العدد 101 - الأحد 15 ديسمبر 2002م الموافق 10 شوال 1423هـ

الباب العالي

الوسط - حسام أبواصبع 

تحديث: 12 مايو 2017

كتب الأديب البرازيلي ذائع الصيت باولو كويلهو في كتاب عنونه بـ «مكتوب أن تتخيل قصة جديدة لحياتك»:

قال المعلم: امض في طريقك، ستجد أمامك بابا كتبت عليه عبارة. عد وخبرني ماذا تقول تلك العبارة. ذهب التلميذ بعد أن حشد لذلك روحه وجسده ووقته ثم عاد ليقول للمعلم: «مكتوب عليه مستحيل!».

سأله المعلم: وهل العبارة مكتوبة على جدار أم على باب ؟

«على باب يا سيدي».

«حسن يا بني، ضع يدك على المقبض وافتح الباب».

ذهب الطالب وفعل كما طلب منه. ولأن العبارة كانت منقوشة بالغبار، فإنها وقعت عندما انفتح الباب. ولأن الباب أصبح مفتوحا على مصراعيه... واصل التلميذ طريقه.

وبمجرد إتمامي قراءة هذا الكتيب التوجيهي قفزت إلى ذهني ثلاث حوادث منفصلة، الأولى عندما منعت إحدى أغنيات خالد الشيخ، مع روشتة تسويغية لا تقنع أحدا، والثانية عندما استعد علي الديري مدة شهر كامل لتقديم مداخلة عما يعرف بعلم الكلام الجديد، وفوجئ في اللحظات الأخيرة باعتذار من طلب اليه تقديم المداخلة، بعد ممارسة ضغوط من نوع ما، والأخيرة كانت في إحدى المحاضرات لأحد الأساتذة الأجلاء، الذي يروم من كلامه إخراج صنعة ما من دائرة التذبذب، إلى فضاء القوة والمتانة، ناسيا أو متناسيا أن ما يطالب به يصدر عن منطلقات حالمة، تذكرنا بالمثاليات القروسطية، وبالهلوسات اليوتوبية، مدعيا أن المعوقات هي ضرب من الأوهام، وأن مجرد مناقشته بصيغ محفوفة بالتأدب في درجته القصوى، كأنها نوع من الكبائر البغيضة.

والسلك الذي يربط هذه المنفصلات، قرأت تلخيصا بديعا له على لسان أحد البحاثة في معرض تقصيه استراتيجيات التمويه، إذ قال: «التلميذ المجتهد ليس هو التلميذ الذي يناقش معلميه ويطرح عليهم الأسئلة ويستفسر عما لا يفهمه أو لا يعرفه... وإنما هو التلميذ المطيع الذي يردد الأجوبة الجاهزة، ولا يحاول الاجتهاد أو الإبداع، ويمتثل لكل ما يصدر عن معلمه باعتباره المصدر الوحيد للمعرفة». وشتان بين معلم كويلهو الذي يتقطر حكمة، وهو كذلك لأنه - ربما - قادم من منطقة مخيالية، وبين النمطية الثانية من المعلمين، الذين لا يعرفون سوى التلقين، ولا يتفننون إلا في صناعة القوالب الجامدة الجاهزة، بل ويحرضون على المختلف، حتى لو كان الاختلاف في حدوده الدنيا، ولأهداف لا تنفك تبتعد عن الذهاب لمتسع علمي، أو لطقس إبداعي بمعايير جمالية مختلفة.

إنه وضع يبعث على التعب، لكن أعتقد أن اختلاس ثوان معدودة لقراءة ما كتبه قاسم حداد، قد يؤمّن شيئا من السلوى، يقول حداد:

«هل تمادينا وبالغنا بحبك كل هذا الليل (كي يأتي عليك الوقت تنسانا) وتبقى موصدا. (نغفو على أشلائنا)، نحن الذين انتابنا ماء العناق وساعة الرؤيا (وأنت موارب)، قمصاننا مثقوبة ويداك في وحشية النسيان تمحونا. (لماذا وحدنا قمصاننا مثقوبة بالقلب) (هل نهفو إليك وأنت في غيبوبة الرؤيا) ترانا من دون أن تحنو على ما ينتهي فينا»





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً