العدد 97 - الأربعاء 11 ديسمبر 2002م الموافق 06 شوال 1423هـ

يجب أن نمارس السياسة بعيدا عن الطائفية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

يطرح البعض ـ وهم محقون ـ أن استخدام مصطلحات معينة لوصف انتماء عضو معين أو جمعية معينة على أساس طائفي (مثل أعضاء المجلس النيابي الشيعة، أو الجمعية السياسية الشيعية) من شأنه تشويه الصورة السياسية من خلال صبغها طائفيا في ممارساتها جميعها. والمشكلة التي تواجه المحلل والمراقب السياسي هي قدرته على إيصال الخبر بواقعية ومن دون التباس أو تلبيس، ولكن الواقع حاليا يتحرك على أرضية تتسم بالطائفية لأسباب ربما تكون موضوعية. وهذا التحرك، على رغم أننا لا نوافق عليه، تصاب به كثير من المجتمعات، وبعضها يستطيع الخروج منه بعد فترة، والبعض الآخر لا يستطيع ذلك. فالكويت، البلد الذي يتقدم علينا في تجربته البرلمانية، مازالت المعادلات الانتخابية والتصويت داخل المجلس يتم على أساس تكتل مذهبي في كثير من الاحيان. وفي المملكة المتحدة أيضا نجد أن إقليم إيرلندا الشمالية مازالت شئونه السياسية تسير على أساس طائفي، على رغم اختفاء الطائفية السياسية من المناطق الأخرى.

والمرء أثناء إدارة شئونه العامة يشعر بالحاجة إلى الانتماء، والاعتماد على ذلك الانتماء في الأمور الشديدة والحرجة. ولذلك يضطر المرء في المجتمعات التقليدية إلى اللجوء إلى عائلته/ قبيلته أو إلى طائفته للحصول على الدعم والأمن الاجتماعيين أثناء إدارة العمل السياسي والاجتماعي. أما المجتمعات المتطورة فيمكن للمرء أن يلجأ فيها إلى التجمعات القائمة على الالتقاء الفكري أو المهني.

مجتمعات أخرى لا ترى عيبا في الاعتراف بالواقع بل وتقنينه أيضا. وفي بعض الأحيان يكون التقنين قبيحا (كما هو الحال في لبنان) ولكنه يخلق توازنا مجتمعيا على أساس دستوري. والاعتراف بالتقسيمات الطائفية أو الإثنية أو اللغوية له تجاربه الناجحة وتجاربه الفاشلة. ففي بلجيكا يعترف النظام بوجود كيانين مختلفين على أساس لغوي، فالجنوب له برلمانه وله صلاحياته المختلفة عن الشمال، ذلك لأن بلجيكيي الجنوب يتحدثون الفرنسية، بينما يتحدث أهل الشمال لغة قريبة من اللغة الهولندية. والكيانان يجمعهما نظام فيدرالي ملكي، وكل فئة راضية عن صلاحياتها وعن خصوصيتها.

غير أننا في البحرين شعب تجمعنا ثقافة واحدة على رغم تعددنا الإثني والمذهبي. وهذا ما ينبغي أن نسعى إليه جميعا، فالأمل يحدونا بأن تتكتل الجمعيات السياسية في يوم ما على أساس فكري وليس على أساس طائفي. غير أن الواقع يقول إن السياسة داخل الحكومة وداخل المجتمع لازالت تتحرك في كثير من جوانبها على أساس مذهبي، ولا يمكن أن يقف المرء موقف المنظِّر البعيد عن الواقع ويتحدث عن تطورات الحدث السياسي الذي تحركه عوامل مذهبية واضحة وكأنه يتحدث عن بلد آخر.

إن مسئوليتنا الوطنية تستدعي منا إعادة النظر في كثير من المصطلحات التي نطلقها وألا نتورط في تغليف الواقع. فلو ذهب أجنبي إلى لبنان وهو لا يعلم ما هو لبنان فسيعتقد أن كل شيء يسير على أسس لبنانية فقط. فعندما تقرأ اسم حركة «أمل» ودستورها فإنك تقرأ «حركة أفواج المقاومة اللبنانية»، وعندما تذهب إلى «الكتائب» تقرأ «الكتائب اللبنانية»، وعندما تذهب إلى الدروز تقرأ اسما يتحدث عن الاشتراكية والتقدمية. إلا أن الواقع هو أن «أمل» أو «حزب الله» لا ينتمي إليهما إلا الشيعة، و«الحزب التقدمي الاشتراكي» لا ينتمي إليه إلا الدروز، و«الكتائب» لا ينتمي إليها إلا الموارنة، على رغم أن كل هذه الأحزاب لا تحمل اسما طائفيا من الناحية الرسمية.

ولذلك فإن عملية التصحيح لا تتم بتغليف الواقع وإنما بالإشارة إليه ولو بصورة مخففة ومن ثم الدعوة إلى تغييره. والتغيير لابد أن يشمل الحكومة والمجتمع على المستويات كافة، بحيث يصبح جميع المواطنين أبناء البحرين من دون تفريق أمام القانون ولا يقدمهم أو يؤخرهم في الحياة شيء سوى كفاءتهم فيما يمارسونه من دور.

ومن خلال ذلك يمكننا إنشاء جمعيات سياسية لها أنصارها في المناطق المختلفة بغض النظر عن الانتماء المذهبي، وحينها سيكون عدم إشارتنا إلى الانتماء المذهبي أمر له واقع يصدقه الناس

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 97 - الأربعاء 11 ديسمبر 2002م الموافق 06 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً