يأتي الإعلان عن تأسيس معهد ديني يعتمد المذهب الجعفري خطوة إيجابية أخرى في عهد الإصلاح. فالدولة ترعى المعهد الديني الكائن بالقرب من جامع الفاتح، وكان عظمة الملك قد وجه في مطلع العام بأن يفتح المعهد الديني المجال لاعتماد المذهب الجعفري مع المذهب السني المعتمد حاليا في التدريس. وكانت تلك الخطوة تجسيدا لمعاني الوحدة الوطنية التي تجمع أبناء البلد الواحد في جميع المؤسسات.
غير أن ادخال المذهب الجعفري للمعهد الديني لم يكن بالأمر السهل لارتباط تأسيس المعهد الديني «بوقفية» تستلزم تدريس الدين على المذهبين المالكي والشافعي، ولذلك لم يفتح المجال مع بدء العام الدراسي في سبتمبر/ أيلول الماضي للمذهب الجعفري. وعندما غطت «الوسط» موضوع المعهد الديني في سبتمبر الماضي لم تكن تتوقع السرعة الفائقة من المسئولين، بتوجيه من عظمة الملك، الشروع في تأسيس معهد آخر يعتمد المذهب الجعفري.
إن تأسيس معهد ديني يعتمد المذهب الجعفري خطوة تعود على الجميع بالخير، ذلك لأن أتباع المذهب الجعفري كانوا ومازالوا يعتمدون على الفعاليات التطوعية التي تعاني ما تعاني منه جميع الأنشطة التطوعية من عدم ضمان التمويل وعدم وجود الهيئة القائمة على أسس إدارية عالية وضوابط أكاديمية معترف بها. ولكي تكتمل هذه الخطوة الرائدة، فالأمل هو ان يتجه المعهدان للاندماج في المستقبل، ويمكن اعتماد مناهج تقريبية مثل كتب السيد سابق والشيخ محمد جواد مغنية التي تطرح آراء المذاهب الإسلامية عن مختلف الموضوعات.
وهذا سيغني الساحة البحرينية، إذ سيساهم المعهدان في تخريج طلاب مؤهلين في علوم القرآن والحديث والسيرة واللغة والبلاغة، وملمين بمصادر الفقه من مختلف المذاهب مما يساهم في الجهود التوحيدية بين أتباع المذاهب الإسلامية.
المنافسة في الخير شيء حميد، والتعاون بين طلاب الممعهدين في حفظ القرآن وتلاوته وفي الإجابة عن المسائل المشتركة (وهي كثيرة) سيغني الساحة بمفاهيم نبيلة تدعو إلى التسابق من أجل خدمة أبناء البلد الواحد ضمن منظومة تعليمية متفق عليها من الجميع.
التعليم الديني، ومنذ نشوء التعليم الحديث في مطلع القرن الماضي، اعتمد على الأساليب التقليدية. وتلك الأساليب بقدر ما توفر للمجتمع احتياجاته الأساسية من المتدربين والمتعلمين دينيا بقدر ما تعجز عن تقديم ما يلائم التطور العصري. فالعلوم اليوم تعتمد على أساليب حديثة في البحث والتدريب، وكل تلك الوسائل تتطور باستمرار، وما لم تكن البرامج التعليمية مدعومة بصورة ملائمة وحاصلة على التوجيه المهني فإنها تبقى بعيدة عن الزمن الذي تعيش فيه.
وكانت المطالب بين فترة وأخرى لاعتماد المذاهب الإسلامية المختلفة داخل مناهج التربية الدينية. إلا ان ذلك المطلب لم يستجب له لأسباب عدة، بعضها سياسية وأخرى عملية. وربما يخدم تأسيس المعهد الديني الجعفري في الاستجابة لأحد المطالب المطروحة على الساحة المتمثلة في اعتماد المذهب الجعفري جنبا مع المذهب السني في التعليم. ولربما من الأفضل ان تكون هناك المعاهد المتخصصة، بينما يتم ابعاد المذهبين عن المناهج في المدارس العادية ويمكن التركيز في مناهج التربية الدينية بالمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية على الجوانب المشتركة فقط. والجوانب المشتركة كثيرة جدا، ولو ركزنا عليها وأبعدنا مواقع الاختلاف فإننا نساهم في إبراز الوجه الحضاري لمجتمع البحرين المتنوع والمتوحد في آن واحد.
على ان المؤسسات الأهلية يجب ان تساهم بدورها في توحيد الجهود ودعم البرامج الموحدة. ويمكن للمساجد والمآتم والجمعيات واللجان الاستفادة من قدرات بعضها الآخر. فالمآتم التي تحتاج إلى مدرسين في تلاوة القرآن يمكنها الاستعانة بقدرات المعهدين وبقدرات جمعية الإصلاح (مثلا) والعكس صحيح. فالقرآن هو القرآن، وتلاوته لا تختلف بين مذهب وآخر، ولذلك فإن برامج تدريس القرآن في جميع أرجاء البحرين هي أول البرامج المؤهلة لتوحيد المواطنين من أتباع المذاهب الإسلامية.
وهكذا سنجد ان الاختلاف في المذاهب ليس منطلقا للتفرقة، وإنما منطلق للتنافس في الخير، تماما كما كان الأمر في صدر الإسلام. فالمدارس في المدينة المنورة كانت تجمع الجميع، ومدرسة الإمام جعفر الصادق كان يوجد فيها أكر من أربعة آلاف شخص من مختلف أصناف المجتمع الإسلامي، والمذاهب الفقهية الإسلامية كانت زهورا تجمّل الحديقة الإسلامية التي شملت الجميع من دون تكفير ومن دون تفسيق ومن دون إخراج من الملة ... وهذا ما يمكننا التوجه إليه في عصر الانفتاح السياسي
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 96 - الثلثاء 10 ديسمبر 2002م الموافق 05 شوال 1423هـ