كيف تقيّم الأداء، وهل ترى تغييراً؟ كالعادة يرتقي هذه الليالي العظيمة من شهر رمضان المنبر خطباء تتنوع مواضيعهم وإن اختلفوا، إلا أنهم يتكلمون عن شهر الله الفضيل وجوائزه. وليس حضورنا فقط لكسب الثواب؛ وإنما لزيادة الوعي والإرشاد والتوجيه.
أعجبني خطيب جميل المنظر واللباس والهندام والانضباط في حضوره الليلي، فصيح في لغته، وترتيب أفكاره، متسلسل في طرحه وكأنه يوجه رسالةً للخطباء الآخرين. ما لفت نظري أيضاً قصته المعبرة، قصة ماشطة بنات فرعون التي ترعى وتمشط شعور بناته، إلا أن نهايتها كانت مأساوية ومكافأتها كبيرة بأن رماها ورمى أولادها في قدر كبير معد لهذا الغرض، وكانت مبتسمةً واثقةً بالله، لم تساوم فرعون في دينها بل وقفت مبتسمة متحدية تهديده، وأمام قدر النار وهي ترى أبناءها يرمون في النار كما ترمى الأكباش. وكانت كراماتها التي كشفها النبي (ص) حينما عرج به إلى السماء حيث شمّ رائحة قبرها الزكي كما وعدتها السماء.
ومن قبلها زوجة فرعون التي قضت أيضاً مبتسمة فرحة بهدية السماء بقصر في الجنة، "رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ" (سورة التحريم، الآية 11). فمن يشك في كرامات هاتين الإمرأتين فقد شك في كرامات ووعود السماء للسيدة مريم (ع) هي وزكريا، يرى مائدة السماء تهبط عليها كل يوم كما صوّرتها لنا سورة "آل عمران" (37): "كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ).
هكذا تسلسل الخطيب في طرحه، لم تمر قصة الماشطة مرور الكرام، بل بحثت عنها في مصادر الطائفتين الكريمتين، فوجدت مصادرهما موجودة وصحيحة، ما أبهرني أكثر هو اتصاف هؤلاء الشهداء جميعهم بصفة الوثوق بالله وهو "الإبتسامة"، وهم على دقائق من الشهادة والموت دون خوف ولا رعب، بل الإبتسامة تعني البشارة والبشرى من الله قبل الشهادة وهي لا يمكن تصورها عند عباده.
فمن يقدم على دخول الامتحان أو من يجتاز السباق، يعلن عن الجائزة ولا يبلغ بجائزته أو يأتيه هاتف يؤكد له هدية وجائزة السماء! وكان هدفي كي أطلع الآخرين على وعود السماء للمؤمنين، أما للآيسين من رحمة الله سبحانه وتعالى فأدعوهم لمشاهدة جسد فرعون المعجزة التي أراد الله أن يضرب به مثلاً: "فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً "، (سورة يونس، الآية 92)، حيث بقي جسده المحنط قابعاً في المتحف المصري!