ماذا يجري في أميركا؟ الإجابة عن السؤال تتطلب معرفة ماذا حصل في 11 سبتمبر/ ايلول 2001 أو لماذا وقعت ضربة 11 سبتمبر ومن المسئول عنها؟ الاجابة حتى الآن لاتزال مجرد سؤال. يقال ان الرئيس الاميركي جورج بوش يتردد في تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة الاسباب وتحديد الجهة المسئولة عن التقصير او «تسهيل» حصول الكارثة. فالرئيس - كما يبدو - يخاف من نتائج التحقيق وكشف اللجنة عن «اسرار» تطول الأمن القومي او تشكك في في الهيئات المسئولة عن حماية المواطن وأمنه.
بعد الضربة سيطر الغضب على الادارة الاميركية. وكان الانفعال والتوتر وصيحات الثأر والانتقام هي الصوت المسموع او المسموح به في لحظة أهينت فيها أمه ترى نفسها فوق الجميع. مرت سنة على الضربة ومازالت الاجهزة الامنية تثير كل يوم سلسلة من «الزوابع» السياسية المبنية على معلومات مشوشة. إلا أن أسر الضحايا وأهاليهم استعادوا إلى حدما وعيهم وبدأوا بالتفكير مليا في وقائع الضربة. وإعادة التفكير نتج عنها تشكيل لجنة للضغط على الادارة تطالب البيت الابيض بتأليف هيئة للتحقيق وتحديد المسئولية. فالاهالي بعد قراءة موضوعية لوقائع الضربة اتجهوا نحو الداخل واكتشفوا ان تحميل «الخارج» المسئولية لا يكفي لتحديد الجهة التي قصرت في تحمّل مسئولية الحماية.
وافق الرئيس بوش على مضض وكلف الجمهوري وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسنجر برئاسة «لجنة التحقيق» في اطار ما عرف عنه من تجربة سابقة في العلاقات الخارجية في السبعينات.
فكيسنجر خبير في شئون اميركا اللاتينية و«الشرق الأوسط» والعلاقات الدولية وهو متهم بتنظيم كثير من العمليات السرية والانقلابات والاغتيالات. تسلم كيسنجر السيء الصيت رئاسة اللجنة في اطار ملاحقة «ملف الارهاب» التابع لوزارة الخارجية. وكلف جورج ميتشل بنيابة رئاسة اللجنة. وميتشل (اللبناني الاصل) هو سيناتور سابق ينتمي الى الحزب الديمقراطي وكلفه الرئيس السابق بيل كلينتون بالملف الايرلندي ونجح في التوصل إلى صيغة اتفاق للحرب الاهلية الدائمة، وكان أحد المشرفين على متابعة ملف ازمة كوسوفو في يوغسلافيا.
بدأت اللجنة عملها في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي برئاسة كيسنجر الذي خدم في السبعينات في عهدي نيكسون وفورد، ونيابة ميتشل الذي خدم في التسعينات في عهد كلينتون. كان على اللجنة كشف الحقيقة أو على الاقل تقديم الواجب المنطقي لأسر الضحايا من خلال التحقيق مع الاجهزة والاطلاع على المعلومات والخفايا والاوراق التي سبقت ضربة 11 سبتمبر.
فعمل اللجنة هو قراءة المقدمات التي أوصلت إلى حصول تلك الضربة وتحديد الطرف المسئول او المقصر في واجباته. وتحديد الفترة كانت مسألة مهمة لأنها تقلل من النزاع المحتمل بين اللجنة ومثلث الشر (تشيني، رامسفيلد، رايس) الحاكم في البيت الابيض. فاللجنة المكلفة ينتهي عملها او تحقيقها في 11 سبتمبر وليس بعده. لانه بعد الضربة حدثت كثير من التجاوزات السياسية والانسانية وليس الآن وقت كشفها.
بدأت اللجنة عملها قبل أسبوعين فاستقال نائبها جورج ميتشل من دون ان يوضح الاسباب. وبعد يومين من استقالة ميتشل قدم كيسنجر استقالته من رئاستها متذرعا بأمور لها صلة بعمله ومكتبه الاستشاري. فانهارت اللجنة وبات على الرئيس بوش إعادة تشكيلها لأن ابقاء المسألة هكذا من دون توضيح سيثير المزيد من الشكوك وسيعطي مادة جديدة لأصحاب «نظرية المؤامرة» للكتابة وإثارة علامات الاستفهام عن وجود عوامل داخلية وراء ضربة 11 سبتمبر.
جورج بوش ليس امامه خيار آخر سوى اعادة تشكيل اللجنة واختيار طاقم من جيله يفهمه وعنده الاستعداد للسكوت عندما يطلب منه الصمت.
قيل الكثير عن اسباب تكليف كيسنجر ومن ثم اسباب استقالته. وذكرت معلومات وجود خلافات على صلاحيات اللجنة ومدى جواز دخولها إلى «ملفات سرية» تعتبر من مسئولية الجهات المكلفة بالاشراف على الأمن القومي. وقيل الكثير عن اهداف تشكيل اللجنة ومدى جدية عملها. فهل هي مجرد هيئة شكلية القصد منها شراء سكوت أسر الضحايا وتعطيل نشاطهم وضغوطهم أم هي لجنة جدية تريد كشف المعلومات والوصول إلى الحقيقة والاجابة عن السؤال: لماذا وقعت ضربة 11 سبتمبر وهل كان بالإمكان تلافيها.
هذه الامور جرى تداولها إلا أن الامور الأهم هي تلك التي لن يتم التطرق اليها إلا بعد مرور الوقت الكافي عليها.
كيسنجر مجرم سياسي ارتكب في عهده كثيرا من الاعمال السيئة التي كتُبت عنها عشرات الدراسات والكتب إلا انه ينتمي إلى السبعينات حين كانت الاستراتيجية الاميركية تعتمد مبدأ «اضرب وفاوض». فالعدو هو قوة يمكن التفاوض معه والتوصل إلى صيغة للتعايش المشترك. رامسفيلد مجرم سياسي ينتمي إلى استراتيجية اميركية مجنونة تعتمد مبدأ اقتل. فالعدو هو قوة تستحق الإبادة ولا حاجة إلى التفاوض معه.
ما حصل بين اللجنة وإدارة البيت الابيض أكثر من خلافات على الصلاحيات... أنها مسألة اختلاف على المفاهيم. فكيسنجر نصف مجنون أما رامسفيلد فهو مجنون بالكامل
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 101 - الأحد 15 ديسمبر 2002م الموافق 10 شوال 1423هـ