وهكذا بدأ العد التنازلي لخصخصة قطاع الاتصالات مع الإعلان عن نية قبول العروضات بشأن الحصول على تراخيص لشركات الهواتف النقالة، وكل ذلك بعد أن صدر قانون حدد الجدول الزمني لتقبل عروض الشركات خلال ستة شهور من تاريخ صدوره، ومن المتوقع اكتمال استقبال العروض حتى شهر أبريل/ نيسان المقبل. وينص القرار الحكومي على أن شركة واحدة فقط ستحصل على ترخيص لتوفير خدمة الاتصالات عبر الهواتف النقالة.
والتزاما بمبدأ الشفافية ستكوّن هيئة منفصلة عن الوزارة لتقبّل العروض والبت فيها من قبل المنظمين المستقلين، الذين لازالوا في طور التعيين...
ومع بدء هذا المشروع الكبير تزداد الشائعات عن أهلية المؤسسات والشركات التي تزاول مهنة قريبة من الهواتف المحمولة، إلا ان المؤشرات تشير الى ان العروض المؤهلة للفوز بالرخصة ستتكون من مجموعة من الشركات المختصة في هذا المجال.
والأمل يحدونا جميعا في أن نبدأ عهد الخصخصة بهذا الحجم الكبير من دون السماح للممارسات القديمة في تسيير الاعمال الاقتصادية بالتسرب إلى هذا القطاع الحيوي. وجميع الدول التي شرعت في خصخصة الاتصالات ونجحت فيها حصلت اجهزتها المختلفة على دفعة قوية لخصخصة بقية القطاعات (مثل الطاقة والخدمات المختلفة التي توفرها الدولة)، وفي بلدان اخرى كادت عملية الخصخصة أن تؤدي إلى الإخلال بالمشروع نفسه نتيجة دخول ملابسات كثيرة غير مقبولة من الناحية الاقتصادية القائمة على المنافسة الشريفة والشفافية.
ففي لبنان، البلد الذي تخضع فيه الاعمال الحكومية لرقابة برلمانية، تسببت عملية تحديد ضوابط سوق الهاتف المحمول (الخليوي) في ازمة كادت تطيح بحكومة رفيق الحريري، ومازالت الازمة موجودة لوجود خلاف بشأن انتهاء عقد مع شركتين كانتا تسيطران على سوق الاتصالات، وحاولت الحكومة في عهد سليم الحص ان تجدد العقدين على ان تحصل الحكومة اللبنانية على شروط افضل، ودخلت القضية المحاكم المحلية والدولية. وتعقدت الامور عندما حاول الرئيس اللبناني ادخال شروط جديدة لضمان دخول اطراف جدد، خصوصا ان احد الاطراف الحالية لها صلة قرابة بأطراف الحكم اللبناني. وعلى هذا الاساس ضاعت المقاييس التجارية والنفع العام للدولة بسبب التدخلات السياسية من أطراف الحكم التي سعى كل واحد منهم لضمان حصة له في هذه السوق المربحة جدا. وفي البحرين، يجب علينا إبعاد التأثيرات السياسية عن عملية خصخصة سوق الاتصالات، لأن التجربة اللبنانية تثبت ان القطاع الخاص يخسر وتخسر الدولة ايضا بسبب تسابق الاطراف المتنفذة إلى الفوز أو إلى جرجرة الفائدة لها من دون مراعاة للامور الاهم المطلوبة لإنجاح مشروعات الخصخصة، بما ينفع القطاعين الخاص والعام. وفي بريطانيا تفرض الدولة نظاما رقابيا شديدا لمنع أي محاولة لتجيير عمليات الخصخصة لمصلحة أي شخص أو أية فئة. ومن الجرائم التي تلاحقتها السلطات البريطانية هناك هي أية دعوى تثبت أن شخصا ما حاول تسريب معلومات أو اتخذ قرارا بشأن الخصخصة يستفيد منه هو شخصيا أو يستفيد منه أحد المقربين إليه. كما أن البرلمان البريطاني والصحافة تمارسان دورا رقابيا مسئولا بعيدا عن التهويل وبعيدا عن الشائعات التي تكثر بصورة اعتيادية، ولكن ليس بعيدا عن متابعة الأمور بصورة دقيقة للتحقق من حسن الأداء وعدم وجود أية ممارسات فاسدة.
اننا في بداية عهد جديد يبشر بالخير، ونأمل أن تتواصل الجهود لاحقا لعرض أسهم الشركات التي ستفوز في البورصة لكي يتمكن الناس من استثمار أموالهم في القطاعات المربحة. وأهم القطاعات التي تربح هي التي تتعلق بالاتصالات وتقنية المعلومات والاعلان (التلفزيون، الاعلانات، الصحافة... الخ) والمشروعات الترفيهية والسياحية (العائلية والبيئية)، والتدريب المتطور المرتبط بحاجات السوق... الخ، وأملنا أن يتم تفعيل أعلى مقاييس الشفافية والمنافسة الشريفة لكي نتمكن من تشجيع رأس المال المحلي على الاستثمار داخل البحرين، وبذلك نستطيع أيضا اقناع رأس المال الأجنبي بالمجيء إلى البحرين. وبحسب الاحصاءات الاقتصادية فإن هناك أكثر من 17 بليون دولار من الأموال البحرينية الخاصة مستثمرة أو مودعة خارج البحرين، ولو استطعنا أن نجلب ربعها أوثلثها فإن السوق ستتحرك بسرعة وتنمو نموا كبيرا. والدولة مسئولة عن مساعدة هذا المال الخاص من خلال تقليل البيروقراطية وإبعاد الممارسات التي لا تشجع المال الخاص على الاستثمار لخوف أصحابه من متطلبات غير معقولة وغير لائقة بالمنافسة...
أمامنا فرص كبيرة، وينبغي ألا نضيعها ونحن ندشن عهدا جديدا من الإصلاحات السياسية والاقتصادية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 107 - السبت 21 ديسمبر 2002م الموافق 16 شوال 1423هـ