المنظمات الحقوقية دعت حكومتنا إلى الإسراع في توقيع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويعتبر هذان العهدان الركن الأساسي لمنظومة حقوق الإنسان الدولية، واثناهما يترجمان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مواد تفصيلية وضوابط وآليات لتفعيل الحقوق. ولقد وقعت البحرين اتفاقات أخرى لحقوق الإنسان تختص بالطفل والمرأة والتمييز والتعذيب، وهذه تم تخصيص اتفاقات خاصة بها لأنها تتميز عن القضايا الأخرى بأهمية معينة، ولكن توقيعها لا يغني أبدا عن العهدين الدوليين.
العهدان يركزان على الحقوق الفردية والجماعية، فالعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يتحدث عن حقوق الفرد بصفته مواطنا له شخصيته الاعتبارية بمفرده، وأن هذه الحقوق الفردية غير قابلة للتنازل عنها تحت أي عذر من الأعذار. فلكل فرد، بصفته إنسانا، حقوقا تخصه هو ويجب على الدولة احترام ورعاية تلك الحقوق وعدم السماح لأي تشريع أو إجراء صادر عن مؤسسة تشريعية أو تنفيذية أو قضائية الإضرار بتلك الحقوق.
أما العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فهو يتحدث عن الحقوق الجماعية، بمعنى أن كل جماعة (وليس كل فرد) لهم حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية يجب على الدولة عدم التعرض لها، لأن التعرض لها يدمر البنية التحتية التي تقوم عليها أنشطة المجتمع المختلفة. ومنذ البداية تطور العهدان بصورة متوازية، إلا أن العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حصل على جهود أكثر من الأمم المتحدة، لأن الدول الغربية تركز على مفهوم «الفرد أولا»، بينما تركز الدول الشرقية والدول الاشتراكية على مفهوم «المجتمع أولا».
وعلى هذا الأساس يمكن للمرء مشاهدة آثار التركيز على أحد هذين العهدين واضحا في بعض البلدان، فالبلاد التي تركز على الحقوق الفردية تبدأ بالانفتاح السياسي (مثل أميركا الجنوبية وأوروبا الشرقية)، أما الدول التي تركز على الحقوق الجماعية فتبدأ بالانفتاح الاقتصادي (شرق آسيا)، إلا أن النتيجة التي يصل إليها الجميع واحدة، فأميركا الجنوبية وأوروبا الشرقية تبدأ الإصلاح الاقتصادي مباشرة بعد تمكين الإصلاح السياسي، وتبدأ دول شرق آسيا الإصلاح السياسي مباشرة بعد تدشين الإصلاح الاقتصادي.
وعلى هذا الأساس فإن الأمم المتحدة تقول إن الحقوق الفردية والجماعية كلها متداخلة وتعتمد على بعضها الآخر وهي غير قابلة للتجزيء أو الانتقاص، اذ لا معنى لوجود واحد منهما دون الآخر.
ثم إن الأمم المتحدة أضافت بروتوكولين إلى كل عهد، وهذان البروتوكولان يمكن للدول توقيعهما بصورة مباشرة أو تأجيلهما لفترة، على رغم أن المنظمات الحقوقية ترفض تأجيل توقيعهما، معتبرة إياهما جزأين أساسيين من العهدين. والبروتوكولان يعطيان لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة الحق في تسلم شكاوى من مواطني الدول الموقعة العهدين في حال عدم التزامها ببند من بنود العهدين. ولذلك فإن توقيع العهدين والبروتوكولين يعتبر شجاعة ودليلا أكبر على جدية الدولة الموقعة بشأن الالتزام بمواد العهدين الدوليين.
إننا نعتبر توقيع العهدين أمرا مهما لاستكمال المسيرة الإصلاحية. فالحق السياسي في الانتخابات وإدارة الشئون العامة، والحق المدني في المساواة أمام القانون، واعتماد الكفاءة أساسا بين المواطنين، والحق في «التنمية» وتنشيط البنية التحتية بإشراك المواطنين بصورة جماعية، والحقوق الاجتماعية والثقافية كلها أمور متداخلة مع بعضها الآخر، ونحن بدأنا المسيرة تجاهها ولن يضرنا لو وقعنا العهدين والبروتوكولين، بل إن التوقيع سيدعم مسيرتنا وسيعطيها السمعة الدولية المرموقة. ولابد أن تصاحب هذا التوقيع دراسة العهدين من قبل المنظمات غير الحكومية المعنية أساسا بتنشيط الحركة المجتمعية باتجاه مزيد من الحريات العامة والتعددية والمشاركة والتعاضد الاجتماعي. وعندما تتكون لدينا القاعدة الواعية التي تحافظ على حقوقها يسهل على الدولة تسيير أعمالها على أسس دستورية تلتزم بالضوابط الدولية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 106 - الجمعة 20 ديسمبر 2002م الموافق 15 شوال 1423هـ