إيرانيون ومصريون من توجهات مختلفة لكنهم مؤمنون بالإخاء العربي الإيراني وضرورة تفعيل الحوار وتنشيطه بين القاهرة وطهران وصولا إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة والتطبيع الشامل بين البلدين، اجتمعوا في العاصمة الإيرانية على مدى الأيام القليلة الماضية في إطار منتدى اجتماعات دورية هي الثالثة من نوعها خلال السنتين الماضيتين توجت حسب مصادر المجتمعين بنتائج إيجابية واعدة.
كان الوفد المصري مؤلفا من مفكرين وعلماء اقتصاد وباحثين استراتيجيين من «مركز دراسات الأهرام الاستراتيجي» برئاسة عبدالمنعم السعيد، قابله على الطرف الآخر نظراؤهم من الإيرانيين من «مركز الدراسات السياسية والدولية» و«المركز الدولي لحوار الحضارات» و«جمعية الصداقة الإيرانية المصرية» و«منتدى الحوار العربي الإيراني» و«أعضاء من مجلس الشورى الإيراني». وتداول الجانبان في مختلف القضايا الثنائية والإقليمية والدولية بقلب مفتوح وحوار بلا حدود وشفافية مرهفة مدركين خطورة المرحلة التي تمر بها بلادهم والعالم من حولها وأهمية البحث العلمي الدقيق والدراسة المتعمقة للظاهرات المستجدة والتطورات المتسارعة في المشهد الدولي.
وبعد نقاشات مضنية وساخنة وشد وجذب وعتب وعتب مضاد توصل الجانبان إلى مواقف مشتركة أهمها الآتي:
أولا: إن كلا من مصر وإيران لم يعد بإمكانهما الاستمرار في قطيعتهما الدبلوماسية إلى ما لا نهاية وكأن شيئا لم يحدث بانتظار أن يحلا ملفات القضايا العالقة بينهما التي هي جميعا ليست ثنائية بل تتصل بتقديرهما للموقف من حولهما إقليميا ودوليا.
ثانيا: إن الأمن القومي لكل من مصر وإيران لم يعد من السهولة بمكان الدفاع عنه وحراسته بالشكل التقليدي الذي كان متعارفا عليه قبل 11 سبتمبر/ أيلول، بل إن أمن كل منهما بات مرتبطا ارتباطا عضويا بمجموعة من القضايا والملفات الحيوية الإقليمية والدولية، بما يجعل قضية الدفاع عن الأمن القومي لكل منهما جزءا من الواجبات الملقاة على الآخر أيضا.
ثالثا: إن تحدي العولمة بكل أوجهها وتجلياتها وتداعياتها تفرض على الجانبين مجموعة كبيرة من الخطوات الجريئة والمبدعة في جوانب العمل الفكري والاقتصادي والثقافي والعلمي والتكنولوجي ما يتطلب المزيد من التنسيق الثنائي والمتعدد.
ربعا: إن البلدين اللذين يتميزان بعراقة حضاريتهما وثراء ثقافتهما وغنى مخزونهما المعرفي وما يمثلانه أيضا من موقع خاص في العالمين العربي والإسلامي يجعلهما يحملان مسئولية خاصة تجاه اضطراب العالم إزاء مفهوم الإرهاب، وبالتالي لابد من العمل سويا من أجل عقد أكثر من اجتماع إقليمي ودولي بمبادرة من الدول العربية والإسلامية لصوغ مفهوم متفق عليه للإرهاب يأخذ في الاعتبار أهمية الفصل وعدم الخلط بين مفهومي المقاومة المشروعة من أجل الحرية والاستقلال والعدالة، وعمليات العنف العمياء التي لا تحمل هدفا سوى الانتقام الأعمى من الخصوم السياسيين أو الايديولوجيين.
خامسا: إن الإسلام بما هو الشريعة السمحاء والحنيفة السهلة السمحة، وبما هو الدين الذي دعا ويدعو إلى المحبة والسلام والإخاء والحوار والاعتراف بالآخر والإقرار له بحقه بالتعبير عن نفسه والدفاع عنها قد تم اختطافه من قبل فئة جاهلة ظلامية متعصبة ومتزمتة لا ترى في الآخر إلا مجموعة من الكفار والفسقة! الذين لا يستأهلون الحياة والذين يجب طردهم وتصفيتهم من هذه الحياة ما يعرض حياة التعايش السلمي بين الأمم والشعوب إلى الخطر وكذلك الإسلام والشريعة الإسلامية السمحاء إلى التشويه. لذلك يرى الجانبان أنه من المهم بمكان العمل بكل ما أوتوا من جهد وهمة لإعادة إطلاق سراح هذا الإسلام والرهينة من يد خاطفيه من خلال إعادة تبيان الصورة المشرقة له كما سبق للعلماء الأحرار ووجدان الأمة الجمعي أن عرضوه على العالم من قبل إذ ساهم في الماضي ويجب أن يعود ليساهم اليوم في صوغ وصناعة الحضارة الإنسانية.
سادسا: إن التطورات الكارثية المحيطة بالقضية الفلسطينية توجب على الطرفين الارتفاع إلى مستوى المسئولية الخطيرة الملقاة على عاتقيهما مصر كشاهدة وشهيدة على هذه القضية منذ أن كانت مصر وكانت فلسطين وإيران منذ أن استعادت ذاتها وعادت إليها قبل 24 عاما من خلال ثورتها الإسلامية، ويعملان بجد واجتهاد من أجل حماية الأمن القومي الفلسطيني ككل وليس فقط حماية ومساندة الانتفاضة الفلسطينية ومنظمات التحرير والمقاومة والجهاد. وهو ما يعني ضرورة التشاور المكثف بين القاهرة وطهران للبحث عن سبل وآليات جديدة للنهوض بالحالة الفلسطينية العامة ونصرة القيادة الفلسطينية بسلطاتها الرسمية وفعالياتها الشعبية والمدنية إلى جانب تدعيم سواعد أبناء الانتفاضة المباركة وتقويتها.
سابعا: إن الحالة العراقية المأسوية وما ينتظر هذا القُطر العربي والمسلم الشقيق من احتمالات التعرض للعدوان والحرب وربما الغزو العسكري تجعل من الضروري بمكان أن يعمل الجانبان على ضرورة منع الحرب إن أمكن أولا وإن لم يتمكنا فبذل الجهد لمنع تعرض الشعب العراقي للويلات والكوارث من خلال نصرته ومساندته للخروج من المحنة بالسرعة الفائقة، واعتبار أمنه القومي ثالثا جزءا من الأمن الإقليمي المشترك، الذي يتطلب الدفاع عنه ما أمكن في إطار عمل إسلامي ـ عربي مشترك.
ثامنا: وأخيرا وليس آخرا اعتبار أن كل يوم يمر على بقاء العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين القاهرة وطهران إنما هو ضرر متزايد يلحق بالبلدين ولا يستفيد من استمرار هذه القطيعة في ظل الظروف الراهنة إلا إسرائيل، وبالتالي ينصح القائمون على هذه الندوة وطاولة الحوار المفتوحة أصحاب الشأن وصناع القرار في البلدين بالإقدام بسرعة أكبر باتجاه رفع المعوقات وإيجاد الآلية السريعة والسهلة التي من شأنها إعلان العودة إلى حال ما قبل القطيعة واعتبار ما مضى من اختلاقات أو اختلافات جزءا من الماضي الذي ينبغي إسدال الستار عليه دفاعا عن المصلحة المشتركة، من دون أن يعني ذلك فرض أحد منهما على الآخر رأيه أو تقديره للموقف بخصوص ما كان حدث سابقا وأن يحزما أمريهما باتجاه فتح صفحة جديدة تقبل فيها إيران مصر كما هي ومصر إيران كما هي والسلام
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 99 - الجمعة 13 ديسمبر 2002م الموافق 08 شوال 1423هـ