العدد 98 - الخميس 12 ديسمبر 2002م الموافق 07 شوال 1423هـ

برلمان 2002 تجربة سياسية أخرى

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

غدا سينعقد الاجتماع الأول للمجلس الوطني بغرفتيه، الشورى والنيابي، وبهذا تبدأ مرحلة سياسية أخرى في تاريخ البحرين. وبغض النظر عن ملاحظات هذا الفريق أو ذاك بشأن صلاحيات المجلس أو قدراته التشريعية والرقابية أو تغليب غير المنتخب على المنتخب، فإن المرحلة المقبلة بلا شك ستكون أكثر حيوية مما سبق.

المجتمعات الإنسانية جميعها تختلف عن حياة الغاب، لأن لديها قانونا ترجع إليه. والمجتمعات التي تحاول فرض القانون على الناس بدلا من الاعتماد على إرادتهم العامة تقترب من الغاب وتبتعد عن الإنسانية.

حكم القانون يعني فيما يعني وجود التزامات أساسية تربط بين أفراد المجتمع وتنظم معاملاتهم وعلاقاتهم بين بعضهم بعضا. والقانون يمكن أن يكون مثل قانون أمن الدولة يشوه الحياة ويحولها إلى تعاسة، ويمكن أن يكون مثل القوانين المنظمة للحياة العامة، بما يؤكد حقوق المواطنين وبما ينمي وضعهم الاقتصادي.

ويكمن خلف الترتيبات التنظيمية المعتمدة في البلدان المتقدمة اعتقاد بأن النهج الديمقراطي هو الأفضل لحياة بني البشر. وهذا يعني أن القانون يجب أن ينبع من الرأي العام، وأن السلطة التنفيذية يجب عليها عدم التدخل في عمل البرلمان بحيث تمنعه من القيام بدوره التشريعي والرقابي، والبرلمان نفسه لا يحق له أن يتصرف في الحقوق الأساسية للمجتمع. إذ لا يحق لأي برلمان (بما في ذلك البرلمان البريطاني أو الفرنسي) أن يسن قانونا يمنع حرية التعبير أو حرية التجمع بالتنظيم. لأن تلك الحقوق الأساسية هي المنبع الأساس لوجود البرلمان ذاته، ولو صدرت قوانين تمنع حرية التعبير أو حرية الصحافة أو حرية الاجتماع فإن ذلك يعني القضاء على الهدف والغاية التي وُجد من أجلها البرلمان، ذلك الهدف المتمثل في عكس وجهة نظر المجتمع والتعبير عن الرأي العام وترجمة ذلك في قوانين وتشريعات على مختلف الأصعدة.

تباعا لذلك، فإن ما ينقصنا في تاريخ البحرين ليس القوانين، ولكن ما ينقصنا هو القوانين المستمدة بصورة واضحة من الإرادة الشعبية. فالبحرين من أولى الدول في المنطقة التي اعتمدت القوانين، ولكن تلك القوانين كلها صدرت بمراسيم ولم تصدر عبر عملية تشريعية. حتى برلمان 1973 لم يُصدر سوى عدة قوانين معدودة على أصابع اليد الواحدة، بل أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، قبل أن يتم حله في 1975.

وهكذا وصلنا إلى العام 2002 محملين بمراسيم قوانين تشمل جوانب الحياة المختلفة، وهذه المراسيم جميعها ستصبح قوانين من دون أن تمرر على عملية تشريعية (بحسب ما تم تشريعه في الدستور الجديد).

دستور 2002 يعطي الصلاحية للبرلمان بأن يعدل أي قانون، ولكن المجلس الوطني أمامه عقبات كثيرة، بينها العدد الهائل من تلك القوانين التي لا يمكن لأي مجلس حديث العهد الدخول فيها ومناقشتها وتعديلها. في الوقت ذاته، إننا لا نأمل أن يتحول برلمان البحرين إلى مجلس للصراخ أو عرقلة البرامج التنموية أو خلق حال من التعقيد الذي يدفع الناس إلى اليأس من العمل البرلماني.

ولعل الخدمة الكبيرة التي يستطيع أعضاء البرلمان تقديمها إلى الشعب هي إثبات قدراتهم على تحديد الأولويات التي يهتم بها شعب البحرين، ومن ثم مراجعة وتعديل وإصدار قوانين مستمدة من الرأي العام البحريني. فلقد طال الحديث كثيرا عن وجوب الاستماع إلى مطالب الشعب، وأية ممارسة لا تبعث الأمل في الناس بأن مطالبهم سيتم الأخذ بها، بل وإبرازها بصورة واضحة ضمن تشريعات عملية (وليست تعجيزية)، لن تكون في خدمة الهدف الأساسي الذي استدعى وجود الهيئات التشريعية والرقابية.

وإذا كانت العقود الماضية هي فترة المراسيم الصادرة عن القيادة السياسية ومجلس الوزراء، فأملنا أن يكون العقد الجاري فترة القوانين الصادرة عن مؤسسة تحمل في طياها إرادة شعبية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 98 - الخميس 12 ديسمبر 2002م الموافق 07 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً