المسألة المثارة عن انتماء شخص ما لوطنه ليست خاصة بالبحرين، كما انها ليست خاصة بزمان معين. ولقد أثيرت في البحرين بالطريقة نفسها التي تثار بها الأسئلة ذاتها في بلدان أخرى مع فارق ان كثيرا من البلدان تطرح الموضوع للنقاش ولا تخشى تعدد الآراء في الأمر شريط ألا يستخدم مثل هذا الحوار لإثارة النعرات والقلاقل في المجتمع.
مشكلة الانتماء إلى الوطن «بالمفهوم الحديث» نشأت مع تكوين الدولة القومية على أسس جغرافية. فالدولة القومية الحديثة لم تحسم موضوع الهوية والانتماء بصورة حاسمة ومقبولة على مستوى دولي وعقلاني. فهل الانتماء إلى الدين هو أساس الهوية للوطن؟ أم الانتماء إلى الأثنية والنسب هو الأصل؟ ام القدرة على التحدث بلغة معينة هو الأنسب؟ أم الدفاع عن البلد من خلال الانضمام إلى الجيش، أو أية مؤسسة مماثلة، هو الأهم؟ أم اللعب في فريق رياضي وطني هو الطريق؟ أم ماذا؟
عدم وضوح المعايير يترك بوضوح موضوع الوطنية عائما يتلاعب به البعض سياسيا ويحركه كيفما شاء.
فقبل عهد الإصلاحات كان البعض يطرح (حتى ولم يصرح بذلك علانية) أن المواطن الصالح هو كل شخص لا تطلبه أجهزة الأمن والمخابرات. وبالتالي فإن أي شخص لكي يصبح مواطنا صالحا ومعترفا به ما عليه إلا ان يرتب وضعه مع جهاز المخابرات إما بالانتماء إليه أو الصمت المطلق عما يدور في البلاد.
آخرون كانوا يعتبرون عدم الانتماء إلى الأرض وعدم الاكتراث بمصالح البحرين هو الأساس، فكلما ابتعدت عن الشعور بأهل البحرين وبمشكلاتهم فأنت مواطن صالح تستحق الامتيازات كلها.
هذه التعريفات انتهت الآن في القاموس السياسي البحريني، ونأمل ألا تعود. فالبحريني هو ابن البحرين الذي امتزجت مشاعره وجذوره وأهدافه وآماله ومستقبله ووجوده بأهل البحرين وبالبحرين. ولا يضر أن يكون لهذا المواطن وجهة نظر مختلفة عن وجهة النظر الرسمية مادام يبديها بصورة سلمية ومادام لا يستطيع أحد إثبات سوء نية وقصد الضرر بمصالح أهل البلاد وبسمعة الوطن. على أن سمعة الوطن ليست مقدمة على حقوق المواطن، فالإنسان هو الأول قبل كل شيء، فالله خلق الكون لكي يعمّره الإنسان وكل ما في الكون مسخّر للإنسان وليس العكس.
وعلى هذا الأساس فإن الانتماء إلى الوطن لا يمكن تحديده على أساس اعتباطي كما يطرحه البعض. ولو طبّقنا هذا الفهم الاعتباطي على البلدان الأخرى لحدثت مآسٍ كما حدث في الدول البلقانية في التسعينات.
الانتماء إلى الوطن قيمة حقيقية موجودة عند أهل البحرين ودليل ذلك التضحيات التي قدمها الجميع من أجل الصالح العام. وأعظم درجات الوطنية هي أن يقدّم الانسان نفسه وماله وأعز ما لديه من أجل أن يعمّ الخير الجميع وتعم العدالة.
وعكس ذلك، من يتحدث باسم الوطنية ويتهم هذا أو ذاك ولكنه يغلّب مصالحه الأنانية على مصالح الأمة ويتسابق للحصول على المزايا الشخصية حتى ولو كان في ذلك طمس للحقائق وإيذاء للناس.
الانتماء إلى الوطن لا يعني حصر الوجود في اثنية واحدة او طائفة واحدة أو لغة واحدة أو نهج واحد أو حزب واحد أو فهم واحد، بل إن التعددية في كل ذلك هو أساسها. والتعددية في الفهم يغني المجموع الأكبر من الناس لأن روافد الخير تزداد مع ازدياد مصادر القوة الكامنة لدى كل فئة من فئات المجتمع.
وعندما نعترف بأهمية التعددية فإنه يلزمنا أن نبدأ بفتح النوافذ على بعضنا بعضا. فإنه من غير المنطقي ألا يعرف ابن هذا المذهب عن ابن ذلك المذهب شيئا، وألا يعرف ابن هذه العرقية شيئا عن ابن تلك العرقية المجاورة إليه. جميعنا يعلم ان ما يوحدنا أكثر مما يفرقنا واننا لو فتحنا النوافذ فسنرى ان العوامل الجامعة أكثر مما نتصور، ولكن خوف بعضنا من أوهام خلقها الماضي يحرمنا من الاستغناء بما هو موجود لدينا. لا عيب إذن فيما لو اعترفنا بتعدد اللهجات في بلادنا، ولا عيب فيما لو اعترفنا بتعدد الأعراق والانتماءات الأسرية والاتجاهات الفكرية، ولا عيب فيما لو اختلفنا على أمور حياتنا اليومية، وإنما العيب فيما لو لم ننتصر لبعضنا الآخر عند الحاجة. فالإنسان يحتاج إلى جاره لمعاونته في وقت الشدة وفي وقت الحاجة وإذا كانت مصالح هذا الجار لا ترتبط بمصالح جاره فإنه لا يشعر بالانتماء إلى أهل تلك المنطقة. أساس المواطنة هو التناصر للدفاع عن بعضنا بعضا لكي يضمن كل واحد منا حقه في العيش الكريم على التربة التي تجمعنا جميعا: البحرين
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 103 - الثلثاء 17 ديسمبر 2002م الموافق 12 شوال 1423هـ