أشارت استطلاعات الرأي التي جرت حديثا في أوروبا وأميركا في مناسبة «الاعلان العالمي لحقوق الإنسان» إلى ان موجة كراهية الأجنبي والعداء للإسلام و«السامية» ارتفعت نسبتها. وتقول نتائج الاستطلاع إن النسبة ارتفعت بعد ضربة 11 سبتمبر/أيلول ووصلت في بعض المناطق إلى درجة خطيرة.
لم تقل الدراسة لماذا ارتفعت موجة الكراهية والعداء؟ وما هي أسبابها الفعلية؟ وكيف يمكن معالجة الظاهرة واحتواء عناصرها السلبية؟
استطلاعات الرأي عادة تعطي النتيجة ولا تتطرق إلى الأسباب والحلول، فهي مجرد مرآة تعكس اتجاهات ومشاعر الناس ولا تقدم الاقتراحات العملية التي تساعد الدول على تطويق التطرف وما يجره من احتمالات قد تكون مرعبة في حال استمر الوضع على ما هو عليه الآن.
التفسير الوحيد الذي قدمته الاستطلاعات، مقارنة بالعام الماضي، هو ربط موجة العداء بضربة 11 سبتمبر. إلا أن الربط الآلي بين الضربة والموجة لا يعطي صورة واضحة عن تفاصيل المشكلة. فالمشكلة تاريخية ومعقدة وأبعد من تاريخ 11 سبتمبر 2001، وهي سابقة على ذاك اليوم، وكانت الموجة أحيانا أعلى نسبة مما هي عليه الآن. الربط الآلي بين حدث وتداعياته لا يعطي فكرة حقيقية عن زوايا الصورة وعناصر تشكلها التاريخي - الثقافي. فالمسألة في جوهرها أبعد من زمن قريب وهي تنتمي في أصولها إلى فترات تاريخية موروثة لا صلة لها بالفضاءات التي أطلقتها ضربة 11 سبتمبر. مشاعر الكراهية موجودة وهي في معظم الحالات كامنة لا تخرج إلى العلن إلا لسبب واضح يعطي قوة لتلك المشاعر ويشحنها بمواد ملتهبة تعطي ذريعة للقوى العنصرية بالانطلاق مجددا نحو تأكيد وجهة نظرها والمجاهرة بها أمام الناس ومن دون خوف من القانون وعواقبه.
ضربة 11 سبتمبر هي ذريعة وليست سببا. الأسباب كثيرة وأهمها على الاطلاق هو دخول «الدولة» على خط العداء للأجنبي وقيام كبار المسئولين في الادارات والحكومات بإطلاق تصريحات عنصرية تحض على الكراهية وتعطي مبررات العداء للأجنبي وتحديدا المسلم و«السامي».
كلمة «السامي» ملتبسة فهي استخدمت تاريخيا كرمز (شيفرة) ضد اليهودي. إلا أنها في معناها العام باتت تعني كل ما هو غير أوروبي أو على الأقل كل ما هو مخالف للعادات والتقاليد والطقوس الأوروبية. فالسامي في معناها الشامل تعني ضمنا المختلف في الثقافة والدين واللون والاسم والحياة الاجتماعية والسلوك اليومي. فالسامية تاريخيا بدأت ضد الاقليات اليهودية في أوروبا إلا أن «السامية الجديدة» انتهت إلى مفهوم أشمل يضم أكثر من عرق ولغة وتقاليد.
الجديد في الموضوع ليس الموجة وانما دخول «الدولة» كطرف في المعادلة الخطيرة. في السابق وتحديدا في ما يسمى بـ «العالم الحر» كانت الدولة تلعب دور الكابح لتلك الموجات مستخدمة القانون لضبط عناصر الكراهية واحتواء مشاعر العداء. الآن، كما يبدو، اختلف الوضع، وباتت بعض «الدول» تلعب دور المحرض على الآخر بطريقة استفزازية القصد منها استثارة الهمم من أجل تعبئة الشارع لأسباب انتخابية (التصويت) أو تحضير الرأي العام لحروب ضد عدو خارجي ينتشر في الكثير من الدول البعيدة أو القريبة.
هذا التحريض خطير للغاية، لأنه يسهم في اطلاق وحش من «زنزانة القانون» ويعطيه السلاح والمبررات لعامل ظرفي (التصويت لطرف معين في الانتخابات) أو لهدف خارجي (التجييش من أجل معركة ضد الأجنبي في معظم أنحاء العالم)... إلا أن هذا الوحش لا عقل له ولا يتمتع بقدرة سياسية على التمييز بين الداخل والخارج وبين المؤقت والدائم وبين العدو والصديق. فالعدو عنده هو المختلف وليس المخالف والآخر القريب وليس البعيد. لذلك لا يستبعد اذا لم تتدارك ادارات الدول الأوروبية وأميركا الموقف وتعمل على ضبط لغة المسئولين فيها وإعادة استخدام القانون لاحتواء رعاع الشارع وقواه العنصرية الفاشية المتربصة والمنتظرة اللحظة التاريخية للانقضاض والانتقام من هزيمتها في الحرب العالمية الثانية... لا يستبعد أن تشهد مدن أوروبا موجة من الاضطرابات الداخلية (الأهلية) ليس ضد الأجنبي في الخارج وانما ضد «الغريب» في الداخل.
استطلاعات الرأي التي جرت حديثا هي كالمرآة تعكس مشاعر الناس إلا أن المسئول عن ضبط تلك الموجة أو اطلاقها هي ادارات الدولة. والدول كما يبدو مشغولة هذه الأيام في قهر الخارج بينما المشكلة في داخلها تكبر وترتفع موجتها
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 99 - الجمعة 13 ديسمبر 2002م الموافق 08 شوال 1423هـ