الإنسان بإمكانه أن يغير حظه في هذه الدنيا ونصيبه ومصيره. الإنسان استثناء عن سائر ما خلق الله سبحانه وأوجده، يملك قراره «قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها»
إذن هو يملك أن يختار من بين الطرق الكثيرة، والاتجاهات المختلفة، أن يكون من أصحاب الجنة أو أصحاب النار، سيدنا يونس عليه السلام الذي التقمه الحوت «فلو لا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون» سورة الصافات، إلا أن هبة القدرة على الاختيار محفوفة بالمخاطر والمآسي بسبب نوازع البشر المحفوفة بالغرور والأنانية والاستخفاف بحقوق الآخرين، واختيار وسيلة العنف والدمار والجشع اعتقاداً منهم جهلاً أنه سوف يصل إلى أطماعه التي لن تدوم طويلاً.
«إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا» سورة الأحزاب لقد استبد الإنسان بأمانة القدرة على الاختيار واتجه نحو أطماعه وجشعه «إلا ما رحم ربي» سورة يوسف. وأنت تجد في القرن الواحد والعشرين حيث أقمار الاستطلاع يزدحم بها مجال الأرض، وعلى رغم الدقة المتناهية في إرسال المعلومات والصور الواضحة عن كل شبر على سطح الأرض؛ بل الكواكب البعيدة يتكرر هذا الادعاء الفاشل بعد قتل مئات الأبرياء بضربات جوية عمياء وبأكثر الأسلحة فتكاً والتي يسمونها بالقنابل الذكية يلقونها على شعوب منهوكة القوى، ودول مستقلة، بدل أن يلقوا الطعام حتى يسد رمقهم، أو بطانيات لكي تقي أطفالهم من سياط البرد الشديد تجدهم على رغم وضوح الرؤية مع وسائل المراقبة الحديثة الدقيقة، يعاودون قتل المئات بأسلحتهم الجهنمية، ثم وبكل دم بارد ومنطق المعربد وفم مفتوح تفوح منه روائح السكر والإدمان بأنه قد حدث خطأ، وكأنما يتحدثون عن خطأ في الإملاء في صفوف محو الأمية.
هل تجهل هذه الدولة التي تسمى بالعظمى أن هذه الأعذار الصبيانية المتكررة لا تنطلي على أبسط الناس في التفكير والتحليل على هذا الكوكب البائس من تصرفاتهم الشنيعة؛ ولكنها العنجهية والغرور في امتلاكم أسلحة الدمار والإبادة وامتلاكهم القدرة على الاختيار وكل خياراتهم نحونا دمار في دمار.
وأين نحن من امتلاكنا القدرة المطلقة على امتلاك الخيارات، والتي هي أمانة سيحاسبنا عليها من منحنا إياها سبحانه. أين نحن الآن وإلى أية هوة سحيقة نحن منجرفون. إذا لم نتدارك الأمور ونختار طريقاً آخر يحفظ المنطقة من الويلات والخسائر المتلاحقة فلا أستبعد من الذين يكررون الأخطاء المقصودة والمدمرة أن يمكروا بنا جميعاً ويشعلوا المنطقة بالصراعات الرهيبة، ثم يتخلوا عنا كما تخلوا عن «ليبيا» بعد تدمير البنى التحية فيها وكما يحدث في سورية والعراق، ثم لا يزيدون على أن يصرحوا بأنفاس مخمورة أنه قد حدث خطأ. ما دمنا نملك أمانة الاختيار لماذا نفتح لهم الأبواب حتى تتكرر هذه الأخطاء المقصودة فيحرقوا المنطقة بأسرها وبمن فيها. لا أتمنى أن نكون كمن قال عنهم الشاعر المتنبي
«من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام»
اللهم امنحنا الحكمة عند الاختيار حتى تسلم منطقتنا من شرور الأشرار الذين يلهون وراء أطماعهم من دولهم البعيدة عنا جميعاً.
جعفر شمس
العدد 5383 - الجمعة 02 يونيو 2017م الموافق 07 رمضان 1438هـ