حتى اليوم لم تمطر السماء علينا في البحرين غير مرتين والحمد لله. وفي كل مرة يهطل المطر أشعر بالحزن والعجز المختلط بالخجل. ففي المطرة الأولى قبل أكثر من شهر ونصف، تلقيت ثلاث مكالمات في ذلك المساء الكئيب، اثنتان منها بصفتي محررا بالصحيفة، أما الثالثة فكان صاحبها يدعو أعضاء مجلس إدارة الصندوق الخيري بالمنطقة إلى زيارة بيته ليروا بأعينهم كيف يسبحون في بحر من المياه التي غمرت منزلهم الصغير المكتظ بسكانه. شعرت حينها بالخجل لقصر ذات اليد عن مساعدة هذه الأسرة المنكوبة، فلا الصندوق الخيري بإمكاناته المحدودة قادرا على إغاثة الأسرة، ولا بناء منزل جديد... ولا هم يحزنون.
في المكالمتين الأخريين سمعت الشكوى نفسها، مع طلب الذهاب مع مصور «الوسط» لترى بأعينها وتصور وتكتب عن مأساة الأسرتين أيضا. فأحد البيتين آيل للسقوط، والآخر تغرقه المياه. ولم تكن «الوسط» بأحسن حالا ولا أكثر قدرة على متابعة مثل هذه القضايا الكارثية الطارئة في حينها. وليس بوسع صندوق خيري أو صحيفة أن تقوم بنجدة المواطنين في مثل هذه الظروف الطارئة، وهي امكانات لا تقوم بها غير الدولة بمؤسساتها ووزاراتها وإمكاناتها. ولكن هذا يقودنا إلى التفكير في الحال التي وصل إليها المواطن حين لا يجد طرفا يلجأ إليه في محنته. والمكالمات الثلاث لا تعكس بأية حال من الأحوال وضع السكن البحريني على الإطلاق، ومع ذلك يمكن ملاحظة ما كانت تحمله صفحات بريد القراء من شكوى وتذمر من وزارة الإسكان، وهي تعكس حجم المعاناة التي يعيشها أصحابها، وبعضهم يحضر وثائق ومستندات لنشرها، وكنا نعتذر عن النشر ونقوم باختصار الكثير من الرسائل لتوصيل زبدتها إلى المسئولين، علها تكون واسطة خير لحل جزء من مشكلات المواطنين. وكنا ننشر أحيانا مع الرسائل صورا للمنازل المتهالكة، لم تكلف فيها الوزارة السؤال عن أصحابها، بل غالبا ما كان الإهمال من جانب الوزارة هو الأسلوب المعتمد، فلا هي تسأل عن الاسم والعنوان ولا تبدي اهتماما بالموضوعات المثارة، ما يزيد من إحباط المواطن ويشعره باليأس، وخصوصا انه لم يلجأ إلى الصحافة إلا بعد أن تقطع نعله من كثرة التردد على أبوابها.
بل ان أحد المواطنين جاء قبل حوالي ثلاثة أشهر، متحسبا لموسم المطر «المرعب» قبل حلوله، لنشر همه ومشكلته، وكاد يبكي وهو يحكي كيف لجأ حتى إلى بعض سفراء الدول العربية والأجنبية لمساعدته. فنشرت مشكلته، مع صور لـ«عشة» الفراخ التي يعيش فيها أطفاله الأربعة ويصعدون فيها على سلم متهالك، واتصل مرارا للسؤال عن النتيجة ،لم يكن لديناجواب يشفي الغليل.
الصحافة لا تريد ان تتدخل في أداء الوزارات وإنما تلقي الضوء على المشكلات والسلبيات بحثا عن حلول. والمواطن لا يقنعه أن يقرأ الملاحق الرسمية التي تصدرها وزارات الدولة متباهية بإنجازاتها العظيمة، وإنما يريد أن يرى حلولا لمشكلاته بعد ان يبقى عشر سنين على قائمة الانتظار الذي لا ينتهي أبدا. فالمواطن الذي يسبح في لجة من المياه مع كل مطرة تمنحها السماء لهذه الأرض الطيبة، لن يؤمن بما تقوله الصحف والمجلات والإذاعة والتلفاز... وإنما سيعتبرها نوعا من النكات التي لا تضحك أحدا
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 104 - الأربعاء 18 ديسمبر 2002م الموافق 13 شوال 1423هـ