تشعر أحياناً بأن شخصاً ما ينظر إليك، دون أن تعلم السبب في هذا الشعور. يكمن تفسير ذلك على أي حال في بعض السمات المثيرة للاهتمام لجهازنا العصبي، وكذلك في دراسة أجريت حول نوع غريب من الإصابات التي يُمنى بها المرء في دماغه.
في بعض الأحيان، تجد أن هناك ما يدفعك للالتفات لترى أن شخصاً ما يراقبك. قد يحدث ذلك في قطارٍ مزدحم، أو خلال الليل، أو لدى تجولك في أحد المتنزهات، وذلك وفقاً لموقع " BBC Future".
فكيف تعلم أنك تخضع لمراقبة ما؟ قد يبدو أن الأمر متعلقٌ بحدس لا صلة له بحواسك، ولكن الحقيقة أن مثل هذا الشعور يُظهِر أن تلك الحواس، وخاصة حاسة النظر، يمكن أن تعمل بطرق غامضة.
وقد يتصور الكثيرون بداهة أن ما يعرف باسم القشرة البصرية للدماغ تتلقى إشارات من عينيك لدى نظرك لشيء ما، وهو ما يؤدي إلى أن تتولد لديك الخبرة الواعية الخاصة برؤية هذا الشيء. لكن الحقيقة أغرب من ذلك بكثير.
فالمعلومات تتنقل بمجرد إرسالها من جانب العينيّن، عبر ما لا يقل عن 10 مناطق مختلفة في الدماغ، لكل منها وظائف خاصة بها. في هذا الصدد، ربما يكون الكثيرون منّا قد سمعوا عن تلك "القشرة البصرية للدماغ"، وهي عبارة عن جزء كبير يوجد في المنطقة الخلفية من الدماغ، ويلقى الاهتمام الأكبر من جانب علماء الأعصاب.
وتدعم هذه المنطقة ما يُعرف بـ"رؤيتنا الواعية" للأشياء، عبر معالجة المعلومات الخاصة بالألوان والتفاصيل الدقيقة، لتساعدنا على تكوين ذلك التصور المرئي الغني بالعناصر، الذي ننعم به للعالم من حولنا.
لكن ذلك لا يمنع من أن أجزاء في الدماغ بخلاف القشرة البصرية تعالج بدورها جوانب أخرى من المعلومات المتعلقة بالرؤية، وهو أمر قد يتواصل حتى عندما لا نكون بصدد ملاحظة أو رؤية شيء ما بشكل واعٍ، أو في حالة عدم قدرتنا على ذلك من الأساس.
المفارقة أن بوسع الأشخاص الذين لحقت بهم من قبل إصاباتٌ في الجهاز العصبي، إلقاء بعض الضوء على الآليات التي نتحدث عنها في هذا الصدد.
فببساطة، يؤدي حدوث أي أضرار لـ"القشرة البصرية للدماغ" إلى التأثير سلباً على قدرتك على الرؤية. وإذا تلفت هذه المنطقة بالكامل، سيفقد المرء قدرته على الرؤية الواعية، ويُصاب بما يصفه علماء الأعصاب بـ "العمى القشري". لكن ذلك لا يعني إصابتك بالعمى الكامل، بعكس ما سيحدث إذا فقدت عينيّك مثلاً.
فالمصابون بـ"العمى القشري" يفقدون البصر بشكل شبه كامل، وذلك لأن المراكز البصرية الموجودة في مناطق الدماغ الأخرى ستظل قادرةً على العمل.
فرغم أن فقدانك لـ"القشرة البصرية" سيحرمك من القدرة على تكوين أي انطباعٍ مرئي موضوعي عن أي شيءٍ تنظر إليه، سيظل بوسعك الاستجابة للأشياء التي تراها عيناك ويكون بمقدور المناطق الأخرى الموجودة في الدماغ معالجة المعلومات البصرية الخاصة بها.
وفي عام 1974، نحت باحثٌ يُدعى لاري فايسكرانتز مصطلح "الأعمى المبصر"، وذلك للإشارة إلى الشخص الذي يستطيع الاستجابة لمؤثراتٍ بصرية رغم فقدانه القدرة على "الرؤية الواعية" بفعل حدوث تلف لـ"القشرة البصرية" الموجودة لديه في الدماغ.
ومع أن الأشخاص المندرجين في هذه الفئة لا يستطيعون قراءة النصوص أو مشاهدة الأفلام، أو رؤية أي شيء يتطلب تكوين صورةٍ واعية له معالجة معلومات بصرية تفصيلية، فإنهم قادرون على تحديد مواقع مصادر الإضاءة المبهرة الموجودة أمامهم، بشكل يتجاوز ما هو ناجمٌ عن مجرد الصدفة، وذلك إذا طُلِب منهم أن يخمنوا هذه المواقع.
ورغم أنهم لا يشعرون بأن بمقدورهم رؤية أي شيء بصورة فعلية، فإن "تخميناتهم" في هذا الشأن تأتي دقيقةً بقدرٍ مفاجئ. ويعود ذلك إلى أن المراكز البصرية الموجودة في مناطق أخرى في الدماغ - بخلاف "القشرة البصرية" - تستطيع رصد الضوء وتوفير معلومات عن موقعه، رغم الافتقار إلى هذه المنطقة الحيوية.
وكشفت دراساتٌ أخرى عن أن الأشخاص المصابين بحالة "العمى القشري" هذه، يمكنهم رصد الانفعالات التي تبدو على الوجوه، والتحركات التي تلوح أمامهم، وإن على نحوٍ غامض.
وقد كشفت دراسة مثيرة أُجريت حديثاً على أحد هؤلاء المصابين بالعمي القشري كيف يمكن أن ينتابنا شعورٌ بأن شخصاً ما ينظر إلينا، حتى دون أن نرى على نحوٍ واعٍ وجه هذا الشخص.
وجرت الدراسة على يد آلان جيه.بغنا الباحث في المستشفى التابع لجامعة جنيف السويسرية وفريقٍ تابعٍ له، وذلك على مريض عُرِف بالحرفين الأوليين من اسمه "تي دي"، وذلك لعدم كشف النقاب عن هويته كما يحدث عادة في التجارب العلمية. وكان هذا الشخص، وهو طبيب، قد عانى من سكتة دماغية أدت إلى إتلاف "القشرة البصرية" لديه، ما أدى إلى إصابته بـ"العمى القشري".
ولأن الإصابة بهذه الحالة المرضية غير شائعة، خضع هذا المريض لسلسلة من التجارب والدراسات التي استهدفت التعرف بشكل محدد على ما يستطيع المرء فعله، وما يعجز عنه، إذا فقد "القشرة البصرية".
وتضمنت الدراسة التي أجراها بغنا تحديق المريض في صور وجوهٍ، بعضها تنظر أعينها إلى الأمام أي إلى الناظر إليها، بينما تتجه عيون البعض الآخر إلى ناحية مغايرة لذلك.
وأدى "تي دي" هذه المهمة خلال تسجيل وقياس أنشطته المخية، عبر جهاز تصويرٍ بتقنية الرنين المغناطيسي الوظيفي، وكان يحاول في الوقت نفسه أن يخمن أي الصور تنظر عيونها إليه مباشرة.
وبطبيعة الحال، كانت مثل هذه المهمة ستصبح شديدة البساطة بالنسبة لأي شخصٍ يتمتع بقدرات بصرية عادية، ففي هذه الحالة سيتسنى لمثل هذا الشخص أن يُكوِّن تصوراً مرئياً واعياً للوجه الذي ينظر إليه في أي وقت من الأوقات. ولكن لنتذكر أننا هنا بصدد مريض يفتقر للقدرة على الرؤية الواعية ويشعر بأنه أعمى.
وأظهرت نتائج الفحص بالأشعة أن الدماغ قادرٌ على التفاعل مع ما لا يتفاعل معه إدراكنا الواعي. فقد تبين أن منطقة تُدعى "اللوزة العصبية" أو "اللوزة الدماغية" كانت أكثر نشاطاً عندما كان المريض يحدق في صور الوجوه التي تنظر باتجاهه، مُقارنةً بنشاطها حينما كان يتأمل الوجوه الأخرى ذات الأعين الناظرة إلى أحد الجانبين.
ويُعتقد أن هذه المنطقة هي المسؤولة عن معالجة المعلومات الخاصة بالوجوه والانفعالات التي تظهر عليها. كما أن "اللوزة الدماغية" كانت تصدر استجابات، عندما كان هناك من يُراقب المريض، حتى دون إدراك الأخير لذلك.
ومن المثير للاهتمام، أن تخمينات "تي دي" بشأن الأماكن التي يُراقب منها لم تكن دقيقة على الإطلاق بل جاء الصحيح منها بالصدفة البحتة، وقد عزا الباحثون ذلك إلى أنه لم يكن متحمساً لهذا الأمر.
وعلى أي حال، لا يزال للرؤية الواعية التي تتم من خلال "القشرة البصرية" الأهمية الأكبر. فأنت تعتمد على هذه المنطقة في الدماغ إذا كنت تريد أن تُميز وجه شخصٍ ما، أو أن تشاهد فيلماً سينمائياً، أو أن تقرأ مقالاً مثل هذا.
لكن دراسةً مثل تلك التي تحدثنا عنها للتو تُظهر أن هناك وظائف دماغية أبسط، وربما أكثر أهمية فيما يتعلق ببقاء الإنسان، توجد في أماكن أخرى غير تلك المناطق المسؤولة عن الرؤية البصرية الواعية في الدماغ.
وتبين هذه الدراسة تحديداً أن بوسعنا رصد وجود أشخاص ينظرون إلينا إذا كانوا في إطار مجال رؤيتنا، حتى إذا كانوا بعيدين تماماً عن مركز الرؤية وحتى دون أن نراهم على نحوٍ واعٍ. ويكشف ذلك عن الأساس العلمي - المستمد من فهمنا لقدرات الدماغ- الذي يمكن من خلاله تفسير الشعور الخفي الذي يراودنا بأن ثمة من يُراقبنا.
لذا، فحين تسير في طريق مظلم وتلتفت لتلحظ شخصاً واقفاً هنا أو هناك، أو إذا نظرت إلى قطارٍ فوجدت من يحدق فيك، ربما تكون نظرتك هذه ناجمة عن عمل منظومتك البصرية اللاواعية التي ترصد البيئة المحيطة بك، عندما تكون بصدد تركيز اهتمامك وانتباهك الواعييّن على شيء آخر.
في نهاية المطاف، قد لا نكون بصدد الحديث عن قدرة خارقة، ولكن هذه المقدرة تكشف بالتأكيد عن الطرق الغامضة التي يعمل بها دماغ الإنسان.
وإذا يحدث ايضاً إذا كان الشخص مخترق من قبل شخص يفهم في علم الطاقة والإختراق يجب أن تصل هذة الحقيقة واضحة الى الناس لتنصلح حياتهم وعلاقاتهم وأمورهم التي يفسدها عليهم المخترق