تترقب 40 أسرة (منها 33 أسرة بحرينية) من أسر ضحايا طائرة شركة طيران الخليج 320 A - التي سقطت قبل حوالي عامين قبالة السواحل البحرينية وعلى متنها 143 راكبا بمن فيهم الطاقم قضوا جميعهم نحبهم - صدور حكم من القضاء الفرنسي في مايو/ أيار المقبل في أقصى تقدير، يلزم شركة طيران الخليج التي اعترفت بالمسئولية الفنية عن سقوط الطائرة، بدفع تعويضات تصل إلى 124 مليون يورو (48,484 مليون دينار) كما قال محامي أسر الضحايا مارتن شيكو، الذي بدا متفائلا بأن الحكم سيكون في صالح أسر الضحايا، على رغم أن طيران الخليج استأنفت ضد حكم سابق للقضاء الفرنسي قضى باختصاص المحاكم الفرنسية في النظر في القضية، واستبعد شيكو صدور حكم يقضي بعدم الاختصاص، واصفا ذلك الافتراض بأنه أشبه بالمثل الفرنسي «ماذا لو انطبقت السماء على رؤوسنا».
وأوضح شيكو - الذي حضر إلى مبنى «الوسط» برفقة زميله المصري ياسر فتحي محمود، وعضو لجنة أسر الضحايا عيسى عجلان - أن أسر 70 ضحية هي: (33 أسرة ضحية بحرينية، و30 ضحية مصرية، و10 سعودية، وأسرتان إماراتيتان) تقدموا أمام المحاكم الفرنسية لتعويضهم تعويضا ماديا ومعنويا إضافة إلى نوع ثالث من التعويض عن افتقاد الضحية ما تبقى من حياة المستحق، وهو نوع مستحدث من التعويض لا تصدر به أحكام إلا في الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنه يمثل ضررا حقيقيا يقع على أسر الضحايا، و«نحن نبذل قصارى جهدنا لاثباته»، كما قال شيكو. مضيفا: «حتى هذه اللحظة تبذل طيران الخليج أقصى جهد ممكن لتأجيل القضية، من دون أن تعلن أي موقف أو تكشف عن أي دفاع، وحتى الآن هي فقط متهمة، وبعد سنتين وأربعة شهور من الحادث لم تحدد موقفها سوى بالاعتراف عن المسئولية الفنية عن الحادث كما ورد في التقرير النهائي».
وبين أن التأجيل من طرف طيران الخليج في معظمه قائم على المطالبة بأوراق تثبت علاقة المستحقين بالضحية، في حين أن الشركة سبق أن عرضت على هذا المستحق مبلغا سبق رفضه (130 ألف دولار عن الضحية من البالغين، و75 ألف دولار عن الضحية من القصر)، بما يقطع بأنها متأكدة من علاقته بالمتوفى، وهذا يؤكد أن غرض التأجيل يهدف إلى «تيئيس» أسر الضحايا، «لذلك بذلنا جهدا فائقا لوضع حد لهذا الأمر، إلى أن تمكنا من الوصول إلى تحديد جدول زمني مع المحكمة، وهو الأمر الذي يقطع الطريق على مخطط الشركة».
الاتفاق مع القضاء الفرنسي
ويقضي الجدول المتفق عليه بانتهاء الإجراءات بنهاية شهر مارس/آذار، وبعده تعقد جلسة مرافعة واحدة في شهر ابريل/ نيسان المقبل، يعقبها صدور الحكم في مايو/أيار في القضية برمتها.
من جهته أوضح أحد محامي هيئة الدفاع ياسر فتحي (هيئة الدفاع مشكلة من مكتب فرنسي: مارتن شيكو ومشاركوه، ومكتبين مصريين:سامح عاشور، وياسر فتحي، وتتعاون الهيئة مع اثنين من المحامين البحرينيين، هما: حسن بديوي وعلي العريبي) أن الحكم «بالقطع سوف يرفض فكرة اعتبار التعويض مبلغا يحدد سلفا عن أحجام الأضرار، كما لا يمكن أن يقر فكرة توزيعه كتركة. كما سيحدد الحكم القيم التعويضية بدقة لكل حال بحالتها، وسوف يصدر الحكم بمبالغ محددة لكل مستحق».
وأضاف «نحن موجودون في البحرين لتقييم الموقف في الوضع الراهن، وسنكون مضطرين من آن لأخر إلى مقابلة موكلينا من أسر الضحايا وإطلاعهم على آخر التفاصيل الخاصة بالقضية في فرنسا، وأخبار الاتصالات مع ممثلي شركة طيران الخليج».
تناقض القول والفعل
وأضاف: «خلال الفترة الأخيرة من الواضح أن طيران الخليج تفعل عكس ما تقوله تماما، إذ نشرت الصحف استعداد الشركة ورغبتها في تسوية المشكلة، ودفع تعويضات عادلة، والتزمت مع السلطات المصرية والبحرينية بتسوية هذه المشكلة على وجه السرعة، لكنها لم تحرك ساكنا لتسوية الحالات في البحرين، وقامت بخديعة أسر الضحايا في مصر بصرف مبالغ لا علاقة لها بحجم الأضرار، قدرها 130 ألف دولار عن الضحية من البالغين (أكبر من 18 سنة)، و75 ألف دولار عن الضحية من القصر».
وأضاف ياسر فتحي (من المكتب المصري للاستشارات القانونية والمحاماة) أن هذا «يخالف القانونين المصري والبحريني، ومخالف لأحكام الشريعة الإسلامية، فالتعويض في القانون المصري والقانون البحريني والشريعة الإسلامية يقوم على فكرة جبر الضرر، ما يستلزم تحديد حجم الضرر للمستحقين من الأحياء، وجبرها أيا كان حجمها، في حين أن الشركة قدرت المبلغ السالف الذكر طبقا للموازنة التي وضعتها لتغطية آثار الحادث من وجهة نظرها».
الأمر الآخر ان «الشركة ارتكبت مغالطة قانونية وشرعية خطيرة، إذ قامت بتوزيع الذي سموه تعويضا لأحكام المواريث في الشريعة الإسلامية كتركة في حين أن المبلغ لم يكن من ضمن عناصر التركة، وذلك بالمخالفة لأحكام القوانين المدنية في مصر والبحرين وفرنسا والأحكام الإسلامية. إذ ان التعويض هو حق ينشأ للأحياء نتيجة وفاة المتوفى، وهذا الحق له أنواع ثلاثة: التعويض الموروث والتعويض المعنوي والتعويض المادي. النوع الأول يجوز توزيعه طبقا لأحكام المواريث في الشريعة، من دون أن يكون تركة، أما النوع الثاني فيمتد إلى حتى الأقارب من الدرجة الثانية (الأب، الأم، الأشقاء، الشقيقات، الزوجة، الأبناء)، أما التعويض المادي، فلا يوجد في الشريعة ولا في القانون ما يقصر هذا النوع على أشخاص معينين أو درجة قرابة معينة، ويحق لكل متضرر نتيجة الوفاة أن يتم تعويضه عن الأضرار المادية مهما كان حجم هذا التعويض».
التعويض لا يضر بالشركة
وأوضح ياسر فتحي أن هذا لا يضر بالوضع المالي لشركة الطيران، ذلك أن «طيران الخليج مثل أي شركة طيران في العالم لا تبدأ بممارسة نشاطها إلا بعد تغطية الجانب التأميني على رحلاتها، لدى كبرى شركات التأمين والتي تقوم بإعادة التأمين، وفي حالات كثيرة يتم بيع عقد إعادة التأمين في صورة أسهم في إحدى بورصات التأمين العالمية، وبذلك تنتقل أعباء تغطية التأمين على رحلات هذه الشركة إما على شركة إعادة التأمين أو إلى أصحاب الأسهم في بورصات التأمين العالمية، وفي هذه الحال يجب أن نشير إلى أن ما يحكم حجم الآثار العائدة على الشركة هو طبيعة عقد التأمين بينها وبين شركة التأمين».
وبين أنه لا يوجد «عندنا تفاصيل عن هذا العقد لكن غالبية الحالات تكون فيها شركة التأمين ملتزمة بتغطية التعويضات من دون حد أقصى. وهناك مثلا حادث شركة مصر للطيران، التي سقطت قرب نيويورك، يجري حاليا تسوية موضوعه مع أسر الضحايا مقابل أرقام يمثل أقلها ما يزيد على ضعفي الرقم المعروض من طيران الخليج، التي صرفت الأرقام السالف ذكرها في مصر، لكن الشركة تداولت مع أسر الضحايا البحرينية عددا من الأرقام بالزيادة والنقصان، لكنها لم تقدم عرضا رسميا واحدا حتى الآن. كما أنها عمدت إلى افتعال العقبات الإجرائية في المسار القضائي، لتعطيل الفصل في المنازعة، كما رفضت طلبا مباشرا من هيئة الدفاع من أسر الضحايا بصرف المبالغ التي أقرتها، على أن يكون الفصل في أية زيادة في القضاء، وهذا ما يجعلنا نقطع بعدم وجود حسن نية لدى الشركة، وهم يطمعون في أن يؤدي طول الفترة في المنازعة القضائية، وضغط الاحتياج القائم لدى الأسر إلى أن ينفرط عقدها، فضلا عن أن الشركة في انتظار الفصل في حوالي 30 قضية مقامة ضد أسر الضحايا المصريين في المحاكم المصرية لتسقط من أجمالي المبالغ المستحقة وعليها قيمة التعويضات لهذه الأسر».
هذه الخطة «أصبح محكوم عليها تقريبا بالفشل، لأن المحاكم الفرنسية قدرت أن تنتهي إجراءات الدعوى الموجودة أمامها خلال الفترة في شهر مارس المقبل، بما يقطع بصدور الحكم في فترة لا تتجاوز شهر مايو.
وأوضح فتحي أن اختيار فرنسا وقع لعدة أسباب، لأنه عند «رفع الدعوى في نوفمبر/ تشرين الثاني لم يكن التقرير النهائي عن الحادث قد صدر، ولم تكن المسئولية الفنية عن الحادث قد تحددت بشكل نهائي. وخصوصا أن هنالك تقريرا فنيا كان قد صدر أفاد بأن المسئولية مشتركة بين الطيار والطائرة، لذلك كان من الواجب اختصام كل من شركة الطيران، والشركة المصنعة للطائرة، كما أن القضاء الفرنسي يمثل بالنسبة إلى المستحقين من أسر الضحايا فرصة أفضل، لا من حيث العدالة، ولكن من حيث تقييم حجم الأضرار بصورة أكبر، ومن حيث سرعة الفصل في القضية».
- سقطت طائرة طيران الخليج المنكوبة في 23 أغسطس/ آب 2000 قرب ساحل قرية سماهيج، وهي طراز 320A(مصنعة بمعرفة شركة إيرباص، وعادة تشترك حوالي 30 جهة أخرى في تصنيع الأجزاء الداخلية).
- الضحايا (135): 63 مصريا، 34 بحرينيا، 12 سعوديا، تسعة فلسطينيين، ستة إماراتيين، ثلاثة صينيين، بريطانيان، كويتي واحد، سوداني واحد، عماني واحد، أميركي واحد، استرالي واحد، كندي واحد.
الطاقم: بحرينيان (بمن فيهم كابتن الطائرة إحسان شكيب)، وبولوني، ومصري، وهندي، وفلسطيني، ومغربي، وعماني.
- دفعت «طيران الخليج» مبلغ 25 ألف دولار عن كل ضحية بعد الحادث مباشرة.
- نجحت الشركة في الوصول إلى تسوية مع أسر الضحايا المصريين والسعوديين والفلسطينيين، تقضي بتسلم 130 دولارا عن كل ضحية بالغ، و75 ألف دولار عن كل ضحية قاصر.
- كما نجحت «طيران الخليج» في الوصول إلى تسوية مع الجنسيات غير العربية، لكن لا يعرف مقدار التعويضات التي دفعت.
- تم تقديم قضية واحدة في فرنسا تشمل شقا مستعجلا بقول الاختصاص وقد صدر الحكم بصحة الاختصاص، وشقا موضوعيا يطالب بالتعويضات.
- التعويضات التي يطلبها الضحايا في محاكم فرنسا: الرقم الإجمالي المطلوب في القضية 124 مليون يورو (حوالي 48,484 مليون دينار)، ونحن متأكدون - كما يقول ماتن شيكو - من أن الحكم لا يصدر بإجمالي القيمة المطالب بها، ولكن لنتخيل الفارق بين ما تعرضه الشركة حاليا على أسر الضحايا في البحرين وهو حوالي سبعة ملايين يورو (2,737 مليون دينار)، وحتى لو أضيف ما دفع إلى المتضررين فإن الرقم لن يصل إلى 15 مليون يورو (5,865 ملايين دينار)، وهذا فرق هائل يستدعي من العقلاء أن يعودوا إلى فكرة التسوية، لكننا يئسنا من هذه الفكرة، كما أننا اقتربنا من حسم الأمر قضائيا
العدد 103 - الثلثاء 17 ديسمبر 2002م الموافق 12 شوال 1423هـ