العدد 97 - الأربعاء 11 ديسمبر 2002م الموافق 06 شوال 1423هـ

العجز الإسرائيلي عن حسم الأوضاع يؤدي إلى إنضاج التسوية السياسية آجلا أم عاجلا

خليل تقي comments [at] alwasatnews.com

عند كل مفصل سياسي في المنطقة من الطبيعي أن يتحول الموقف العربي السوري إلى عنوان للمرحلة، ومادة للنقاش، وهذا اقرار مرة جديدة بموقع سورية العربي في المعادلات الاقليمية والدولية في ظل عودة السؤال المطروح منذ حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973 التحريرية المجيدة إلى الواجهة الآن، وعنوانه هل نضجت ظروف التسوية على أساس الموقف العربي السوري القائم على العودة إلى ما وراء خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967 على الجبهات الثلاث؟ والجواب أن بعض هذه المؤشرات عبر القراءة الواقعية يجزم، وبحسب مصادر سياسية متابعة، بقرب الوصول إلى هذه المعادلة في ظل المأزق الإسرائيلي الكبير الذي تتخبط به هذه الدولة عبر فشل جميع اجراءاتها لوقف الانتفاضة الفلسطينية وما تخلفه من نزف متواصل داخل الدولة العبرية عبر الانقسامات في كل مفاصل الحياة والمؤسسات الحكومية والعسكرية والشعبية، ووضع اقتصادي ولا أسوأ منذ قيام «إسرائيل» في العام 48 أدى إلى ضرب القطاع السياحي وتراجع فرص العمل واقفال المدارس والجامعات، وجيش مستنفر ليلا نهارا، وفي ظل هذه الأجواء لا يمكن لأية دولة أو مجتمع الاستمرار، لاسيما أن «إسرائيل» فقدت كل المحاولات لاستعادة زمام المبادرة وتحريك بوصلة الحوادث بحسب ما تشتهيه سفنها، وبات هذا الأمر مستحيلا في ظل معادلة (توازن الرعب) التي تحققت في الجنوب اللبناني، وامتدت إلى فلسطين العربية المحتلة، وها هي التجربة اللبنانية تفرض نفسها داخل الكيان الصهيوني. فالعملية الإسرائيلية يقابلها رد فلسطيني على الفور، ومهما كان حجم الاجتياح الإسرائيلي ودماره فإن الرد الفلسطيني يكون قاسيا وموجعا.

وفي ظل هذه المعادلة الجديدة تقول مصادر متابعة للأوضاع إن «إسرائيل» باتت اليوم أمام خمسة احتمالات للخروج من هذا المأزق:

الأول: القيام بعملية تهجير واسعة للفلسطينيين من مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ تؤدي هذا العملية إلى انهاء الوجود الفلسطيني بشكل كلي وتام، وانهاء أي وجود اجتماعي، وهذا التهجير من الممكن ان يكون إلى شرقي نهر الأردن أو العراق بعد ضربه من قبل الولايات المتحدة، في ظل حديث واشنطن وتل ابيب المتكرر عن توطين الفلسطينيين في شمال العراق.

الثاني: العودة إلى أسلوب المواجهة الشاملة، أي الحرب الشاملة على الجبهتين السورية واللبنانية، تؤدي إلى تغيير في موازين القوى.

الثالث: استمرار الواقع الحالي من دون تغيير في المواقف سيؤدي في النهاية إلى قبول الفلسطينيين بالأمر الواقع، وسكوت العرب عن ذلك.

الرابع: فرض تسوية على العرب والفلسطينيين تدفعهم التطورات على الأرض إلى القبول بها مثل أوسلو.

الخامس: القبول بالتسوية القائمة على أساس الانسحاب إلى ما وراء خطوط الخامس من يونيو 1967.

وتردد المصادر القول ان القيام بعملية تهجير واسعة للفلسطينيين هو من رابع المستحيلات، وأية محاولة اسرائيلية للنجاح يلزمها القضاء على ثلثي الشعب العربي الفلسطيني الذي دمرت قراه وممتلكاته ومزروعاته، وبقي صامدا في أرضه، ولن يكرر الشعب العربي الفلسطيني تجربة العام 1948، وبالتالي فإن أية عملية من هذا النوع لا تستطيع أية دولة تحمل نتائجها، أما العودة إلى أسلوب الحرب الشاملة فيعترف جميع قادة «اسرائيل» بأن هذا الأسلوب نتائجه محدودة، وستنقلب الصورة بعد أشهر جحيما على «اسرائيل»، وهذا ما حصل في العام 1967 إذ انهزمت «اسرائيل» بعد ذلك في السادس من اكتوبر 1973 وتراجعت عن سيناء، كما ان التجربة النضالية اللبنانية اسقطت نهائيا هذا الاسلوب، فأية مواجهة شاملة ستكون خسائرها كارثية على «اسرائيل» أيضا، فيما استمرار الواقع الحالي لا قدرة للاسرائيليين على تحمله في ظل ما خلفه في المجتمع الاسرائيلي، وكذلك ان فرض التسويات غير العادلة على العرب والفلسطينيين قد سقطت جميعها من «أوسلو» إلى «وادي عربة».

خيار التسوية العادلة يبقى الطريق الوحيد

وتؤكد المصادر المتابعة انه في هذه الحال لا خيار أمام «اسرائيل» إلا القبول بالتسوية القائمة على مبدأ (الأرض مقابل السلام)، أي العودة إلى ما وراء خطوط الرابع من يونيو 1967، على كل الجبهات، وإلا فإن الاشتباك المتواصل واليومي مع قوى الانتفاضة في فلسطين العربية المحتلة، والتوتر الدائم في جنوب لبنان، مع تنامي قوة سورية العربية العسكرية، سيؤدي إلى المزيد من الخسائر، وبالتالي سيطرح قضية وجود «اسرائيل» باعتبارها دولة على المحك، وما عليها في هذه الحال إلا التفتيش عن التسوية التي يرضى بها العرب.

وها هو «شمعون بيريز» يعترف بأن «اسرائيل» أخطأت عندما أوقفت المفاوضات مع الفلسطينيين، فيما الجنرال السفاح «آرييل شارون» الذي جاء إلى قمة السلطة في الدولة العبرية على أساس (أعطوني فرصة 100 يوم فقط للقضاء على الانتفاضة)، يقول إنه من دون قيام دولة فلسطينية فلا يمكن لـ «اسرائيل» أن تحفظ حدودها، فرئيس الحكومة الذي جاء إلى الحكم على أساس برنامجه الارهابي المتطرف تقدم على أساس هذه الكلمات بـ 20 نقطة على غريمه بنيامين نتنياهو الداعي إلى ترحيل رئيس السلطة الفلسطينية والقضاء على السلطة الفلسطينية نفسها.

وتؤكد المصادر السياسية المتابعة أن ما يحصل داخل المناطق الفلسطينية المحتلة من عجز اسرائيلي على حسم الأوضاع سيدفع إلى انضاج التسوية عاجلا أم آجلا.

ولكن يبقى السؤال، هل نضج مشروع التسوية لدى المسئولين الاميركيين بعد توازن الرعب داخل «اسرائيل»، لاسيما أن الولايات المتحدة الاميركية غضت النظر كليا عن جرائم شارون وسمحت له بممارسة القتل والابادة بحق الشعب العربي الفلسطيني على هواه، وتراجعت عن كل التزاماتها للدول العربية، وبالتالي لم يتغير الواقع على الأرض مطلقا، إذ ان الشعب العربي الفلسطيني في كامل مخزونه النضالي عبر الرد بعمليات موجعة وصمود في الأرض، فهل سيدفع هذا الوضع الادارة الاميركية إلى التعاطي مع قضية الشرق الأوسط، وتحديدا الصراع العربي - الصهيوني، بنمط جديد مغاير عن المرحلة الماضية، وهل ستكون (خريطة الطريق) مخرجا اميركيا - أوروبيا لتسوية شرق أوسطية تنقذ «اسرائيل» من مأزقها الحالي عبر قرارات دولية تحمي حدودها ووجودها وتخرجها من عنق الزجاجة، إذ تقول المصادر إن المسئولين الاميركيين والأوروبيين هم بانتظار نتائج الانتخابات المقبلة في «اسرائيل» التي ستحدد موقف الرأي العام الاسرائيلي اذا كان ميالا إلى التسوية مع العرب، لأن الشارع الاسرائيلي قتل «اسحق رابين» عندما قبل التسوية مع العرب وقدم التنازلات، وبالتالي فإن نتيجة الانتخابات ستحدد مسار (خريطة الطريق) وما اذا كان الرأي العام نضج لقبول التسوية مع العرب في ظل الظروف والمتغيرات التي فرضتها الانتفاضة الفلسطينية ومعادلة جنوب لبنان، وبالتالي هل أحدثت هذه التطورات تغييرا في مزاج الرأي العام الاسرائيلي للقبول بالتسوية والتعامل مع الواقع الجديد، أم أن الامور بحاجة إلى مواجهات جديدة لاظهار المخرج؟.

كل هذه الاسئلة متروك الاجابة عنها للأشهر المقبلة وما ستحمله الفترة الزمنية حتى موعد الاستحقاق الانتخابي في «اسرائيل»، لكن الصورة تشير إلى أن المأزق الحالي اسرائيلي بامتياز نتيجة التفكك في «اسرائيل» تقابله وحدة وطنية فلسطينية، وصمود فلسطيني، وعمليات مستمرة، ومقاومة جاهزة للرد على أي اعتداء في جنوب لبنان، وموقف عربي سوري ثابت وحاسم بدعم الانتفاضة الفلسطينية الباسلة، وهذا ما تجلى مجددا في الرد الأخير على الدعوات الاميركية إلى إقفال مكاتب (الجهاد الاسلامي) في دمشق، واعتبار سورية العربية هذا الامر شأنا سياديا وقضية سورية داخلية لا تقبل حتى مجرد النقاش فيها، وهذا الأمر من الثوابت الوطنية، لاسيما أن هذه التحولات الاستراتيجية في الصراع العربي - الصهيوني هي ثمرة من ثمار استراتيجية الرئيس الراحل حافظ الأسد ضد «اسرائيل» في لبنان، وقوى الأطلسي في بيروت، وما استتبعهما من وقف للحرب الأهلية وتحرير الجنوب ودعم الانتفاضة، يقابلها استقرار نموذحي داخلي لبناني على الصعد كافة

العدد 97 - الأربعاء 11 ديسمبر 2002م الموافق 06 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً