تؤكد الأوساط الاعلامية في كل دول المنطقة والعالم انه ليس من المبالغة في شيء القول اننا نعبر ابتداء من اليوم مرحلة جديدة مثقلة بالغموض والتوقعات والاحتمالات المفتوحة على كل شيء ان باتجاه الحرب ام باتجاه السلام ام المراوحة بين حال اللاحرب واللاسلم. والاخيرة هي الاخطر والاكثر استنزافا وارباكا لمختلف الاطراف وفي مقدمتها الاطراف العربية سواء في المسألة العراقية التي تأخذ منذ الآن ابعادا مختلفة بعد ان سلم العراق تقريره عن اسلحة الدمار الشامل أم في المسألة الفلسطينية التي ترتهن للأجندة الاسرائيلية.
ويمكن القول وبصرف النظر عن محتوى التقرير العراقي ودرجة قبوله دوليا (مجلس الأمن) او اميركيا (ادارة الرئيس بوش)، فان مجرد التزام العراق بالتاريخ المحدد اعطى مؤشرا على تعاطي حكومة بغداد العملي مع بنود القرار 1441 معطوفا على ذلك مرور اكثر من اسبوع على بدء عمليات التفتيش الدولية التي حظيت (حتى الآن) باستحسان ورضى وعبارات دبلوماسية قابلة للتأويل عبر عنها هانس بليكس ومحمد البرادعي وكوفي عنان.
ونرصد هنا ردود الفعل الأولية، الاميركية والمنظمة الدولية. التي توحي بأن شيئا انقلابيا لم يحدث في المشهد المشحون، إذ تؤكد الدلائل ان مسألة الحرب هي مسألة وقت وعلى رغم التجاذب السياسي والاعلامي والتصريحات الاستفزازية المتبادلة بين واشنطن وبغداد، وهما الاكثر حضورا في السباق الراهن.. فان احدا منهما لم يبد حتى اللحظة تراجعا عن مواقفه وخصوصا ازاء محتويات التقرير العراقي الضخم الذي يتوافر على اكثر من اثنتي عشرة ألف صفحة فولسكاب ناهيك عن الاقراص المدمجة ذات السعة الضخمة من (المعلومات التي تدل على خبايا برنامج التسلح العراقي)، يأتي وفق تصور مسبق من قبل بغداد التي قالت مجددا (في التقرير) ان لا اسلحة دمار شامل لديها وزادت انها اضافت جديدا عن الاسلحة ذات الاستخدامات المشتركة بمعنى (مدني وعسكري) وحكم مسبق ايضا من قبل واشنطن التي قالت ان العراق يتحمل مسئولية كاملة اذا ما حاول اخفاء برامجه واسلحته ذات الدمار الشامل (وهي تفترض مسبقا ان لدى بغداد الكثير منها)، ما يعني ان قول العراق ان على واشنطن ان تعلن حجم ومكان الاسلحة العراقية المزعومة لن يؤثر كثيرا في موقف ادارة الرئيس بوش التي تقول ان اثبات ذلك هو مسئولية النظام العراقي وهي عبارة كان قالها هانس بليكس في مجلس الامن (ما أثار استغراب الكثيرين) ثم لم يعد الى ترديدها مرة ثانية في صمت بدا وكأنه اعتذار عن هفوة لم يقصدها لانها لا تدخل في صميم مهمته أصلا.
وفي انتظار تطورات «الموقف العراقي» الجديد على الصعيدين الاميركي والدولي وما قد تحمله الايام الوشيكة من مواقف واستحقاقات تبدو المسألة الفلسطينية وكأنها قد دخلت نفقا مظلما جديدا بعد ان تداخل السياسي بالعسكري (اسرائيليا) وغدا كل شيء وقودا للحملة الانتخابية بين حزب الليكود بزعامة الجنرال ارييل شارون وحزب العمل بزعامة الجنرال المتقاعد عميرام ميتسناع وخصوصا ان الضجة التي اثارها مندوب اسرائيل لدى الامم المتحدة يهودا لانكري عن قبول «اسرائيل» بمبدأ قيام دولة فلسطينية مستقلة لم تهدأ بعد ما زاد من حرارة التنافس بين الحزبين ورفع من وتيرة المزايدة بين اركان حكومة شارون وتحديدا لدى الاخير (شارون) الذي قال ان السفير لانكري لم ينسق معه في هذا الموقف ولدى وزير خارجيته بنيامين نتنياهو الذي قال انه سيدرس التصريح ويحدد موقفه منه. وإن كان (نتنياهو) رفض مطلقا هذا الخيار ، ما دفع شارون الى اعادة تقديم مشروعه الذي كان عرضه عندما تولى رئاسة الحكومة قبل عامين تقريبا ومؤداه انه يقترح اقامة دولة فلسطينية على 43 من مجمل مساحة الضفة والقطاع منزوعة السلاح وبتواجد عسكري اسرائيلي في الاغوار وهيمنة مطلقة على الاجواء الفلسطينية - والمياه الجوفية والغاء حق العودة.
وتقول صحيفة «الرأي» الاردنية في تقرير موسع نشرته عقب تقديم العراق تقريرها عن برنامج التسلح وايضا عقب حوادث كثيرة اقليمية جرى تسارعها الاعلامي خلال اجازة عيد الفطر: واذ حاولت اسرائيل (مع زيادة التسخين على الجبهة العراقية) تهيئة الاجواء لحملة اعلامية جديدة تقوم على وجود «مؤكد» (...) لعناصر من «تنظيم القاعدة» في غزة وجنوب لبنان بكل ما يمثل هذا «الوجود» من استفزاز للادارة الاميركية وحربها المستمرة على الارهاب وتاليا احتمال منح الضوء الاخضر لشارون كي يكمل مشروعه العسكري المدمر الذي بدأه في عدوانه الذي بدأ في 29 مارس/ آذار الماضي، فإن المسألة تبدو وكأن المنطقة مقبلة على حرب شاملة ستطول «بؤر» المنطقة الساخنة في سعي لايجاد خرائط جديدة وتحالفات واصطفافات ملائمة لما تم تسريبه من سيناريوهات عن اقامة أنظمة ديمقراطية في المنطقة العربية ومقاربة حل نهائي للمسألة الفلسطينية واقامة حكومة عسكرية في بغداد بزعامة جنرال اميركي ناهيك عما يمكن ان يطول الجوار العراقي من تطورات (سلبية او ايجابية) إن باتجاه طهران التي تقول انها ستقف على الحياد الايجابي او انقرة التي مازالت تخشى قيام دولة كردية مستقلة على رغم وصول حزب العدالة والتنمية (الاسلامي التوجه) إلى السلطة.
الايام المقبلة ستكون حاسمة بلا شك وخصوصا ما يتعلق بالعراق او المسألة الفلسطينية فهي رهينة الايقاع الاسرائيلي عسكريا وسياسيا بعد ان تم تأجيل العمل (بخريطة الطريق) وقبلت واشنطن منطق شارون الذي يقول ان حكومته انتقالية لا تستطيع اتخاذ قرارات مصيرية، ما يعني ان العنف وسفك الدماء واستمرار الحصار والتجويع والاغتيالات والاستيطان والعقوبات الجماعية ستبقى مفروضة على شعب فلسطين بانتظار 28 يناير/ كانون الثاني المقبل هذا اذا لم تحدث قبل ذلك تطورات عاصفة ليس بمقدور احد التكهن بنتائجها
العدد 97 - الأربعاء 11 ديسمبر 2002م الموافق 06 شوال 1423هـ