واصلت الصحف العبرية رصد الاتجاهات الانتخابية لدى الشارع الإسرائيلي، في وقت بدأت فيه الأحزاب الإسرائيلية سباقا لكسب ود المتطرفين المعارضين للسلام مع الفلسطينيين استعدادا للانتخابات التشريعية المبكرة في 28 يناير/كانون الثاني المقبل. ومع جنوح حزب العمل إلى الوسط وإلى اليمين أكثر شهد الحزب انقساما جديدا تمثل في خروج مهندس اتفاقات أوسلو، يوسي بيلين، الذي فشل في حجز مقعد له على لوائح الحزب، إلى الكنيست وانضمامه إلى حزب ميرتس اليساري، وسارت النائبة يانيل دايان، على خطى بيلين، وانضمت بدورها إلى ميرتس.
وتزامنت خطوة بيلين ودايان مع نتائج استطلاع للرأي يشير إلى تراجع في شعبية حزب العمل. وبحسب جدعون سامت في «هآرتس»، ان اليمين ليس وحده الذي يسدد الضربات لليسار الإسرائيلي وإنما اليسار الإسرائيلي نفسه أو ما تبقى منه يضرب نفسه من الداخل. ان لائحة مرشحي العمل لعضوية الكنيست التي أتت بأكثر مما يتوقع اليمين الإسرائيلي أن ترضيه جاءت لتؤكد ان خيار السلام مع الفلسطينيين لا يحظى بشعبية واسعة. ان خيار المفاوضات والاعتدال السياسي تلقى ضربة قاضية. فيما سخر مايكل فروند في «جيروزاليم بوست»، من «حمائمية شارون» فإذا مشى حزب الليكود مثل الحمائم وتحدث مثل الحمام فإن الجواب الذي لا يمكن تجنبه هو انه لم يعد حزبا يمينيا.
لكن العبرة تأتي في الخلاصة التي توصل إليها يوسي أولمرت في «جيروزاليم بوست»، من ان نتائج الانتخابات الداخلية في حزبي العمل والليكود، مؤشر على عدم الاستقرار الذي يعانيه النظام السياسي في إسرائيل. بينما لاحظ هو وغالبية المحللين الإسرائيليين ان هذه النتائج تشير إلى ان غالبية الشعب الإسرائيلي لديه ميل نحو الصقور! كما برهنت ان العودة إلى المفاوضات مع الفلسطينيين باتت بعيدة.
ووصف ألوف بن في «هآرتس»، رئيس الحكومة آرييل شارون، بأنه تكتيكي بارع. وأضاف ساخرا ان شارون، يعرف كيف يتخذ مواقف متشددة، وكيف يبدو في الوقت نفسه معتدلا، وحتى يساريا. لافتا إلى ان الشرط الوحيد الذي كان يضعه شارون في الماضي، لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين هو وضع حد للإرهاب. أما اليوم فإنه يطالب بقيادة فلسطينية جديدة مسئولة ونزيهة، بالإضافة إلى إجراء إصلاحات أمنية وإدارية داخل السلطة الفلسطينية. وأوضح بن، ان أسباب هذا الشرخ الكبير في الموقف واضحة. ففي العام 2001، كان شارون، يريد أن يمحو صورته القديمة، كي يبدو مقبولا لدى الرئيس الأميركي جورج بوش، وكي يطرح جانبا خطط رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق أيهود باراك، والرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، بشأن الانسحاب من المناطق الفلسطينية. وأضاف بن، ان نجاح شارون، فاق توقعاته، فالرئيس بوش تبنى خطة شارون، وأبعد نفسه عن رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، ووافق على احتلال الجيش الإسرائيلي للضفة الغربية. وتابع بن، ان شارون لم يعد بحاجة اليوم إلى تعزيز موقعه، وخصوصا ان نتائج الانتخابات العامة الإسرائيلية تبدو اليوم في صالحه. لذلك فإنه يبدو منتصرا يملي شروطه على الفلسطينيين الذين باتوا على حافة الهزيمة، كما يردد كورس شارون. وشبه بن مواقف شارون، بمواقف رئيسة حكومة إسرائيل الراحلة غولدا مائير. وعرض لأوجه الشبه بين الاثنين، وأبرزها قلقهما بشأن تحقيق أية تسوية مع العرب، وإيمانهما بأنهما يستطيعان تجنب تقديم التنازلات، وتحقيق الفوز في الانتخابات، والتنعم أيضا بالدعم الشعبي من خلال بناء علاقات جيدة مع الأميركيين. وحذر بن، أخيرا من ان هذه القناعات التي يحملها شارون لن تجلب سوى الكوارث الوطنية.
السخرية، لم تكن حصرا من ميزات مقال بن، بل سخر يوئيل ماركوس في «هآرتس»، أيضا، لكن من منظمي الحملة الانتخابية لرئيس الحكومة شارون، وقال ان قلبه معهم لأن ليس باستطاعتهم اليوم إعادة تدوير الشعار الرابح «شارون سيجلب السلام والأمن» لأنه لم يجلب أيا منهما. ورأى ماركوس، انه عندما كان باستطاعة شارون أن يجلب الأمن والسلام، لم يتخذ أي خطوة خلاقة لتحرير الشعب الإسرائيلي من دائرة سفك الدماء. فقد كان شارون في قمة نفوذه السياسي، وكان باستطاعته ذلك بمساعدة حكومة الوحدة، وفي غياب الوزراء الجبناء أمثال بنيامين نتنياهو. واعتبر ماركوس، انه لا يمكن إعادة هذا الشعار المشهور إلى الحياة إلا من خلال القول ان شارون كان الوحيد القادر على جلب الأمن والسلام، إلا ان رئيس الحكومة الإسرائيلية، لم يفوت أية فرصة كي يجهض المبادرات السياسية التي تهدف إلى التخلص مما أسماه «الإرهاب». وأشار ماركوس، إلى انه بعد أن هزم شارون، نتنياهو في الانتخابات الداخلية لرئاسة حزب الليكود، حصل أمر لم يكن متوقعا. فقد انتقل معظم ناشطي الحزب إلى جانب نتنياهو. وبذلك فإن شارون يجد نفسه اليوم محاصرا بنتنياهو. وبالتالي فإن الحديث عن «دولة فلسطينية» لن يحصل مجددا. وأسدى ماركوس، نصيحة تهكمية إلى المستشارين الإعلاميين لشارون، إذا كانوا يريدون حقا أن يكونوا صادقين مع أنفسهم، أن يعتمدوا الشعار الآتي: «انتخبوا شارون، تحصلون على نتنياهو... احصل على الاثنين بسعر واحد». لكن ماركوس، ذكّر أخيرا بالظروف التي تحيط وتواكب الانتخابات العامة الإسرائيلية، التي تحصل في وقت تواجه فيه «إسرائيل» مخاطر وجودية. فالانتفاضة، بحسب ماركوس، والهجمات «الإرهابية» دمرت المجتمع الإسرائيلي.
كما ان الحرب ضد العراق باتت على الأبواب، وهذه الحرب يرجح لها ماركوس أن تؤدي إلى موجة من الانتقام من قبل من أسماهم «الإسلاميين المتطرفين»، تطول «الشيطان الأصغر» أي «إسرائيل». وخلص ماركوس، إلى ان كل ما يطلبه الشعب الإسرائيلي في مواجهة كل هذه المخاطر هو أن يسمع الحقيقة عن السؤال الآتي: إلى أين ينوي الليكود، تحت قيادة شارون وبمساعدة نتنياهو، أن يقود إسرائيل؟ من جانبه جدعون سامت في «هآرتس»، علق على نتائج الانتخابات الجزئية التي جرت في حزب العمل لاختيار مرشحيه لخوض الانتخابات العامة في 28 يناير، وأسفرت عن تراجع فرص بيلين في الاحتفاظ بمقعده في الكنيست. معتبرا ان خيار المفاوضات والاعتدال السياسي تلقى ضربة قاضية. وإذ توقع أن يواجه رئيس حزب العمل عميرام ميتسناع، مهمة معقدة لا بل مستحيلة، رأى ان على ميتسناع، أن يبذل جهده لرسم خط معارض واضح ومعتدل داخل الحزب. وحذر من ان تراجع ميتسناع عن مهمته هذه، سيؤدي إلى هيمنة جناح الرفض المتجه نحو اليمين على حزب العمل، الذي قد يتحول حينها (أي حزب العمل) إلى «ليكود ب» وربما «ليكود ج» إلى آخر أحرف الأبجدية الممكنة... أي أكثر تطرفا من الليكود نفسه.
لكن مايكل فروند في «جيروزاليم بوست»، الذي كاد أن يشيع حزب «الليكود» إلى مثواه الأخير، تساءل ما إذا كان «الليكود» مازال حزبا يمينيا؟ لافتا إلى ان الجناح اليميني لطالما كان ثابتا في موقفه لجهة رفض قيام دولة فلسطينية، ولطالما عارض اقتطاع أجزاء من أرض إسرائيل. إلا ان بعض التعليقات التي أدلى بها شارون، أثارت حيرة فروند واستغرابه، مذكرا بأن شارون، وافق خلال مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، على فكرة إنشاء دولة فلسطينية، ضمن الإطار الذي حدده الرئيس الأميركي. ورأى ان هذا يعني ان شارون، يقول نعم للدولة الفلسطينية، ونعم للانسحاب الإسرائيلي، ونعم لاستئصال اليهود من «ديارهم» بحسب زعم فروند. وتساءل كيف يكون إذا حزب الليكود مختلفا عن حزب العمل واليسار؟
وسلط يوسي أولمرت في «جيروزاليم بوست»، أيضا الضوء على الانتخابات الداخلية في حزبي العمل والليكود، ملاحظا ان النتائج تشير إلى ان غالبية الشعب الإسرائيلي لديه ميل نحو الصقور. كما هي مؤشر على عدم الاستقرار الذي يعانيه النظام السياسي في إسرائيل. لافتا إلى ان هذا الأمر ظهر من خلال الارتباك الذي أحاط بالعملية الانتخابية داخل الحزبين. معتبرا ان فوز شارون، الذي يتكلم بشكل علني عن الدولة الفلسطينية، على منافسه نتنياهو الذي يعارض بقوة قيام هذه الدولة، كان مؤشرا على حدوث تحول في موقف الليكود التقليدي. إلا ان انتخابات القوائم الانتخابية لحزب الليكود، جاءت متناقضة تماما مع نتائج انتخابات الرئاسة. إذ اختار جمهور الليكود صقور الجناح اليميني المتشدد. ولفت أولمرت، إلى ان هذا الارتباك ظهر واضحا أيضا في انتخابات حزب العمل. فبعد أن تم اختيار عميرام متسناع، الذي يحمل رسالة يسارية راديكالية لرئاسة الحزب، تم إخراج يوسي بيلين، في الانتخابات الداخلية لتشكيل القوائم الانتخابية لعضوية الكنيست. ومن هنا لاحظ أولمرت، ان هذه النتائج تشير إلى ان غالبية الشعب الإسرائيلي لديه ميل نحو الصقور. إلا ان أولمرت اعتبر أخيرا ان هذا الميل الإسرائيلي نحو الصقور، سيتم اختباره في الانتخابات العامة الإسرائيلية في 28 يناير.
وتوقع عماد الدين فريتخ (كاتب أميركي فلسطيني) في «هآرتس»، أن تكون الحكومة الثانية لشارون، ائتلافا من الليكود والأحزاب اليمينية المتطرفة الأخرى. ورأى فريتخ، ان مثل هذه الحكومة المؤلفة من عناصر رافضة لمحادثات السلام مع الفلسطينيين، ستعرقل أي عودة إلى استئناف المفاوضات تحت ذريعة محاربة «الإرهاب الفلسطيني». كما انها ستعمل على زيادة عدد المستوطنات وتوسيعها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والقضاء على أي أمل باق لقيام الدولة الفلسطينية. ولفت فريتخ، إلى ان رئيس حزب العمل عميرام ميتسناع، قدم سياسة متناقضة تماما مع سياسة شارون. إذ ان سياسات رئيس الحكومة، لن تجلب سوى الحرب، أما ميتسناع، فهو يريد السلام. وبالتالي اعتبر فريتخ، ان أمام الإسرائيليين والفلسطينيين خيارا واضحا. فإما أن يختار الإسرائيليون الاستمرار في حرب لا نهاية لها، وإما أن يختاروا السلام. كما ان باستطاعة الفلسطينيين الاستمرار في منافسة أعمال شارون، الوحشية من خلال مهاجمة المدنيين، أو القبول بعرض ميتسناع، من خلال إعطاء السلام فرصة أخرى. وأضاف ان على الفلسطينيين أن يوضحوا للإسرائيليين انهم يتوقون إلى دولة فلسطينية ديمقراطية، وإلى مجتمع مدني وحياة خالية من العنف. إلا ان هذه الرسالة لا يمكن أن تصل إلى الإسرائيليين عبر تفجير حافلات النقل والفنادق والجامعات والملاهي الليلية. معتبرا ان الاستهداف المتعمد للمدنيين الإسرائيليين يجب أن يتوقف. إلا انه استدرك قائلا: ان هذا لا يعني التخلي عن حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. موضحا ان الفلسطينيين ليسوا مضطرين إلى تقديم الأعذار إلى أحد عندما يرفعون سلاحهم في وجه جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يعتبر هدفا مشروعا للفلسطينيين. لافتا إلى ان هناك أكثر من 50000 جندي إسرائيلي يجوبون شوارع المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، زارعين الخوف والإرهاب في أوساط الشعب الفلسطيني. وأضاف ان المستوطنين المسلحين هم أيضا أهداف مشروعة. وخلص إلى ان على الفلسطينيين أن يلتزموا سياسة «اللاعنف» ضد المدنيين الإسرائيليين من دون أن يتخلوا عن حقهم وواجبهم بمواجهة الاحتلال عبر وسائل مشروعة وأهداف مشروعة. وأضاف ان على الفلسطينيين أيضا أن يثبتوا انهم ملتزمو العيش بسلام مع جيرانهم. وعند ذلك يصبح دور الإسرائيليين أن يستجيبوا أيضا.
أخيرا دق سول سينغرز في «جيروزاليم بوست»، على عصب الاقتصاد الإسرائيلي المتداعي، فكتب يقول: ان رئيس الحكومة، لن يستطيع أن يحتفظ بدعم وثقة الرأي العام الإسرائيلي بسبب براعته في تولي المسائل الأمنية والدبلوماسية وحسب. بل ان باستطاعة شارون، بحسب سينغرز، أن يفوز بالكثير من المقاعد من خلال وضع مسألة الإصلاح الاقتصادي في صلب اهتماماته. لافتا إلى ان الرئيس الأميركي، تعلم من والده، ان تحقيق الفوز في حرب الخليج، لم يحل دون إخراجه من الحكم بسبب سياسته الاقتصادية. وأضاف سينغرز ان شارون لا ينوي بالطبع خوض انتخابات العام 2007، إلا انه مهتم بترك إرث مهم لحزب الليكود. فإذا نجح دبلوماسيا، وترك الاقتصاد ينهار، سيجد ان العصر السياسي لهيمنة الليكود، بدأ يتداعى. هذا بالإضافة إلى ان حلم شارون، بجذب الملايين من المهاجرين اليهود الجدد يحتاج إلى أكثر من السلام والدبلوماسية كي يتحقق
العدد 104 - الأربعاء 18 ديسمبر 2002م الموافق 13 شوال 1423هـ