العدد 108 - الأحد 22 ديسمبر 2002م الموافق 17 شوال 1423هـ

لوحاته لم تكن تفارق مكانها ولا صيرورة زمانها

دمشق تشيّع التشكيلي الفلسطيني مصطفى الحلاج

شيعت دمشق مؤخرا جثمان التشكيلي الفلسطيني مصطفى الحلاج إلى مقره الاخير في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك جنوب دمشق، حيث وري الثرى، وشارك في التشييع مئات من الفلسطينيين والسوريين بينهم شخصيات سياسية ومثقفين وفنانيين واصدقاء الراحل.

وكان الفنان الراحل قد توفي قبل ايام اثر حريق في مرسمه في صالة ناجي العلي بدمشق عن عمر ناهز 64 عاما، قضى القسم الاكبر منه في خدمة القضية الفلسطينية من موقعه كواحد من ابرز التشكيليين الفلسطينيين، بل هو من أبرز رواد التشكيل الفلسطيني، ويلخص احد الكتاب الفلسطينيين تجربته بالقول «يحتل مصطفى الحلاج منذ مطلع الستينات موقعا في الساحة التشكيلية العربية والعالمية، بدءا من تجاربه الأولى في النحت والحفر وحتى تجاربه الأخيرة في الحفر والطباعة على مواد مختلفة، تنقل خلالها بين الحفر والتشكيل بالألوان وفن الملصق (البوستر) والكاريكاتور... حصل على جوائز. سافر كثيرا، عاش تجربة الثورة الفلسطينية من داخلها. شديد النهم للقراءة والسينما. وهو متطرف في كل شيء. حاد الوعي والمزاج معا، صادق، صريح حد الجرح».

ولد مصطفى الحلاج في قرية سلمة قضاء يافا بفلسطين العام 1938، ودفعته الهجرة خارجها في العام 1948، درس النحت بكلية الفنون الجميلة في جامعة القاهرة، ثم اتمم دراساته العليا في مراسم الاقصر بالقاهرة العام 1964.

شارك الحلاج بحضور قوي وفعال في الحركة الفنية الفلسطينية والعربية على مدار اربعة عقود متواصلة، وكان حاضرا بأعماله في الكثير من المعارض التي اقيمت في البلدان العربية وعبر العالم، وشارك في كثير من لجان تحكيم مهرجانات تشكيلية ومسرحية وفنية في كثير من دل العالم، وكان عضوا نشطا في الحركة التشكيلية والثقافية الفلسطينية والعربية.

نعت حركة «فتح» الفلسطينية مصطفى الحلاج بالقول، انه عاش«مناضلا ومثقفا عضويا ملتزما هموم شعبه وأمته، وقضى نحبه مقاتلا بفنه الملتزم في الموقع المتقدم، حافظ طوال مسيرته النضالية والإبداعية على مبادئ ومنطلقات حركته وثورته الفلسطينية المعاصرة، فكان بامتياز مبدعا رائدا ومميزا في ساحة الإبداع الوطني والقومي، كرم لمرات عديدة، ونال الكثير من الأوسمة في الساحات الوطنية والقومية والدولية، وكان سفيرا لحركته وقضيته وشعبه وأمته في كل هذه الساحات».

وصف الناقد الفلسطيني عبدالله ابو راشد، اعمال الحلاج، فقال «لوحات (الحلاج) لا تفارق مكانها وصيرورة زمانها في التعبير عن الذات الفردية المتماهية مع الذات الجمعية للإنسان العربي المقاوم في أشكال مقاومة من نوع آخر، سلاحه فيها ذاكرة متوقدة ويد ماهرة تحسن فعلها في خامات ومواد صناعية تجد في صفائح الخشب (المازونيت) كبداية والواح(ن. د.ف) كمرحلة آنية، توزيعا عارفا لقدرات الخامة ومساحة التخيل في وضع المؤثرات الحفرية ما بين الغائر والنافر في موسيقى التوازن ما بين سطحين متناقضين».

عاش مصطفى الحلاج متنقلا ما بين القاهرة وبيروت ودمشق، التي استقر فيها خلال العقدين الاخيرين، وفيها انجز الكثير من أعماله، وآخر لوحة هي الاكبر في العالم، اذ يبلغ طولها 114 مترا وبعرض نصف متر محفورة على الخشب، تحكي قصة حياة الانسان وعذاباته.

وكان الحلاج وصف علاقته بهذا العمل في مقابلة معه بالقول «أعيش معه بقلق وتوتر. هو عمل بدأت به في تونس، منذ العام 1996، ولم أكن أعرف كيف سيسير، كما أنني لا أعرف الآن إلى أين سيصل. أسميته (تجليات الحياة)، أعني الحياة اليومية وتفاصيلها. ما أعرفه منه (خيط المسبحة)، أما حباتها، وعدد هذه الحبات، فهي تأتي في حينها. ولا أستطيع أن اصف العمل، خصوصا أنا ما زلت أشتغل عليه. حين أنتهي منه، يكون ملكا للناس، وأنا واحد منهم، أنظر إليه بحياد. الآن هو ملكي، وأنا ملكه. قد أخرج إلى الشارع وألتقط وجها، فأعود وأرسمه. وقد أرسم من الذاكرة ما يتصل بتفاصيل القضية والصراع. والحياة والموت يتجادلان هنا كما الفرح والألم»





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً