العدد 99 - الجمعة 13 ديسمبر 2002م الموافق 08 شوال 1423هـ

البرلمانيون بإمكانهم إعادة الثقة للناس

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

القانون يعبر عن ارادة، وهذه الإرادة يمكن أن تكون إرادة ملكية أو جمهورية أو شعبية أو دستورية، والأخيرة هي ما تنحو إليه مختلف دول العالم لأن العملية الدستورية تسعى إلى تقريب الاجماع الوطني في الشأن العام. فالدستور يؤطر الارادة المشتركة، وعلى هذا الأساس فإن المجتمعات تسعى إلى تأسيس ممارسة دستورية، وحتى لو كانت الممارسة غير مكتملة فإن وجود أي ترتيب أفضل من انعدامه. والدول التي عانت ثم أصلحت أوضاعها تطورت بسرعة، اذ ليس العيب في الاعتراف بوجود خطأ، إنما العيب في الاستمرار فيه.

البرلمانيون سيبدأون اجتماعاتهم اليوم مع افتتاح عظمة الملك للمجلس الوطني، والبرلمانيون مطالبون بإثبات قدراتهم والتأكيد على صدقيتهم كسلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية. وحريٌّ بهم أن يعاملوا أنفسهم باعتبارهم أعضاء في سلطة لها هيبتها واحترامها. فالذي يحترم نفسه يحترمه الآخرون، والمجلس الوطني بامكانه فرض احترامه على الحكومة والشعب والصحافة فيما لو مارس نشاطه كسلطة قائمة بذاتها، وليست كسلطة تابعة لارادة سلطة أخرى.

البرلمانيون بامكانهم تدشين نمط جديد من الممارسة الدستورية. واذا كان بعضهم لا يشعر بأنه يستحق المنصب الذي حصل عليه، فان ذلك لا يمنع أكثريتهم من اعتماد أرقى الأساليب الحضارية في إبراز وجه جديد وناصع للسياسة البحرينية. ولا يخفى على أحد ان انعقاد البرلمان يأتي في ظل تعقيدات كثيرة نمر بها حاليا. وتلك التعقيدات ارتبطت بموجة من الاحباطات النفسية التي عايشها المجتمع لأسباب مختلفة، وإذا أردنا أن تنعكس الموجة النفسية إلى شيء آخر أكثر ايجابية، فان البرلمانيين يقع على عاتقهم الشيء الكثير. فالمنتخب منهم عليه ممارسة دوره التمثيلي، والمعين منهم عليه اثبات أنه وصل إلى ذلك المنصب من أجل خبرته وأنه مستقل عن إرادة السلطة التنفيذية.

البرلمانيون هم «رأس الحربة» في هذه الفترة لأن البحرين تدشن مجلسها الوطني بعد غياب طويل. وإذا أثبتت الممارسة البرلمانية عمليتها وقدراتها فانها ستكون البداية الصحيحة لطرح التعديلات التي يطالب بها كثير من أبناء الشعب. فحتى برلمان 1973 أضاع كثيرا من الوقت في بداية عهده في التعرف على طرق العمل البرلماني وفي «المناوشات» وإثبات الذات، ولذلك لم يتمكن من سن سوى عدد محدود من القوانين (ربما لا يزيد عن ثلاثة قوانين).

وحاليا، فان أكثرية القوى السياسية، بما فيها الجمعيات التي قاطعت الانتخابات، تود رؤية عمل برلماني يخدم أهل البحرين ويعطي الصورة الحضارية اللائقة لبلادنا. ومن أجل ذلك فإن عضو البرلمان يجب أن يكون أنموذجا للدفاع عن المصالح العامة. ومفهوم المصالح العامة ووجوب حمايتها مفهوم أصيل في ثقافتنا الإسلامية، وكان المسلمون يتطارحونه ويعالجونه قبل أن تتوصل الدول الغربية لوسائلها الحديثة بعد مئات السنين. فالامام مالك بن أنس كان من الأوائل الذين نظروا إلى مفهوم «المصالح المرسلة». ومصطلح المصالح المرسلة هو ذاته المفهوم السياسي المعاصر «المصالح العامة». ومعالجة المصالح المرسلة (العامة) تتطلب أناسا فاهمين وبعيدين عن الأنانية (المصالح الخاصة). فالذي يتقدم الصفوف من أجل مصالحه الخاصة إنما يدمر بذلك المصالح العامة ويدمر نفسه في النهاية.

ومن أهم مميزات المدافع عن «المصالح العامة» هي عدم اخضاع الفرد نفسه لضغوط مالية أو غيرها. فالشخص الذي تنهال عليه المديونيات من كل مكان والهارب من التزاماته الفردية تجاه الآخرين، كيف سيتمكن من الدفاع عن المصالح العامة؟ ولذلك فإن كل برلماني عليه ان يستعد للقبول بمحاسبة الناس له، لكي يتمكن هو أيضا من محاسبة الحكومة. فالذي يطرح نفسه لمنصب مهم يتعلق بالشأن العام عليه أن يتوقع ويقبل المساءلات من الناس ومن الصحافة عن تصرفاته وسلوكه وأفكاره وآرائه وبرامجه. «ففاقد الشيء لا يعطيه» والذي لا يسمح لأحد بمحاسبته ليس له الحق أن يحاسب غيره. فوق كل ذلك، فإن البرلماني عليه أن يتسم بالشفافية التي يطالب الحكومة بها. والشفافية تعني أن المواطن يستطيع الاطلاع على الأسباب التي دعته (البرلماني) لاتخاذ موقف معين، وان المواطن يستطيع الحصول على معلومات كافية عمّا يقوم به.

ونحن في الصحافة سندعم العمل البرلماني انطلاقا من مسئولياتنا الاجتماعية والمهنية، فالصحافة سلطة رابعة تمثل الرأي العام وتطرح ما يدور في المجتمع - ان شاء الله - باخلاص ومسئولية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 99 - الجمعة 13 ديسمبر 2002م الموافق 08 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً