العدد 104 - الأربعاء 18 ديسمبر 2002م الموافق 13 شوال 1423هـ

ادارة التكنوقراط مطلب إصلاحي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

تطرح كثير من المؤسسات الاستثمارية شروطا قبل ان تقرر الاستثمار في بلدما او قطاع اقتصادي معين. واكثر ما يسعد الشركات الاستثمارية هو تعاملها مع ادارة مستنيرة تقلل العوائق البيروقراطية وتفسح المجال امام مختلف الانشطة التجارية والصناعية من دون مشكلات. ولذلك فإن الاصلاح الاقتصادي يعتمد على استلام التكنوقراط ادارات السلطة فهؤلاء ليسوا تجارا ولا ينافسون القطاع الخاص كما لا يضايقون المستثمر الاجنبي. ولذلك فإن الوزراء في دول كبرى عادة ما يكونون اداريين ناجحين تخرجوا من افضل الجامعات العلمية المتخصصة في ادارة الاعمال او كانوا قد نجحوا في ادارة انشطة وبرامج اعطتهم الخبرة لذلك. وعندما ازدادت الاضطرابات السياسية في باكستان في التسعينات، استغلت بعض الاطراف خلو مقعد رئاسة الوزراء وتم تعيين خبير اقتصادي أصدر قرارات نوعية مهمة واستحصل على موافقة كل من بينظير بوتو ونواز شريف لأنه توقع أن واحدا منهما سيتسلم الحكم وكان يريد أن يطمئن بأن قراراته لن يتم تغييرها. وفعلا كانت تلك القرارات الصادرة من حكومة الخبير افضل من القرارات الخاضعة للاهتزاز السياسي. غير ان هذه ليست دعوة لان يتسلم الخبراء كل شيء. فالخبراء بحاجة للشرعية والشرعية تأتي من الممارسة الدستورية للعمل السياسي.

غير أنه وبلا شك أن التاجر والمستثمر يطمئنان لوجود خبير يفهم في تسيير الشئون العامة وليست لديه مصالح تجارية ينافس بها الاخرين.

والحديث عن التكنوقراط تزداد اهميته ونحن نتطلع لاصلاح اقتصادي يطور ما لدينا من امكانات ومميزات. ولقد جاءت التغييرات الوزارية بعدد أقل مما هو متوقع من التكنوقراط الذين بإمكانهم قيادة التنمية الاقتصادية المطلوبة في الفترة الحالية، ولكن هذا لا يمكن ان يتم إلا بإدخال العناصر الادارية القوية وتوفير الصلاحيات المناسبة لها لتفعيل دورها. ففي الندوة التي رعاها سمو ولي العهد عن معوقات التنمية الاقتصادية طرح المنتدون افكارا كثيرة مستقاة من التجارب الناجحة في انحاء العالم. ولكن مثل هذه الأفكار هي بحاجة إلى الكوادر الواعية والمتدربة التي تستطيع ادارة الانشطة من دون التنازل للصعاب الموثوقة من ممارسات ربما كانت ملائمة للماضي.

ولعلنا نبدأ حاليا في الجانب النظري لمتطلبات الإصلاح والتنمية ولكن الجانب العملي، وهو تدشين البرامج والمشروعات التي لا يمكن من دونها التحرك خطوات أكثر من كونها اعتيادية إلى الأمام. فبالاضافة إلى تقليل وتسهيل البيروقراطية ومنع الحكومة من منافسة القطاع الخاص والقيام بدور المسهل والبادئ للاعمال وليس المدير لها، فإن المطلوب ايضا تطوير خبرات وطنية لجذب المستثمر الاجنبي وخبرات وطنية لضبط عمليات الخصخصة ومنع الاحتكار وضمان المنافسة الشريفة البعيدة عن الممارسات الفاسدة اذ ان هناك شعارات جميلة جدا ولكن تطبيقاتها قد تأتي بضرر ما لم نتمكن من الاحاطة بمتطلباتها.

مثلا، الخصخصة التي اصبحت الآن مطلبا اساسيا للاصلاح الاقتصادي. هذه الخصخصة لها متطلبات لتسهيلها وتخفيف عبئها. فخصخصة اي قطاع معين ستتبعها إقالات وتسريحات من الاعمال. والحكومة في هذه الحال مطالبة بتسهيل اعادة توظيف المسرّحين إلى اعمال تناسبهم أو تعويضهم لتخفيف العبء الاجتماعي الواقع عليهم. ان الخصخصة تتطلب وجود قوانين عمل عادلة بحيث لا يتم تسريح المواطنين واستجلاب العمالة الرخيصة مكانها. ولو كان هذا هو محصلة الخصخصة لحصلت كوارث في البلدان التي خصخصت بعض من قطاعها العام. كما ان الخصخصة تتطلب وجود جهاز مراقب بإشراف البرلمان يراقب الاجراءات المعمول بها للتأكد انه لا توجد معاملة خصخصة يستفيد منها الوزير او المسئول. وفي بريطانيا وبقية الدول التي نجحت في الخصخصة هناك مراقبة شديدة لمنع اي مسئول من الاستفادة الشخصية من الخصخصة. وهذا يرجعنا للحديث عن التكنوقراط. فالخبراء الذين يشرفون على عمليات الخصخصة والبرامج التنموية ليسوا تجارا، وانما هم موظفون كبار لهم رواتبهم المرتفعة جدا ولكنهم ايضا يمنعون منعا باتا من الدخول في التجارة ماداموا هم المشرفين على شئون البلاد. وهذا ما تفعله سنغافورة البلد الذي يعادلنا في الحجم ويزيد علينا في سكانه خمس مرات ومع ذلك فهو لا يحتاج الى نصف البيروقراطية الموجودة لدينا. ففي سنغافورة راتب الموظف العام مرتفع، ولكن في الوقت نفسه لا تتساهل العدالة البتة فيما لو حاول هذا المسئول الانتقال من دور التكنوقراط إلى دور اخر

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 104 - الأربعاء 18 ديسمبر 2002م الموافق 13 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً