يبدأ اليوم (الاثنين) الرئيس السوري بشار الأسد زيارة للندن، هي الاولى لرئيس سوري لعاصمة «امبراطورية» عصر الاستعمار القديم، والشريك الرئيسي لواشنطن عاصمة «امبراطورية» العولمة المعاصرة. وبرنامج زيارة الأسد سيعبر عن التقاطع بين القديم والجديد في الواقع والراهن للعاصمة البريطانية، اذ تستقبله الملكة اليزابيث الثانية وولي العهد الامير تشارلز وكلاهما من بقايا الإرث الامبراطوري القديم، وسيجري الاسد مباحثات مع رئيس الوزراء طوني بلير وأركان حكومته المعبرين عن سياسة التحالف البريطاني مع الولايات المتحدة.
وتتوافق هذه الوقائع في بعض مضامينها مع طبيعة الزيارة وأهدافها التي يقوم بها الرئيس الأسد، اذ هي زيارة توافقات بين القديم والجديد، بين سياسة النظام الدولي الجديد وما قبله، وهي في أهدافها محاولة لاقامة التوافق بين مواقف، تبدو متناقضة أو هي مختلفة في التعبيرات الأقل تشددا بين بلدين ونظامين، وفي الأبعد من ذلك بين كتلتين منخرطتين في ممارسة الحوار مقرونا بالتعاون احيانا وخوض الصراع في احيان اخرى حول قضايا سياسية تهز العالم، هي على الأجندة الاكثر سخونة في السياسة العالمية، وأبرزها قضايا العراق والارهاب، والصراع العربي - الاسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية.
ومثلما هي بريطانيا (ربما بسبب طبيعتها الأوروبية) أقل تشددا من الولايات المتحدة، فان سورية اقل تشددا في المعسكر المناهض للسياسة الاميركية ومواقفها ازاء القضايا الساخنة في السياسة العالمية، وتلك الصفة المشتركة، ربما كانت وراء التحرك البريطاني باتجاه سورية ودعوة الرئيس الاسد إلى زيارة بريطانيا والتباحث معه في واقع المنطقة ومصائرها المحتملة، وخصوصا في أمرين مهمين من وجهة النظر البريطانية، أولهما معالجة القضية العراقية، ولو بالقوة وصولا إلى تأييد الحرب على العراق، والثاني، الحرب على الارهاب، يقابلهما من وجهة النظر السورية، البحث عن حل سلمي للقضية العراقية، ومثل ذلك القيام بتحرك هدفه وقف الارهاب الاسرائيلي وتأمين حقوق الشعب الفلسطيني في اطار معالجة قضية الصراع العربي - الاسرائيلي.
ولأن ثمة افتراقات واضحة في وجهات النظر البريطانية - السورية، فان كلا من الرئيس الاسد ورئيس الوزراء البريطاني، سيسمع الآخر كلاما يناسب وجهة نظره ويعبر عنها، وفي هذا فان الرئيسين، لن يعيدا قول ما قيل في المؤتمر الصحافي الذي انعقد في ختام زيارة رئيس الوزراء بلير لدمشق العام الماضي، وظهرت من خلاله تناقضات حادة في موقفي البلدين، بل سيكونا أكثر تقاربا، وصولا إلى الوسطية التي تميز زيارة الاسد للندن.
الرئيس السوري، سيركز على معارضة الحرب على العراق بسبب انعكاساتها، التي ستتجاوز العراق إلى المنطقة، باعتبارها تدخل الاخيرة «إلى المجهول» وبسبب انها ستؤدي إلى ايجاد «تربة خصبة للارهاب»، لكنه في الوقت ذاته، سيبرز تأييد سورية للشرعية الدولية واحترامها القرارات التي تصدرها، مطالبا بأن يأتي علاج القضية العراقية من خلال الشرعية الدولية.
وسيبرز الأسد امام مضيفة موقف سورية من الحرب على الارهاب بصورة مبدئية، متوقفا عند تعاون سورية مع الطلب الاميركي في الحرب على الارهاب من دون ربط ذلك «بنوعية العلاقة مع الولايات المتحدة» التي تأخذ طابعا متناقضا «نحن نتعاون في هذا الموضوع ونصطدم في مواضيع أخرى ونختلف في مواضيع اخرى» حسبما قال الرئيس الاسد في حوارمع صحيفة «التايمز» اللندنية.
ولا شك في ان الاسد سيسمع البريطانيين رأيه في الموضوع الفلسطيني والصراع العربي - الاسرائيلي، وموقف سورية في هذا الاطار، مدافعا عن الموقف السوري من مقاومة الفلسطينيين للاحتلال الذي يأتي ردا على السياسة الاسرائيلية، وخصوصا المقاومة التي تمثلها حركتا «حماس» و«الجهاد» التي تملك مكاتب إعلامية لها في دمشق في اعتبارهما «منظماته تعبر عن رأي ملايين الفلسطينيين داخل فلسطين وخارج فلسطين» معارضا وصفهما بـ «الارهاب»، داعيا إلى «تطبيق قرارات مجلس الأمن» طريقا إلى حل الصراع في إطار يجعل السلام «سلاما عادلا وشاملا وان تحل المشكلة ككل».
ويمكن القول، ان كلمات الرئيس الأسد ستركز على شرح الموقف السوري حيال القضايا المطروحة، أكثر مما ستكون ردا على الموقف البريطاني في القضايا ذاتها طبقا لما أذاعته المصادر الدبلوماسية البريطانية، والتي رسمت ما سيعرضه رئيس الوزراء طوني بلير من مواقف خلال محادثاته مع ضيفه السوري، والأبرز فيها، تأكيد التقاطعات، التي ظهرت في مواقف البلدين حيال القضايا المطروحة، وأهمها «التصويت السوري في مجلس الأمن في القرار 1441» الذي جاء في سياق معالجة القضية العراقية، وسيشير بلير بحسب المصادر البريطانية إلى «ان لندن تشارك رغبة سورية في إيجاد حل عبر الجهد الدولي والأمم المتحدة للوصول إلى حل سلمي...» للمشكلة العراقية، على رغم الاختلاف «عما يجب ان نفعله في حال فشل هذا العمل بسبب على سبيل المثال عدم تعاون العراق مع الأمم المتحدة».
وبحسب المصادر البريطانية، فإنه سيتم التركيز على العمل البريطاني - السوري المشترك في إطار مكافحة الارهاب الدولي، على رغم الاختلافات القائمة في تعريف «الارهاب» وهو موضوع سيجرى نقاش فيه، وسط توافق سوري - بريطاني على اعتبار «اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول في الولايات المتحدة واعتداءات ممباسا في كينيا أعمال ارهابية».
وسيكون الموضوع الفلسطيني بين الموضوعات المطروحة من جانب بلير، وبحسب وزير خارجيته، فإنه سيؤكد موقف حكومته اعتبار «الجناح العسكري التابع لحماس وحركة الجهاد الإسلامي» في عداد المنظمات الارهابية، ويعلن دعم بلاده وموافقتها على المطالب السورية المحقة في «حل شامل مبني على إقامة دولتين واحدة فلسطينية وأخرى إسرائيلية».
فيما سيقوله الرئيس الأسد وما يطرحه رئيس الوزراء نقاط وسيطة تكرس محاولة لخلق توافق وتقارب سوري - بريطاني على القضايا الأساسية، لكن هذا التقارب الذي يعبر عن تجاوز اختلافات استمرت طويلا بين سورية وبريطانيا، هو في أحد وجوهه توسط بين دمشق وواشنطن، أو محاولة لتحسين شروط الحوار بين العاصمتين من أجل صوغ جديد للدور السوري في المنطقة، التي لا شك انها مقبلة على تغييرات عاصفة، قد لا تكون الحرب ضد العراق سوى شرارتها الأولى
العدد 101 - الأحد 15 ديسمبر 2002م الموافق 10 شوال 1423هـ