افتتح عظمة الملك عاهل البلاد المفدى الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة البرلمان البحريني يوم السبت الموافق 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري لتبدأ البحرين منذ تلك اللحظة دورة جديدة توقع لها خبراء السياسة في المنطقة والعالم أن تكون فاتحة خير على البلاد وتجربة رائدة قد تحتذي حذوها دول الجوار في المستقبل القريب. وبناسبة هذا الحدث الكبير أعيد طرح السؤال عن معنى الشورى ومنافعها وحسناتها. وهنا بعض منها.
إن منافع الشورى وحسن نتائجها غير خافية على أحد عندما يحرص أفراد المجتمع على رعايتها والأخذ بها سلوكا والتزاما. وإن تخلف أفراد المجتمع - على مختلف مسئولياتهم - عن الالتزام بالشورى وتطبيقها فيما يحرمهم من أمر، يجعل من هذا المجتمع مجتمعا متفككا يكيد بعضه لبعض. ويرى أحد الباحثين أن الشورى من الصفات الإيمانية التي وصف الله بها عباده المؤمنين، وإن هذا الوصف يفيد الخيرية فيمن يلتزم به لأنه من جملة الأوصاف الخيرة الأخرى التي امتازت بها الأمة الإسلامية عندما أخذت بها. وان التخلف عن التخلق والالتزام بهذا الوصف يفيد الانتقاص أو الابتعاد عن أحد هذه الصفات الخيرة، ويكون لهذا التخلف أو الإعراض أثره بمقدار تأثير هذا الوصف فيما لو أخذ به أفراد المجتمع على مختلف مسئولياتهم. هناك مزايا يخلفها تطبيق مبدأ الشورى في مختلف حقول الحياة، وإن هذا المجتمع الذي لا يبرم فيه أمر إلا بعد دراسة وتمحيص واستخراج الآراء من أصحاب الاختصاص، هو مجتمع سليم متماسك، ولا مجال فيه للعابثين والمخربين، لأنهم لن يجدوا ثغرة ينفذون منها، مادام أفراد المجتمع لا يصدرون في جميع تصرفاتهم إلا عن مشورة وتناصح، فهم يد على من سواهم، لأن أمرهم شورى بينهم. كما أن التعاون والتعاضد والتآزر، يتجلى كل ذلك، في مجالات الشورى التي تتداخل في مختلف شئون الحياة وتثبت حقيقة هذا التعاون.
يقول أحد الباحثين: «إن مبدأ الشورى يشكل إحدى مقومات وخصائص النظرية الإدارية في الإسلام والمشاركة أمر واجب الالتزام امتثالا لقوله تعالى لرسوله: (وشاورهم في الأمر) (آل عمران: 159) وقوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) (الشورى:38) فالله سبحانه وتعالى كرم بني آدم وحفظ لهم إنسانيتهم وكرامتهم وذلك بإشراكهم في أمر الحكم والإدارة.
إذا مبدأ الشورى لا شك ظاهرة صحية في الإدارة فهو يجعل المواطن إيجابيا وفعالا ومساهما بدور بارز في إدارة مؤسسته. كما يجعل المسئولين في إدارة المنظمات الإدارية الإسلامية ملتزمين بالمشاورة كأسلوب لإشراك الأفراد العاملين بالمنظمة في مجمل المسئولية الإدارية مما يحفزهم للعمل والبذل والعطاء.
كما أن الشورى لها عدة فوائد صاغها أحد الباحثين ويتفق الباحثون معه فيها مع بعض التعديلات عليها أو زيادتها وهي كالآتي:
1- حرص ولي الأمر على مصالح الأمة العامة.
2- عدم اقدامه على اتخاذ قرار لم يتبين له فيه وجه الصواب كما في ذلك من المخاطرة بالأمة.
3- مشاورة كل من أمكن حضوره من أهل الحل والعقد، لما في ذلك من تمحيص في الآراء والوصول إلى رأي مفيد عن طريق قدح عقول كثيرة.
4- جواز اجتماع ولي الأمر برعيته على فئات متجانسة، كما فعل عمر بن الخطاب (رض)، حين قسم المسلمين في الاستشارة إلى ثلاث فئات: فئة الأنصار، وفئة المهاجرين، وفئة مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، لأنه كلما كان العدد المتشاور أقل كان النقاش أوسع لسعة الوقت. كما أن الفئات المشار إليها لم يتم تصنيفها بناء على أسس قبلية، أو جهوية تمت لطبقة أو فئة معينة، وإنما لكونها فئات ثلاث ذات اختصاص وخبرة في مجالات مختلفة. فمثلا لو أراد أن يستشير في الزراعة في المدينة فلا بد له استشارة فئة الأنصار من أهل المدينة لأنهم أدرى بهذه الشئون، لذلك الخليفة عمر (رض) كان يستشير هذه الفئات في اعتبارها فئات ذات اختصاص ورأي تساعده في مهمات الحكم واتخاذ القرارات السديدة.
5- الاستئناس برأي كبار السن من ذوي الرأي والتجربة.
6- الاستئناس بالرأي الموحد، كما استأنس عمر برأي مشيخة الفتح لعدم اختلافهم.
7- فتح الباب لمن أراد أن يستفسر لإزالة شبهة عنده، ولو كان ولي الأمر قد انتهى إلى الأخذ بأحد الآراء لأن في إزالة الشبهة من نفوس الرعية تأليفا لقلوبهم واطمئنانا يجعلهم يشاركون إخوانهم في الرأي وتنفيذه، كما أنه ينبغي أن يكون عند ولي الأمر القدرة على إيراد الحجج المقنعة، ولكن ذلك لا يبيح للرعية أو بعضهم أن يقفوا موقف المعارض لما تم التوصل إليه من أهل الشورى، وبعد عزم على إنفاذه «فإذا عزمت فتوكل على الله»(آل عمران:159).
8- ان الله تعالى يوفق ولي الأمر ورعيّته للصواب، إذا أخلصوا في مشاورتهم وقصدوا المصلحة العامة.
9- ينبغي لولي الأمر أن يحرص على الإكثار من العلماء في مجلس شوراه لما في ذلك من إمكان استحضار بعضهم الدليل الذي يغني عن الشورى ويقطع الخلاف.
ويرى الباحثون في هذا الصدد أنه يجب أن تكون العلاقة بين الحاكم والمحكومين، والمحكومين بعضهم لبعض، علاقة مبنية على الشورى فيتشاورون فيما بينهم في الاستشارة من صلاح وفلاح الأمة، وهو في ذلك يعتبر الحاكم مؤديا لحق واجب عليه، والعلاقة تصبح بينه وبين رعيّته علاقة مبنية على المودة والإخلاص، كما أن العلاقة بين الأمة في رعاية مصالحها يسودها جو المشاورة والتفاهم، للوصول لخيرها وإصلاحها، لأن الأمة غالبا لا تجتمع على ضلالة.
ومن جانب آخر يرى الباحثون انه إذا كانت الشورى تشمل كل مصالح وأمور الأمة السياسية أو غير السياسية، فمعنى ذلك أن الشورى شاملة وعمومية أكثر من الديمقراطية المقتصرة على المسائل السياسية فقط. فالشورى تمثل الكل بالنسبة لأمور الأمة، أما الديمقراطية فهي تنصر على الجزء، فهنا لابد أن يرتكز نظام الحكم على نظام الشورى. كما ينبغي وضع تنظيم يطبق من خلاله نظم الشورى في الدولة. على ألا يكون هذا التنظيم جامدا وإنما يجب أن يكون مرنا يتناسب مع ظروف كل دولة بشرط أن تحافظ على الأسس والمحددات الأساسية وإن اختلفت التفصيلات. وآلية المرونة عادة تكون من خلال اجتهاد أهل الحل والعقد في أمور تتناسب مع المكان والزمان ولا تتناقض مع المحددات الأساسية التي وضعها الإسلام من خلال الكتاب والسنة النبوية الشريفة.
وبعد هذ الرأي يجب الباحثون على السؤال الذي يقول: ما هو دور الشورى في القرن الواحد والعشرين؟
إن الشورى لها دور كبير فهي لا تقتصر أهميتها على المستوى السياسي، في كونها نظاما سياسيا. وإنما هي تدخل الحياة وتتوغل في المجتمع بأكمله، فهي لها دور كبير في شتى شئون المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتزداد أهميتها ودورها في المجتمعات المعاصرة في العصر الحديث، نظرا لارتباطها الوثيق بنجاح خطط التنمية. فهناك تسابق في وضع خطط التنمية للارتقاء والنهوض، اذ تحصر الموارد والطاقات وتضع أهدافا معينة تسعى إلى تحقيقها خلال فترة زمنية معينة. فعالم الغد، عالم لا يرحم المجتمعات الضعيفة التي لا تطور أوضاعها بما يتناسب وعالم القرن الجاري.
ويتفق الباحثون على وضع خمسة عناصر رئيسية لابد من توافرها لتحقق خطة التنمية أهدافها. وهذه العناصر الخمسة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالشورى، ويرى الباحثون أن هذه العناصر الخمسة إذا ما أخذ بها فسوف تكون بداية طيبة للقرن الجديد وهي:
1- دور الشورى في اختيار الخطة التنموية المناسبة:
المجتمعات بحاجة إلى خطط التنمية والخطط التنموية كثيرة، وما يصلح لمجتمع قد لا يصلح لآخر، والشورى هنا تساعدها في اختيار الخطة المثلى، بدلا من الخطط التنموية التي فشلت في تحقيق أهدافها لأنها لم تأخذ حظها من الدراسة والشورى، فيضيع المجتمع مالا ووقتا وجهدا. فبالشورى نحسن الاختيار ونوفر الوقت والجهد والمال، وخصوصا أن الوقت ليس في صالحنا فالفجوة الاقتصادية والعلمية بيننا وبين الدول المتقدمة تزداد اتساعا يوما بعد يوم.
2- دور الشورى في توفير المناخ الآمن:
لا يكفي حسن الاختيار، فالخطة تحتاج إلى مناخ آمن حتى تنجح وتزدهر لأنه في جو التمرد والثورات لن يأمن المجتمع ولن تنجح الخطة، والشورى تساعد على إيجاد المناخ الآمن المستقر، وذلك عن طريق إفساح المجال لحرية التعبير ونقد الأوضاع السلبية (سلميا). وبذلك يجد المجتمع المتنفس العلني والصحي والمناسب، فلن يلجأ إلى أساليب العنف، والتنظيمات السرية، وحركات التمرد والخروج المسلح، ويتحقق أيضا أمان الحاكم، فالشورى صمام أمان للحاكم والمحكوم، ولعلنا نذكر المقولة التي قيلت في عمر (رض) «حكمت فعدلت فأمنت فنمت قرير العين يا عمر» فالأمن ثمر العدالة والشورى.
3- دور الشورى في كسب الجماعة والتأييد:
لا يكفي توافر العنصرين السابقين، فخطة التنمية تحتاج إلى حماس الأفراد وتأييدهم للخطة وتفانيهم في تنفيذها بمزيد من العمل والإنتاج والتعلم، ولن نستطيع كسب الحماس وحشد الجهود إلا إذا اقتنع الناس بجدوى الخطة وأهميتها لهم، ولن يقتنع الناس إلا إذا فهموا وصار عندهم الوعي الكافي بها، ولن يتحقق ذلك إلا إذا شاركوا فيها، وأطلعوا عليها عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، وساهموا في ابداء آرائهم وملا حظاتهم وتأكدوا من أن ثمرات الخطة تعود عليهم بالنفع في شكل ارتفاع مستوى معيشتهم وتقدم وطنهم وازدهاره. وكل ذلك لا يكون إلا بالشورى، فبالشورى والمشاركة يستطيع الناس أن يتفهموا أبعاد الخطة ثم يقتنعوا بها فيتحمسوا لها، لأن الخطة خطتهم وقد وضعت بمشاركتهم ومن أجلهم، ولأن التنمية أداتها وغايتها الإنسان.
4- دور الشورى في ضمان وحدة الأمة:
أيضا العناصر الثلاثة السابقة بمفردها لا تضمن نجاح الخطة لأن الخطة تحتاج (بالإضافة إلى ما سبق) إلى تضافر الجهود وتوحد المشاعر وتقارب الأفكار. فالمجتمعات التي يسود فيها التناحر الطائفي والتعصب المذهبي والسياسي لن تستطيع أن توحد جهود أفرادها لإنجاح خطة التنمية. والشورى تساعدنا في تحقيق الانسجام الاجتماعي والثقافي والسياسي عن طريق الندوات واللقاءات بين الجماعات والفرق والطوائف في جو من التشاور الحر بحيث يتم حل كثير من الخلافات وتقارب المشاعر والأفكار، ويتكون رأي عام موحد في القضايا الأساسية والحيوية للمجتمع.
5- دور الشورى في ظهور القيادات والكفاءات وتكوين الرأي العام المستنير:
وهذا العنصر الخامس هو أهم العناصر في هذا الموضوع ويستند إلى دور الشورى في التنشئة الاجتماعية الأولى، والتربية في نطاق الأسرة والمدرسة. فخطة التنمية تحتاج إلى القيادة الفعّالة، والجهاز الإداري المساعد الكفء، والرأي العام المستنير. والقيادة الفعّالة، والكفاءات السياسية والعلمية، أساسها التنشئة الاجتماعية الأولى. فالأسرة كما تربي الطفل يكون، وطفل اليوم قائد المستقبل. فإذا كانت التربية أساسها الشورى فإن الطفل تتاح له الفرص السليمة لتنمية شخصيته وقدراته، بداية بالأسرة وصعودا إلى المدرسة وبقية التنظيمات الاجتماعية كالنادي والجمعيات الرياضية العلمية والثقافية، ثم أن مناخ الشورى العام في المجتمع يهيئ الفرص لهذه الكفاءات ويشجعها لتولي المناصب القيادية. ثم ان القيادات لا تستطيع ضمان نجاح الخطط التنموية إلا بالهيئة الإدارية المعاونة، وأفراد هذه الهيئة هم أيضا نبت التربية القائمة على الشورى أو ثمرة من ثمراتها. وكذلك لا القائد الكفء، ولا الجهاز الإداري المساعد الفعّال يضمنان نجاح الخطة، ما لم يكن هناك رأي عام مستنير وواع يكون بالمرصاد لكشف سلبيات الأجهزة الإدارية والتنظيمات المختلفة في المجتمع، وتسليط الأضواء على الأوضاع السلبية فيها، بهدف تصحيحها أولا بأول، وذلك عن طريق أجهزة الإعلام المختلفة في الصحف والإذاعة والتلفزيون والمحاضرات العامة. ولا يغيب عن بالنا أن تكوين الرأي العام المستنير والواعي لا يتم إلا عن طريق الشورى، ابتداء بالتربية المتوازنة بإشاعة المناخ الحر في المجتمع. فهذه أهم العناصر المطلوبة لنجاح خطة التنمية ودور الشورى في تحقيقها
إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"العدد 100 - السبت 14 ديسمبر 2002م الموافق 09 شوال 1423هـ