نحن نثق في أوروبا. أو ربما، وإلى حد ما نثق في بريطانيا. ولكن ما إذا كان السوريون يعتقدون حقيقة أن طوني بلير يستطيع وقف غزو العراق، وإحلال السلام فقط في الشرق الأوسط ويضمن انسحاب إسرائيل من مرتفعات الجولان فإن ذلك أمر فيه كثير من النظر والجدل.
ربما اعتقد الرئيس بشار الأسد - بعد زيارة قام بها لكل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا واسبانيا - أن بريطانيا، القوة المنتدبة في فلسطين الميؤس منها، يمكن أن تساعد في قضية إقليمية.
وربما يُعتقد أن العرب اصبحوا متشائمين من أوروبا كما هو حال كثير منهم تجاه أميركا. ولكن... كلا سيستمر نادي الإعجاب المتبادل بين الطرفين. إذ ترى بريطانيا أن الرئيس الأسد مازال يرغب في جعل بلده متحررة ومتسامحة أكثر ـ وتنسى في الوقت محاكم أمن الدولة واعتقال الإصلاحيين في دمشق ـ بينما تعتقد سورية أن بريطانيا تكافح من أجل سلام شامل في الشرق الأوسط وضد غزو العراق. كان بلير أول رئيس وزراء بريطاني زار سورية. ولذلك، كان بشار الأسد، أول رئيس سوري يزور بريطانيا، ولو أن التدريب البريطاني لبشار بصفته طبيب عيون يعني أنه يعرف عن لندن كثيرا.
ولذلك فسنسمع خلال اليومين المقبلين عن كل علاقة حميمية للرئيس الأسد مع لندن. وقد أثنت بريطانيا على سورية لتصويتها لصالح قرار الأمم المتحدة بشأن نزع التسلح العراقي في مجلس الأمن - الرقم 1441 والدور المركزي لدمشق في أية تسوية سلمية في الشرق الأوسط. وتعتبر حرم الرئيس السوري عالية التعليم والثقافة سمعة حسنة له أيضا، ولذلك ربما نرى صورها في الصحف يوميا.
ولكن للحياة الواقعية مجراها وسيرها على مسرح الشرق الأوسط. ومادام هنا قليل من ملامح الحياة الواقعية فإن سورية في خطر عظيم. ستنقطع روابط تجارتها المنتعشة مع العراق لحظة غزو الأميركيين. وتتهم إسرائيل سورية يوميا بتورطها في «الإرهاب» لأنها تحتضن تسع مجموعات فلسطينية في دمشق وتدعم حزب الله في جنوب لبنان، ويحاول الأميركيون، من خلال مجموعات «اللوبي» الإسرائيلي، جعل سورية دولة منبوذة. فإذا ما احتل الأميركيون العراق، سيجد السوريون القوات الإسرائيلية في جنوبهم، والطائرات المقاتلة الإسرائيلية والسفن الحربية على امتداد شاطئ البحر الأبيض المتوسط غربهم، بينما الطائرات العسكرية التركية والأميركية في شمالهم وقوات ضخمة أميركية في شرق بلادهم. إذن ماذا عن توقيت الذهاب إلى لندن؟
سيقوم وزير الخارجية السوري، فاروق الشرع - وهو أذكى قليلا من نظيره البريطاني جاك سترو - بعمل ضخم في لندن، سيؤكد مقدرة سورية على حفظ الأمن في الشرق وتعاونها مع بريطانيا (ومع الأميركيين) على ملاحقة «القاعدة»، إذ فتحت بعض ملفاتها الاستخباراتية من قبل لندن وواشنطن.
سيطلب جاك سترو من السوريين تهدئة الوضع على الحدود الجنوبية اللبنانية مع «إسرائيل» عسى ألا يشتاط ارييل شارون غضبا ويقرر ضرب لبنان ـ العامل المعقد ـ إذا ما انشغلت بريطانيا في مساعدة أميركا على غزو العراق.
وتبدو أوروبا سعيدة بإظهار السوريين على أنهم الجماعة الطيبة التي صوتت في مجلس الأمن لصالح القرار 1441، متمنين ألا يرفع السوريون صوتهم عاليا فيما يتعلق بخطف الولايات المتحدة للتقرير العراقي المكون من 12 ألف صفحة عن الأسلحة. بينما سورية سعيدة بإيجاد أصدقاء أوروبيين ـ في الواقع مجرد أصدقاء على الإطلاق ـ وربما تم إقناع الرئيس بشار الأسد بألا يدلي بتصريحات فظيعة عن المفجرين الانتحاريين أو المحرقة اليهودية. وستنظر بريطانيا في احتمال تقديم مساعدات مالية إلى سورية التي مازال اقتصادها الراكد رهين الرجال الكبار لحزب البعث. وأتجرأ بالقول، إن السيد بلير سيتكفل بالإشادة بكلمات رنانة عن بشار في البيت الأبيض: «نحن نثق في سورية».
خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط
العدد 104 - الأربعاء 18 ديسمبر 2002م الموافق 13 شوال 1423هـ