العدد 106 - الجمعة 20 ديسمبر 2002م الموافق 15 شوال 1423هـ

صقور البنتاغون يركزون على تنشيط أجهزة الاستخبارات الأميركية

السياسة في خدمة التجسس والصراع على أجهزة الدفاع والمخابرات يتصاعد

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

أثار قرار وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد استحداث منصب مساعد وزير الدفاع لشئون الاستخبارات انتقادات واسعة في أوساط الكونغرس وعزا هؤلاء انتقاداتهم إلى أن الفكرة تهدف في الدرجة الأولى إلى إعادة هيكلة نظام التجسس في الولايات المتحدة بعيدا عن رقابة الكونغرس كما تشكل تحديا قويا لمدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) جورج تينيت.

وستسند إلى المنصب الجديد مراقبة عمليات التجسس الواسعة في العالم وتشمل عمل مجلس الأمن القومي ووكالة التطوير والتخطيط القومي ومكتب الاستكشاف القومي التي تصل موازنتها السنوية إلى مليارات الدولارات. ويرى محللون أميركيون أن إعادة تنظيم الاستخبارات يعزز وضع رامسفيلد ويمنح البنتاغون سيطرة أوسع في مجال رسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ويذكر أن البنتاغون يستهلك 80 في المئة من موازنة الحكومة الفيدرالية.

ويقول المساعد الرئيسي لرامسفيلد ومهندس المنصب الجديد ريتشارد هافر إن رامسفيلد هو الذي يملك الموجودات الاستخبارية وهو الزبون الرئيسي للنظام الاستخبارتي.

وفي الوقت الذي يحاول فيه دعاة ومنظمات حقوق الإنسان والحريات المدنية في الولايات المتحدة الحد من التحديات التي باتت تنال من الحقوق الدستورية للمواطن الأميركي في أعقاب التوجيهات التي يصدرها وزير العدل الأميركي جون آشكروفت، وتشكيل وزارة الأمن الداخلي الجديدة، فإن الكثير من أعضاء مجلس الشيوخ، نظر بحذر إلى التفويض الذي منح لرامسفيلد باستحداث المنصب الجديد ضمن موازنة البنتاغون لعام 2003 في إطار التعديل الذي قدمه العضو الجمهوري جون وورنر الذي سيرأس لجنة القوات المسلحة في دورة المجلس المقبلة.

ويرى مراقبون في خطوة البنتاغون الجديدة أنها تشكل خطرا ليس فقط لإمكان النيل من دور الرقابة التشريعية، بل خشية من عملية التسييس المتزايدة لأجهزة الاستخبارات التي يقوم بها صقور إدارة بوش لصالح فرض وجهات نظرهم المتشددة في السياسة الخارجية.

ووصف مسئول كبير في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الخطوة بأنها «انتزاع للسلطة وواحدة من المحاولات الكثيرة التي قام بها» رامسفيلد في هذا الشأن.

غير أن بعض الخبراء يرى في الخطوة أنها لا تزيد عن كونها إصلاحات بيروقراطية في أجهزة الاستخبارات ابتدأت في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون الذي أطلق عليها آنذاك اسم «إعادة اختراع الحكومة». ويقول رئيس مجلس سياسة الدفاع التابع لمكتب رامسفيلد ريتشارد بيرل، «بكل بساطة هي إنهاء حال الفوضى، وإعادة لتنظيم شئون موازنات تلك الأجهزة التي تعمل تحت مظلة وزارة الدفاع، وان المطلوب هو الاستفادة من المعلومات التقنية المتاحة لوكالة الأمن القومي، ومكتب الاستكشاف القومي ، والأجهزة الخاصة التابعة للبنتاغون، ووضعها جميعا في خدمة الأمن القومي، وهذا ما يريد أن يفعله وزير الدفاع».

غير أن مصدرا مطلعا يقول إن الفكرة «جاءت لتلبي رغبة رامسفيلد الذي اعتراه الغضب أثناء أزمة طائرة التجسس EP-3 التي احتجزتها الصين في ربيع العام 2001». ويضيف المصدر نفسه «ان رامسفيلد احتج على تعدد ممثلي الأجهزة في الاجتماعات التي كان يعقدها لحل الأزمة، وما سببه ذلك من صراع لعدم انصياع هؤلاء لرغبته الفورية، ملقبا إياهم بالكلاب النابحة».

ويشعر مخضرمو الإدارة الأميركية بالقلق إزاء ما يقولون إنه محاولة لخلق «قيصر استخبارات» جديد في البنتاغون. فهم يعتقدون أن «هناك مخططا يهدف إلى إيجاد بديل لـ سي آي إيه، يتحكم به الصقور، وخصوصا أن الـ سي آي إيه فشلت في إعطاء هؤلاء ما يريدونه قبل أي شيء آخر». مثل وجود علاقة ما تربط بين أسامة بن لادن والرئيس العراقي صدام حسين.

ويقول المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية، ميل غودمان، «إن مبدأ هؤلاء يعتمد على النظرية الآتية: إذا لم تتوافر المعلومات الاستخبارية المرغوبة، فلا بأس من اختلاق ما تحتاجه تماشيا مع جدول الأعمال الخفي». ويضيف «ان هناك تخوفا حقيقيا من انحراف النزاهة الاستخباراتية نظرا لتهور هذه المجموعة التي لا تأبه بصدق المعلومات الاستخبارية كمرشد لتقييم الأخطار الحقيقية التي قد تواجه أو لا تواجه الولايات المتحدة. كل ما يهمهم هو اختطاف أكبر قسط ممكن من السيطرة، وبالتالي فرض سياساتهم التي تخدم مآربهم الخاصة».

ويعتبر غودمان وزير الدفاع بأنه «رجل متهور ومتطرف، سريع الانفعال، لا يتفق مع الـ سي آي إيه، وأصر على أن يدخل في صراع ضد رئيسها تينيت، منذ اليوم الأول، ويقود مجموعة الصقور، الذين يحلمون بإمبراطورية أميركية، ويشاركونه الرأي والشخصية، وكلهم يعانون من حال الهوس إزاء العراق».

ووصف غودمان صقور البنتاغون بأنهم «مجموعة صغيرة من المحافظين الجدد تضم وزير الدفاع، ونائبه وولفويتز، ونائب وولفويتز دوغلاس فايث، ونائب الرئيس ديك تشيني، ومدير مكتبه، لويس ليبي». ويعتقد غودمان أن هذه المجموعة «ستنجح في فرض عدم قبول البنتاغون لتقرير العراق عن أسلحته، وبالتالي في توريط الولايات المتحدة في شن الحرب».

وهذا هو خلاف لما اقترحه مستشار الأمن السابق للرئيس جورج بوش الأب، الذي عين مستشارا لشئون الاستخبارات من قبل بوش الابن برنت سكوكروفت، عن أولوية الحرب ضد الإرهاب، وأهمية تفادي شنها ضد العراق من جهة، وعن ضرورة تصغير حجم أجهزة التجسس العسكرية، ووضع معظمها تحت الرعاية المدنية، التي تمثلها الـ سي آي إيه من جهة أخرى.

وعلى رغم أن تينيت يحتفظ بموقع المدير لنشاطات الاستخبارية كافة، بما فيها الأجهزة التابعة للبنتاغون، فإن ذلك فقط من الناحية الاسمية، فهو لا يسيطر إلا على وكالته. وكان سكوكروفت اقترح تشكيل جهاز مدني جديد يضم وكالة الأمن القومي ومكتب الاستكشاف القومي تحت إمرة وكالة مدنية جديدة من دون إعطاء المرجعية للبنتاغون.

إلا أن رامسفيلد، وحليفه في سياسة التطرف، نائب الرئيس تشيني «استاءا من اقتراحات سكوكروفت»، لكون أن خسارة جزء من الموازنة التي يتمتع بها البنتاغون لشئون الاستخبارات لحساب أجهزة مدنية، ينال من مخططات هؤلاء لبسط الهيمنة الأميركية عبر العالم».

وشكلت الصلاحيات التي منحها الكونغرس لوزير الدفاع لتأسيس جهاز تجسس جديد في البنتاغون لطمة لسكوكروفت فقط، وأعطت نائب وزير الدفاع وولفويتز وتشيني، تفويضا للقيام بعمليات عسكرية سرية في أرجاء العالم من دون التعرض لرقابة الكونغرس أو معرفة الـ سي آي إيه، أو حتى معرفة الرئيس نفسه إلا من باب إخطاره بما جرى.

ويحذر الباحث في أرشيف الأمن القومي التابع لجامعة جورج واشنطن جيفري ريتشالسون «من خطورة ذلك حيث لو كان الأمر يقتصر على ترتيب الأوضاع والقضاء على الفوضى المالية لهذه الأجهزة لكان ذلك شيئا حسنا، ولكن الحقيقة أن قيصر الاستخبارات الجديد، ومكتب التجسس الجديد الذي تم اختلاقه في البنتاغون للعمل لحساب وزارة الدفاع من دون معرفة الـ سي آي إيه إنما هو شأن لا يخدم المصلحة القومية».

وأكبر مثال على ذلك هي المهمة السرية التي قام بها المدير السابق لـ سي آي إيه، جيمس وولزي إلى لندن بتكليف وتمويل من البنتاغون لفبركة أدلة عن ارتباط مزعوم بين العراق وتنظيم القاعدة لاستخدامه ذريعة لشن عدوان عسكري على العراق.

كما أن طبيعة الشخصية التي سترأس مكتب تجسس البنتاغون الجديد ريتشارد هافر والذي سيعطى منصبا برتبة مساعد وزير، تضفي مزيدا من الغموض على حيثيات هذا المكتب،وحقيقة الدور الذي يقوم به. فهيفر الذي ترأس وكالة الأمن القومي، هو عسكري متقاعد برتبة أدميرال في البحرية الأميركية، ومعروف بتطرفه اليميني واتجاهاته المغامرة كواحد من مجموعة الصقور والمحافظين الجدد. وكان هؤلاء حاولوا جاهدين تعيينه مديرا لوكالة المخابرات المركزية بدلا من تينيت. وهافر هو صاحب مقولة «إن غياب الدليل ليس دليلا على غياب الجرم»... في إشارة إلى التقرير العراقي عن أسلحة الدمار الشامل

العدد 106 - الجمعة 20 ديسمبر 2002م الموافق 15 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً