هل أنهت الولايات المتحدة استعداداتها لخوض الحرب على العراق؟ كل الدلائل تشير إلى ان واشنطن باتت جاهزة للهجوم في اللحظة التي يوقع فيها الرئيس جورج بوش قرار الحرب. والتوقيع ينتظر الوقت المناسب... أي حين تجد ادارة البيت الابيض الذرائع الكافية لتسديد ضربتها.
واشنطن انتظرت سنة وتستطيع الانتظار مدة اضافية لتظهر امام العالم انها تقوم بحرب عادلة وشرعية، تجاوبت قبل حصولها، مع كل المتطلبات القانونية والضرورات الشرعية. فمنذ صدور القرار الدولي (1441) تتصرف ادارة بوش وتتحرك عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا وكأن الحرب اعلنت رسميا وبقي عليها اتخاذ الخطوات اللازمة لتطويق تداعياتها. فالقرار الدولي، كما فهمته الادارة الأميركية، هو خطوة لابد منها للاتجاه نحو الحرب وليس انهاء لها كما أرادت المجموعة الدولية من اصداره. وكل الكلام الذي صدر عن عواصم الدول الكبرى من ان هدف القرار تجنيب العراق مخاطر الحرب هو مجرد حديث يراد منه تقطيع الوقت وتبرئة الذمة من النتائج الكارثية المحتملة. فالقرار ليس لمنع وقوع الحرب وانما لتحديد السقف القانوني المطلوب لتغطية مختلف الاحتمالات منها تطويق الامتدادات المتوقعة في ضوء انعكاساتها السلبية في المنطقة العربية الاسلامية المحيطة بدولة العراق.
منذ صدور القرار (1441) اتجهت الولايات المتحدة نحو خفض تهديدات سابقة ضد 40 دولة عربية واسلامية وركزت جهدها على دولة واحدة. وعمدت ايضا إلى قبول مجموعة تنازلات شكلية حتى تستكمل عدة الحرب وتمنع ظهور قوى معارضة للهجوم المحتمل. ولجأت واشنطن إلى العمل على اكثر من صعيد وجبهة. فبدأت بالمعارضة العراقية وضغطت باتجاه تشجيعها على عقد مؤتمر والخروج بصيغة اتفاق شكلي واختيار قيادة (مجلس انتقالي) يقال أنها ستحكم العراق بعد سقوط نظام صدام حسين لفترة مؤقتة.
الجبهة الداخلية كانت اهم مطلب اميركي لتبرير الهجوم العسكري بغطاء محلي. إلا ان المعارضة (الهزيلة والمفككة) ليست كافية لتقديم الذرائع للهجوم.
فالمعارضة حاجة أميركية لكنها ليست حاجة عربية - اسلامية وتحديدا تلك الدول المجاورة للعراق.
فحتى تنضج الشروط كان لابد ان تتحرك واشنطن على جبهات مختلفة لتهدئة المخاوف التي ابدتها اكثر من دولة عربية واسلامية، متبعة سلسلة تكتيكات سياسية تمزج التهديد بالوعيد وتميل إلى تقديم ضمانات وتعهدات بأنه بعد العراق ستقف الحرب في اطار حدوده ولن تخرج إلى دول الجوار.
هذه الوعود قد تكون «صادقة» قبل الحرب. فواشنطن تريد تسديد ضربة عسكرية سريعة تعطيها الكثير من الربح مقابل القليل من الخسائر. إلا ان تلك الوعود قد تتحول إلى ضمانات «كاذبة» بعد وقوعها.
فالحرب ستنتج عنها مجموعة معادلات جديدة تعيد تركيب الاستراتيجية الاميركية في ضوء نتائجها. فإذا كانت اميركا بحاجة إلى ارضاء دول الجوار قبل الحرب فإن تلك الحاجة ستنهار مع انهيار دولة العراق وتمركز قواتها في بلاد الرافدين. وهذا الوضع الجديد سيفرز حاجات جديدة ومختلفة تعيد ترتيب الاهداف الأميركية في سياق لا يتفق بالضرورة مع التوجهات التي قيلت في السابق.
الامر نفسه ينطبق على المعارضة العراقية. فالكلام الذي نقله ممثل الادارة الاميركية زلماي خليل زاده وتضمن الكثير من الوعود والضمانات والتنازلات والتعهدات للمعارضة المجتمعة في لندن ليس إلزاميا. انه مجرد كلام يقال في مناسبة لتمرير بعض النقاط وتبرير سياسة معينة لفترة قصيرة. وحين تنتهي تلك المناسبة فإن الكلام سيذهب معها ليحل مكانه ما يخالف الضمانات السابقة. فالمعارضة الآن حاجة اميركية ايضا، لكن بعد الحرب لن تبقى الحاجة على حالها... كذلك المعارضة. فعند واشنطن الكثير من البدائل. وأول البدائل معارضة المعارضة بهيئة سياسية مضمونة اميركيا مئة في المئة.
المعارضة العراقية الآن لن تبقى كما هي بعد الحرب وضرب الدولة. فالعراق سيتغير، كذلك المعارضة ودول الجوار
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 107 - السبت 21 ديسمبر 2002م الموافق 16 شوال 1423هـ