر أحدا يتبنى قضيتنا بربع ما تبنينا قضاياهم بل راح البعض ليزايد بعفوية تضر الجميع حتى أصبحت على حساب كل ما قدمنا من تضحيات في سبيل هويتنا الإسلامية والقومية والعروبية في هذا البلد. أرجو ان لا يفهم كلامي انه يرفض القضايا الإسلامية العربية ويدعو الى عدم التفاعل معها أبدا ولكني أقول: «يجب أيضا ان لا تضيع قضايانا المحلية ومستقبلنا السياسي الذي ضحينا في سبيل تأهيل مجتمعنا بسبب مزايدات لا نحصل من ورائها إلا على التهميش والإقصاء. لذلك أنا أدعو جمعياتنا لتبني المشكلات الاقتصادية للمجتمع من بطالة وتجنيس وفقر والدخول فيها بطريقة حوارية مع السلطة وبأسلوب ناضج بعيدا عن الخطابات المأزومة والاستعراضية. واعتقد أننا نمتلك رموزا مؤهلين كنت قد تكلمت عنهم سابقا كما واننا نحتاج الى واجهات ثقافية ناضجة موضوعية غير مؤدلجة بشعارات بطولة الفرد، لكي تناضل من أجل خطابها عن مرحلة النضال المباشر فتلك لها لغة وهذه لها لغة أخرى.

فلنفكر في الترافع عن تأهيل مجتمعنا خصوصا المناطق الفقيرة اقتصاديا وثقافيا بدلا من كل هذا الشحن السياسي المؤدلج فلنتعلم قليلا من بعض رفقائنا الليبراليين أو حتى بعض الإسلاميين - أقول البعض وليس الكل حتى لا أظلم الجميع - فلننظر كيف يؤهلون اولادهم ومشروعاتهم فهم ينطلقون على قاعدة: «أهل ابنك أكاديميا واقتصاديا واجعله على حافة السياسة».

آما نحن فأبناؤنا دائما في الصفوف الامامية على خط النار:

- في الاعتصامات، في المظاهرات، في المعتقلات، في تبني الندوات، في التهجير، في المواجهات، في خطبة، في ندوة، في اعتصام، في توقيع عرائض... وفي نهاية المطاف: أبناؤهم هم يحصلون على الشهادات العليا، والمناصب العليا وابن الفقير ان اسعفه الحظ والوقت والمال أهل نفسه عمليا وأكاديميا وإلا تراه يصارع الحياة في طلب الرزق. ولذلك عندما سألت أحد هؤلاء (ديمقراطي) وهو من ترتفع عقيرته دائما بالمواجهة والتحدي (سابقا) عن عدم رؤيتي لابنه ولا في مسيرة واحدة قال: «ولدي يدرس في جامعة في الخارج والبركة في هؤلاء واحنه ترى أولادنه غير، ما تعودت على مثل هالامور والبركة في أبناء القرى ما يقصرون».

والمشكلة أن الكثير ممن ينادون بلغة مأزومة هم أول المبتعدين ساعة الاختبار على الأرض ونحن الآن نلحظ أسماء مختلفة طفت على السطح ومازالت تزايد في كل شيء وهي لم تقدم شيئا، أسماء برزت لا أحد يعلم عنها شيئا، أين كانت بالأمس...؟ وهذه الظـاهرة المرضية الموجودة عند جميع التيارات بمن فيها التيار الإسلامي وأحيانا تجد العائلة وأبناء عمومتها وأزواجها وأخواتها انتشرت في كل المواقع وترى المزايدات تصل الى عنان السماء فيسأل المرء نفسه: معقولة؟! أين هؤلاء بالأمس؟ وبعض هؤلاء يُطلب من راتبه 10 دنانير لعائلة شهيد فلا يقدمها واليوم أصبح يجر وراءه عربة من تحيات المحبة للعاطلين والشهداء. وأصبح عندنا جمعية للعرق الفلاني والعرق العلاني كما هو موجود شركة لمجموعة من البشر على حساب مجموعة من البشر، والمهمشون في كل ذلك والضحايا هم أبناء القرى ولا أعلم إلى متى سيبقى هؤلاء يدفعون (الخمس) ولا يرون له انعكاسا على حياتهم، في حين يبنى به مستشفيات في دول أخرى ومراكز تعلم، أليس أبناؤنا الفقراء أحق به؟ بل هناك من الفقهاء من يرى حرجا شرعيا في اخراجه إلى خارج البلد ما دام في ذات البلد محتاجون وفقراء.

- لماذا لا يؤسس الخمس في مؤسسة تحت إشراف فقهي قطعا لأي تلاعب؟! فكما انه يوجد فساد مالي وإداري في مؤسسات الدولة كذلك يوجد فساد إداري ومالي في أموال الخمس وفي كيفية توزيعها لدى بعض الوكلاء، فحتى لو كان الوكيل زاهدا ومحترما فما الضمانة ألا يصبح ابنه أو قريبه أو صديقه متلاعبا فيستولي على كل شيء بعد رحيل الأب.

والضمان في ذلك وجود مؤسسة علمائية مع وجود حسابات ومدقق حسابات تكون بمثابة صمام أمان لقطع أي تلاعب. وذاته يجب ان يكون في إدارة الأوقاف التجارية التي لو استغلت أموالها بطريقة صحيحة لأصبح أبناء القرى في خير بدلا من هذا الفقر وهذه البيوت التي لا يسكنها حتى الفئران. من يصدق صورة ذلك البيت الذي عرض في التلفاز بقرية المقشع والمرأة تصرخ وتقول لسمو ولي العهد: تعال... تعالَ وانظر... وهي تشير إلى فقرها، مئات من العوائل تعيش أشد من ذلك، ولكن أين هي الأموال؟ فالناس خرجوا بلا أموال، وبعد ذلك يقدمون محرقة للحروب أيضا. وسؤال فقهي حرج يجب ان نأخذه بعين الاعتبار: هل يستطيع المكلف ابراء ذمته أمام الله عندما يخرج الخمس إلى موقع هو يحرز مسبقا باحتمالية وجود شبهات؟ ما الحل إذن؟ وجود مؤسسة أو وكالة تقوم بهذه المهمة أما غير ذلك فيعني التلاعب والفساد وكثرة اللغط والشبهات.

فعلى الإنسان ان يراجع ذاته ودينه بدقة وان يراعي الله في كل ذلك بما يخدم دينه وحياته فالعمل اليوم جماعي ولكن الحساب الأخروي ذاتي وشخصي.

ولي هنا بعض الملاحظات:

- ليست المهارة ان تجمع ألوفا بشرية ولكن مهارتك ان تحولها إلى برامج عملية في السياسة وليست خطابات انشائية تدغدغ العواطف أو التشبث والاصرار على شعارات بعيدة عن الواقع.

السياسة برنامج عملي واضح واستراتيجية تؤسس عن طريق عقول استراتيجية تقرأ الواقع بأرقام وبموضوعية علمية.

- في شأننا السياسي تلوث سياسي وفرق بين ان نتنفس هواء ساما وهواء نقيا ونحن نحتاج إلى إعادة صوغ ثقافتنا، فهي حبلى بتراكمات سلبية وإيجابية ونحتاج إلى إزالة تلك الحواجز الحزبية التي قسمتنا إلى شيرازي وخوئي وسيستاني و... فكلهم مراجع فقهية محترمة وعلينا ألا نتعصب لفلان على فلان. دعونا نرى ما يؤهل مجتمعنا برؤية متوازنة من دون وصاية أحد علينا «فلسنا بهائم فلان ولا علان» نعم، نحترم الجميع ونقدرهم ولكن يجب ان يكون للإنسان خصوصا المثقف استقلاليته في الرؤية لا ان يصبح ذيلا وتابعا في كل يوم يدخل في صراع مع فئة ومجموعة و... كل ذلك يصبح على حساب تأهيل مجتمعنا لأنه ما قتل مجتمعنا شيء كالمعارك الوهمية المؤدلجة تأدلجات شخصية.

- يؤلمني كثيرا ان أرى شابا بحرينيا عاملا يتآمر عليه هذا الأجنبي وذاك خصوصا من كان عقله يؤهله للدراسة الجامعية بيد ان فقره حال دون متابعة فاليفرضوا عليهم الدراسة حتى لو اضطروا لوضع الدينار على الدينار وإلا فإنهم لن يروا مستقبلا لهم فضلا عن أبنائهم فإني رأيت وأنا أبحث ملف التجنيس العشوائي ان بعض هؤلاء يحرص على إدخال ابنائه الجامعات. فهم بلا جامعة وقد مسكوا كل شيء فكيف لو حصلوا على الدراسة الجامعية؟

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 108 - الأحد 22 ديسمبر 2002م الموافق 17 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً