العدد 96 - الثلثاء 10 ديسمبر 2002م الموافق 05 شوال 1423هـ

منذ العهد البريطاني إلى الصراع الهندي ـ الباكستاني

قصة كشمير

علي العبدالله comments [at] alwasatnews.com

.

مازالت كشمير، بعد مرور أكثر من نصف قرن على تقسيم شبه القارة الهندية على أساس ديني، مركز صراع بين أطراف وخيارات كثيرة، فالهند تعتبرها شأنا هنديا داخليا، وترفض التفاوض مع باكستان بشأنها وترفض تدخل أطراف خارجية في حل الخلاف حولها. وباكستان تطالب بتطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صدر في يناير/ كانون الثاني 1949 وقضى بإجراء استفتاء يحدد فيه شعب جامو وكشمير مصيره إما بالانضمام إلى الهند وإما إلى الباكستان وإما بالاستقلال عنهما، والسعي، عبر استثمار العامل الديني ودعم المقاومة الكشميرية، سياسيا وإعلاميا، للتأثير على خيار الكشميريين حتى يكون خيارهم الانضمام إليها. أما شعب جامو وكشمير فمنقسم على نفسه إلى تيار يرى، لاعتبارات دينية محضة، الانضمام إلى باكستان، وآخر يرى ضرورة الاستقلال عن الهند والباكستان وإقامة دولة مستقلة على كل أرض جامو وكشمير، بما فيها كشمير الحرة التي ألحقتها باكستان بأراضيها العام 1949، تقف على الحياد وعلى مسافة واحدة من البلدين الجارين اللدودين.

تعود جذور قضية كشمير إلى القرن التاسع عشر حينما اشترى أحد المهراجات الهندوس حق إدارة ولايتي جامو وكشمير من شركة الهند الشرقية البريطانية بمليون ونصف المليون دولار، بأسعار العام 1846، وقد قوبلت الصفقة، في حينها، بالسخط والاحتجاج في الولايتين اللتين تقترب نسبة المسلمين فيهما من أربعة أخماس السكان.

وقد طالب سكان الولايتين عند تقسيم شبه القارة الهندية العام 1947، بالانضمام إلى باكستان وقامت ثورة شعبية دعمها مقاتلون من قبائل «الباتان» الباكستانية ففر المهراجا (السير/ لقب منحته له بريطانيا) هاري سنغ إلى الهند التي أرسلت قوات كبيرة لاستعادة المنطقة، وقد استمر القتال بين الجانبين من العام 1947 إلى العام 1949 إذ أصدر مجلس الأمن قرارا طالب فيه الجانبين بوقف إطلاق النار، وتلا ذلك اتخاذ الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بإجراء استفتاء بين سكان الولايتين لتقرير المصير الذي يختارونه.

أسفرت الحرب عن احتلال الهند لما نسبته 63 في المئة من مساحة الولايتين البالغة 223 ألف كيلومتر مربع، حيث يعيش أربعة أخماس السكان، وبقيت نسبة 37 في المئة من مساحتيهما تحت سيطرة باكستان التي أطلقت عليها اسم كشمير الحرة، وقد أعلنت الهند ضم ما تحت يدها من أراضي الولايتين العام 1957، تحت اسم ولاية جامو وكشمير ومنحتها قدرا محدودا من الاستقلالية في إطار حكم ذاتي، وعملت، في الوقت نفسه، على تغيير تركيبتها السكانية بتوطين أعداد متزايدة من الهندوس جلبتهم من مختلف الولايات الهندية، وفاق عددهم في الولاية المليون نسمة، بينما عدد سكان المسلمين 9 ملايين. وقد قامت الصين بالاستيلاء على جزء من أراضي الولايتين (منطقة لاداغ المحاذية للأراضي الصينية، مساحتها 38 ألف كيلومتر مربع، وضمتها إليها تحت اسم اكساي شين)، وقد سلّمت الهند بذلك، وخططت الحدود مع الصين العام 1963 على هذا الأساس، وصمتت باكستان، لاعتبارات سياسية، فالصين حليف استراتيجي لها في المنطقة.

اضطرت باكستان بعد هزيمتها الثالثة أمام الهند العام 1971 (كانت الهزيمتان الأولى 1949 والثانية 1965 من أجل كشمير) وخسارتها لباكستان الشرقية (بنغلاديش الحالية) إلى عقد اتفاق «سيملا» الذي نظم العلاقة بينها وبين الهند وسبل حل الخلافات بينهما، والذي نص على اتباع الطرق السلمية واستبعاد أية وساطة خارجية أو دور للمنظمات الدولية. وقد اتخذت الهند هذا البند ذريعة لرفض أية محاولة لتدويل النزاع يمكن أن تقوم بها باكستان وهذا ترك تحديد مصير كشمير بيد الهند وحدها.

كان وقف إطلاق النار (يناير 1949) ترتيبا مؤقتا حتى إجراء استفتاء يحدد فيه شعب جامو وكشمير مصيره بيده، لكن الهند نجحت في استثمار الظروف الدولية، وحولته إلى وقف دائم.

حولت الهند وباكستان قضية كشمير إلى قضية وطنية من الدرجة الأولى واستخدمتها الحكومات، في البلدين، لتدعيم أوضاعها السياسية في الداخل، ما جعل إقدام أي منهما على تقديم تنازل بشأنها في غاية الصعوبة. وقد قاد وصول حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف إلى السلطة في الهند، وهو الذي كان يطالب بإلغاء الوضع الخاص لولاية جامو وكشمير المنصوص عليه في الدستور الهندي ومعاملتها كولاية هندية عادية، إلى تسخين الملف من جديد، كما أخذت القضية، بعد دخول البلدين النادي النووي، أبعادا أكثر خطورة، وليصبح الصراع من أجل كشمير صراعا يتجاوز، ليس فقط حدود مصالح البلدين، بل ويتجاوز الإطار الإقليمي ويرتبط بالسلام والأمن الدوليين، وخصوصا أن كشمير تقع على تخوم دولة نووية أخرى هي الصين، التي تقيم تحالفا مع باكستان وعلاقتها بالهند ليست على ما يرام، وفي ظل تحرك أميركي لاحتواء الصين باستخدام الهند، ناهيك عن القوى السياسية في جامو وكشمير التي ترفض، في معظمها، عقد اتفاق هندي ـ باكستاني بشأن قضيتهم في غيابهم، وقد سبق لهذه القوى إعلان اعتراضها على اتفاق لاهور الذي وقّع بين البلدين في فبراير/ شباط 1999، وتصر على عدم التفريط في حق تقرير المصير الذي ضمنته لها قرارات الأمم المتحدة، والذي ناضلت ولاتزال من أجل ممارسته طيلة الـ 54 عاما الماضية.

إن نجاح الهند في استثمار مناخ ما بعد (11/9/2001)، وإقامة تحالف متين مع الولايات المتحدة وإسرائيل، واستغلال هجمات الكشميريين على البرلمان الهندي وبرلمان ولاية جامو وكشمير، وفّر لها فرصة الضغط، تحت تهديد السلاح، على باكستان وأجبرتها على تقديم تنازلات سياسية بشأن كشمير (منع القوى الكشميرية والباكستانية المؤيدة لها من العمل من أراضي باكستان، حل عدد من التنظيمات ومصادرة أموالها... إلخ).

قاد هذا النجاح الهندي إلى نتائج متناقضة، فقد أنهى القوى الكشميرية والباكستانية التي شكلتها المخابرات العسكرية الباكستانية مثل «عسكر طيبة» و«حركة المجاهدين» التي شقتها المخابرات العسكرية الباكستانية عن جبهة تحرير جامو وكشمير. وتقلص الدور الباكستاني في الشأن الكشميري وخفف التوتر بين البلدين، ولكنه وضع الهند في مواجهة القوى الكشميرية المحلية التي تطالب بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة كمقدمة لإقامة دولة مستقلة، مثل حركة تحرير جامو وكشمير الإسلامية (تأسست العام 1977)، وحزب الشعب القومي، وحركة بنات الإسلام (حركة نسائية صرفة تحرّض على العصيان المدني وسيلة لتحقيق الاستقلال) بعد أن تحررت من الضغوط الباكستانية التي حدت من حريتها في الحركة، لاعتبارات باكستانية، من أجل قضيتها، وبعد أن تخلصت من التستر الهندي وراء اعتبارها منظمات تابعة لباكستان لتلافي الضغوط الدولية للتفاهم معها. إنها منظمات مستقلة ومسلحة بقرارات الشرعية الدولية.

سعت الهند لإغلاق الملف الكشميري بإجراء انتخابات محلية (خلال 3 أشهر 9 و10 و11/2002) ولكنها عجزت عن ضبط حركة الكشميريين الذين قاموا بعمليات مسلحة ضد القوات الهندية في الإقليم وضد المعابد الهندوسية لتثبت أن لا حل قسريا للقضايا العرقية والاثنية والقومية، وأنه لابد من الجلوس إلى طاولة التفاوض

العدد 96 - الثلثاء 10 ديسمبر 2002م الموافق 05 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً