لكل امرأة في هذا الزمن طبائع وخصال سلبية أو إيجابية، تفرزها البيئة وتشكل وعيها التربية وكذلك الإيديولوجياس (المعتقد)، بعضها يزيد المرأة تطورا وحضارة وتقدما في الحياة وبعضها يزيدها تخلفا وتأخرا وتراجعا، وبين هذا أو ذاك يترسب خليط قد يكون غير متجانس وقد يكون مشوها ما بين الدين وما بين التين أي (الدنيا)، بعضه فرضته قيم الحضارة والحداثة، والبعض نشأ من عقول التحجر القسري الذي تفرضه مزاجية من يقرأ نص المعتقد حرفيا ومقتطعا وتجزيئيا وتاريخيا من دون أن يسبغ عليه تغيّر الزمان والمكان والعصر، والبعض جاء نتيجة إفراز النقلة الضوئية في تحول العالم الى قرية كونية (العولمة) ألغت الحدود والفواصل لتخلط الحابل بالنابل لتفرض قيما قسرية على المرأة بعضها زادها تطورا علميا وبعضها زادها رجوعا وتخلفا بما فرضه من قيم استهلاكية أو نظرة مادية للحياة أو تأخرا للقيم الروحية أو السلوكية.
هذا الواقع المتشكل كله أفرز لنا امرأة بخصائص متداخلة قد تحمل في داخلها مركبات ازدواج فتخرج من ذلك كله ضائعة لا تعرف أين تضع رجلها وإلى أين تسير. وهكذا هن نساء هذا العالم اللاتي منهن المرأة البحرينية.
فالمرأة البحرينية - كأية امرأة عربية - تحمل إيجابيات كثيرة لكنها في الوقت ذاته تعاني من مشكلات وسلبيات - قد تكون متناقضة ومزدوجة - مازالت عالقة بثوبها ومازالت تعيش في تخلف وتسطح فكري على رغم زحمة تلك الاحتفالات والمؤتمرات التي تعقد من أجلها من دون أن يكون لها صوت باعتبار ان صوتها (عورة) (....). فمازالت المرأة البحرينية تعاني من سطوة الرجل السياسي فضلا عن الرجل العادي. فالمجتمع يعاني من منطق الذكورية بشكل ملفت للانتباه، فخطابها محكوم بأجندة الرجل، مؤسساتها المدنية خاضعة لأجندة السياسيين، فهي لا تستطيع حتى مناقشة بيت الطاعة الكارزمي. ومازالت تعاني من تلك الأفكار الجامدة والمقولبة بقياس ومحدودية تفكير الحزب المهيمن أو الكارزميات المهيمنة، وليس لها حق المناقشة ولو من منطلق تأصيلي أيديوليوجي متوازن فضلا عن الاعتراض. فهي لا تكتشف خطأ بعض الأفكار إلا بعد سنين طويلة من مرور قطار الوعي والثقافة والتغيير الإيجابي الى مواقع متقدمة تجد الصعوبة فضلا عن الاستحالة في الوصول إليها، تماما كما جرى في المجتمع البحريني قبل 40 عاما عندما كان تعلم المرأة ودخولها الى المدارس يعد قفزا على «الدين» او من المحرمات الكبرى التي تستدعي الضرب والتهديد وحتى التشهير في المجتمع. كثير من النساء اللاتي لم يدخلن الجامعات ولم يلتحقن بركب العلم سابقا بكين دما بعد ان فاتهن قطار الحياة والثقافة والعلم، ووجدن ان من كان يمنعهن من دخول الجامعة والمدارس من (المتحفظين) اصبحوا - بعد معرفة (غلطة العمر) وضعف التفكير وضيق الأفق وقراءة الدين بطريقة صحيحة - من أول المشجعين لبناتهم على دخول الجامعة ومواكبة العصر فأصبحت بناتهم أكاديميات وبنات الفقراء أميات!
وهذه سوءة من سوءات التفكير الماضوي القديم الذي طبعناه في عقول أبنائنا وبناتنا من منعهن من الدراسة والالتحاق بالعلم تحت حجج ضيقة من ان (المرأة إذا تعلمت الكتابة فإنها قد تباشر كتابة الرسائل الغرامية).
إن أكبر فرصة للمرأة ان تتسلح بسلاح العلم والعمل فإن فرصة الرجل في الحياة أكبر من المرأة فبإمكانه ان يتزوج وأن يطلق، وبإمكانه أن يمنع النفقة - ظلما - عنها وبإمكانه ان يسجنها بالضغط المادي، وغيره ولكن المرأة المتعلمة صاحبة الشهادة الأكاديمية والتي أوجدت لها فرصة عملية في الحياة بإمكانها إن اخفقت في الزواج أن تحقق وجودها في عمل انتاجي آخر وبإمكانها ان تفرض وجودها كإنسان له كيانه وله احترامه من دون ان تصبح مستعبدة مهانة من محكمة تدعى الشرعية قائمة على مزاجية الفقه الشخصي لا الفقه الإسلامي الأصيل الذي عرف بالعدالة والإنسانية والقيم الحضارية الآخذة بأيدي الإنسان الى حيث الدنيا الكريمة والسعادة الأخروية.
المرأة البحرينية المسلمة تخطئ خطأين جسيمين عندما تعتقد ان الدراسة الجامعية تضعف إيمانها أو ان الاستقلال المادي عن الرجل بالالتحاق بسلك العمل يضعف من دورها الديني. قد يقول البعض ان هذه الفكرة النقدية ليست في موقعها لأنه لا يوجد هناك بحرينيات يرفضن الالتحاق بالجامعة، ولكني اختلف مع هذه النظرة إذ مازال يوجد نساء بحرينيات وفي قرى متعددة على رغم الفقر الذي يعشنه وعلى رغم قسوة الحياة مازلن مأسورات بالفكر الماضوي الذي تفرضه بعض مراكز القوى المجتمعية او تلك الثقافة التسطيحية التي تجذرت في عقل الوعي الجمعي عند تشكله في سياقات تاريخية خاصة لدى قسم من الجمهور.
لقد أصبح اليوم الشاب البحريني - وفي ظل هذا الوضع المعيشي المربك - لا يفكر إلا في امرأة تزيل عنه جزءا من أعباء الحياة، ما جعل فرصة المرأة البيتية أقل حظا في الزواج، وأصبحت ثقافة البحث عن امرأة تمتهن وظيفة معينة جزءا من ثقافة الشاب الباحث عن امرأة.
الإسلام لا يرفض دخول المرأة المسلمة الجامعة ما دامت منضبطة إسلاميا وعلى حد قول أحد الفقهاء عندما سيقت له مبررات عدم قبول العرف الديني دخول المرأة للجامعة أبدى تعجبه ورفضه الشديد ووصفها بأنها (أمية) لا يمكن تفهمها في ظل هذا العصر الذي يجب ان يفرض فيه المسلمون قوتهم بتقلدهم المناصب والمواقع الحساسة للترافع عن الدين
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 105 - الخميس 19 ديسمبر 2002م الموافق 14 شوال 1423هـ