العدد 104 - الأربعاء 18 ديسمبر 2002م الموافق 13 شوال 1423هـ

أوروبا: من الغرب إلى الشرق

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أوروبا تتمدد شرقا. هذا هو القدر التاريخي للاتحاد الاوروبي. فالمجال الحيوي للقارة اقفل جغرافيا من مختلف الجهات باستثناء الشرق. شمالا هناك المحيط المتجمد، وغربا هناك المحيط الاطلسي، وجنوبا هناك البحر المتوسط ودوله العربية - المسلمة المنتشرة من المغرب إلى المشرق. القدر التاريخي للقارة تتحكم به الجغرافيا السياسية - البشرية. والمنفذ الوحيد لاوروبا هو الشرق الا اذا بدل الاتحاد خياراته الاستراتيجية واتجه جنوبا نحو جامعة الدول العربية وهذا يبدو من الامور المستبعدة في الأمد المنظور.

إذن الشرق هو الباب الوحيد في الزمن الراهن المفتوح امام اوروبا للتمدد والاتساع. وباب الشرق هو من اصعب المداخل نظرا لتعقيداته الجغرافية - البشرية وكثرة مشكلاته وتنوع سكانه. ففي جنوب الشرق تقع تركيا المسلمة تقودها دولة علمانية - عسكرية (أتاتوركية). وفي وسط الشرق وشماله تقع الكتلة السلافية - الارثوذكية وهي تشكل على تنوعها واختلافاتها ذاك الحاجز البشري - التاريخي الذي يعتبر تقليديا حوض روسيا القيصرية (الشيوعية سابقا والجمهورية حاليا).

بتأليف الحاجز السلافي - الارثوذكسي من بلغاريا ورومانيا واوكرانيا وروسيا البيضاء ومجموع سكانها يصل إلى قرابة مئة مليون نسمة تعيش في وسطها اقليات متنوعة ابرزها واقواها الكتلة المسلمة (التركية - العثمانية). وهذه الدول تعاني تاريخيا من مشكلة الهوية فهي مترددة بين صلتها العرقية - الكنسية بالمركز الروسي وبين مخاوفها من الخطر العثماني (التركي) اضافة إلى رغبة دفينة تجذبها نحو المحيط الاوروبي. هذا التردد عطل امكانات تطور خيارات هذه الدول وأثر في تكوين شخصياتها القومية وهوياتها التاريخية. فكل دولة تتألف من اجزاء وكل جزء يحاول جذب الدولة نحو وجهة ليست بالضرورة متوافقة مع الجزء الآخر.

هذه نصف المشكلة. النصف الآخر يتعلق بروسيا ودورها في تلك الدائرة من الدول وهي في المناسبة دائرة ممتدة نحو وسط اوروبا وتحديدا صربيا. فروسيا لا تستطيع الموافقة على اي اقتراح من دون حل معقول من وجهة نظرها للأزمة اليوغوسلافية. كذلك الاتحاد الاوروبي من الصعب عليه مواصلة امتداده الجغرافي شرقا من دون ان يتفق على حل للدول المنفصلة عن يوغوسلافيا وهي: صربيا، والبوسنة، وكرواتيا، كوسوفو، ومقدونيا.

كل دولة من هذه الدول تعتبر مشكلة في حد ذاتها. فكرواتيا الكاثوليكية تميل تقليديا إلى المانيا، وصربيا السلافية - الارثوذكسية تميل إلى روسيا. ومقدونيا حائرة بين ارثوذكسية اليونان او السلاف اضافة إلى كتلة مسلمة قومية تتجه تقليديا نحو التعاطف مع ألبانيا المسلمة. إلى ذلك هناك البوسنة وكوسوفو وهما قلب المشكلة باعتبارهما تتمتعان بغالبية مسلمة لها صلات تاريخ وجغرافيا وثقافة مع ألبانيا وشمال اليونان (المسلم) وصولا إلى جنوب بلغاريا (المسلم) ومنه إلى تركيا.

هذه التضاريس الجغرافية - البشرية تشكل مجموعة حواجز عرقية - دينية من الصعب حلها بانظمة علمانية - مدنية كما هو حال دول اوروبا الغربية الشمالية أو الغربية الجنوبية. فتلك الدول قديمة العهد وحسمت خياراتها القومية - الدينية (المذهبية) منذ 500 سنة. وتشكلت علمانيتها على قاعدة اجتماعية متماسكة في تركيبتها الثقافية - الدينية. فدول اوروبا الشمالية هي في الغالب على المذاهب البروتستنتية (لوثر، وكالفن، والكنيسة الانغليكانية) ودول اوروبا الجنوبية هي في الغالب على المذهب الكاثوليكي. فالدولة العلمانية في انظمتها المدنية استمدت جوهر قوانينها من مسيحيتها الاولى وتشريعها المذهبي واعادة صوغه كدستور مدني تقوم عليه الدولة القومية. فهذه الدول لا تعاني من أشكال التناقض بين علمانيتها ومسيحيتها. فالعلمانية هي مسيحية في جوهرها والدولة القومية عندما نهضت قامت اساسا على حد كبير من التماسك البشري - المذهبي. فالاقليات في تلك الدول الاوروبية القديمة قليلة قياسا بضخامة البلاد وكثافتها البشرية ولذلك لاتعاني الأكثرية الساحقة من مشكلات حقيقية اتهدد أمن الدولة واستقرارها.

اوروبا الشرقية على عكس ذلك. فهي مساحة جغرافية - بشرية ممزقة دينيا ومذهبيا ودولها حديثة العهد قياسا بتلك الدول الاوروبية في غرب القارة التي تضرب جذورها في عمق تاريخ يمتد مئات السنين.

الاتحاد الاوروبي إذن يمر في مأزق جغرافي وتمدده شرقا هو قدره التاريخي الا اذا قرر التوقف لاستيعاب تلك الدول الجديدة التي اضافها (عشر دول) حديثا إلى منظومته.

التوقف ضرورة الا انه مشكلة اذا استمرت تركيا المراقبة من الحاجز السلافي - الارثوذكسي، في طرق ابوابها من الشرق.

أجّل الاتحاد الاوروبي الملف التركي مدة ثلاث سنوات وعلى وعد انه سيفتح باب التفاوض. والتفاوض لايعني قصر الموافقة على تركيا وحدها بل فتح باب الشرق على المجموعة السلافية - الارثوذكسية. وهذه مشكلة اخرى

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 104 - الأربعاء 18 ديسمبر 2002م الموافق 13 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً