أُسِّسَت صناديق الاستثمار العقاري (REITs) في العالم منذ أكثر من 50 سنة، حين قام الرئيس الأميركي السابق دوايت أيزنهاور بتفعيل قانون صناديق الاستثمار العقاري عبر توسعة نطاق ضريبة بيع السيجار العام 1960. وتستهدف هذه المنتجات أساساً تزويد المستثمرين بالقدرة على الاستثمار في السوق العقاري برأس مال بسيط.
وتعتبر صناديق الاستثمار العقاري أساساً هياكل مدرّة للدخل بحيث إنها إما أن تمتلك عقارات مباشرةً أو تتكون من تمويلات عقارية أو تعمل عبر مزيج من الأسلوبين المذكورين. وعادة ما تحصل صناديق الاستثمار العقاري على مزايا ضريبية كبيرة لا تتوافر للشركات العقارية العادية، إلا أن أحد الشروط الرئيسية لحصولها على صفة صناديق الاستثمار العقاري (REITs) تتمثل في قيامها بتوزيع ما لا يقل عن 90 في المئة من دخلها السنوي الخاضع للضريبة على مساهميها بصفة أرباح على الأسهم.
وقد شهدت الصناديق العقارية الاستثمارية الأميركية نمواً كبيراً، وبلغت القيمة السوقية لمؤشر فوتسي ناريت لجميع الأصول العقارية 939 مليار دولار أميركي، وشكلت صناديق الاستثمار العقاري المباشرة ما نسبته 94.4 في المئة من المؤشر. ومنذ الأزمة الاقتصادية في 2008 ارتفعت القيمة السوقية لمؤشر فوتسي ناريت لجميع الأصول العقارية المباشرة بمعدل نمو سنوي مركَّب بلغ 26 في المئة ليرتفع من 176 إلى 886 مليار دولار أميركي.
ورغم انخفاض الطلب على العقارات خلال تلك الأزمة، لم يكن استمرار نمو القيمة السوقية لصناديق الاستثمار العقاري أمراً مفاجأ. وتعود الأسباب الرئيسية لهذا النمو إلى ما توفره تلك الصناديق من معادلة مخاطر وعائدات جذابة كما يتضح عند الاطلاع على العائدات خلال الأعوام العشرين الماضية، بالإضافة إلى أن الصناديق درَّت تاريخياً أرباحاً أعلى مقارنة مع عائدات سندات الخزينة الأميركية باستحقاق 10 سنوات. إضافة إلى ذلك، تتمتع صناديق الاستثمار العقاري بارتباط منخفض نسبياً مع غيرها من الأدوات المالية أمثال الأسهم، رغم أن التوجهات الأخيرة توحي بأن ذلك الارتباط يزداد قوة وإن كان بطريقة غير مثالية.
وبالتزامن مع استمرار نمو حجم الخدمات المصرفية الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي والاهتمام الكبير للمستثمرين بالأسواق العقارية للمنطقة، بدأت منتجات جديدة أمثال صناديق الاستثمار العقاري الإسلامية (I-REITs) تظهر. ورغم أن ماليزيا كانت رائدة في تأسيس هذه الصناديق حيث كانت أولى الدول التي أصدرت إرشادات تنظيمية للتعامل بهذه الصناديق عام 2005، إلا أن دولاً عدة من دول مجلس التعاون الخليجي أمثال البحرين والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة قامت بدورها بإصدار إرشادات تنظيمية للتعامل بهذه الصناديق. ونتيجة لذلك أصبح صندوق برج المِحراب للاستثمار العقاري أول صناديق الاستثمار العقاري الإسلامية الخاصة في الكويت العام 2007. وبعد ذلك طرحت دبي أول صناديقها للاستثمار العقاري الإسلامي (صندوق الإمارات للاستثمار العقاري الإسلامي) العام 2010 وأدرجت البحرين أسهم أول صناديقها المساهمة للاستثمار العقاري الإسلامي (عهدة بنك الإسكان العقارية) في سوق الأوراق المالية عام 2017. هذا بالإضافة إلى طرح بنك الإمارات دبي الوطني لصندوق الاستثمار العقاري (ENBD REIT) الذي بلغ الاكتتاب به أكثر مما كان متوفراً. ورغم أن قطاع صناديق الاستثمار العقاري الإسلامية لايزال في مرحلته الأولية إلا أن هناك مؤشرات قوية على ارتفاع الطلب على منتجاته، كما يتضح من الاكتتاب الفائض عن الحاجة في أسهم صندوق السلام للاستثمار العقاري الإسلامي الذي طرحته شركة جوهور كورب بي إتش دي عام 2015. وشملت الشركات التي استجابت لهذا الطلب المتزايد شركة آيديال ريتِنجز التي طرحت أول مؤشراتها المتوافقة مع الشريعة الإسلامية لصناديق الاستثمار العقاري العام 2015، وكان يضم 45 صندوقاً استثمارياً عقارياً متوافقاً مع مبادىء الشريعة الإسلامية تنشط في مختلف القطاعات الاقتصادية ومختلف دول آسيا.
وأشارت دراسة كيز آند واشتر عام 2011 إلى أن صناديق الاستثمار العقاري توفر تحوّطاً لمخاطر التضخم في المحافظ الاستثمارية بنسبة 66 في المئة من الوقت، وذلك باستخدام دورات استثمارية تبلغ مدة كل منها ستة شهور. وجاءت هذه الصناديق في المرتبة الثانية بعد السلع الأساسية التي وفرت تحوطاً بنسبة 70 في المئة من الوقت. وبالتزامن مع استمرار الانخفاض لأسعار النفط وتخفيض مؤشر ستاندرد أند بورز لتوقعاته الخاصة بأسعار النفط إلى نطاق يتراوح بين 40 و50 دولاراً أميركياً للبرميل الواحد حتى العام 2018، من المتوقع أن تنخفض العائدات النفطية لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي المنتجة للنفط. ونتيجة لذلك قد تلجأ تلك الحكومات إلى تخفيض/ إلغاء دعمها للسلع والخدمات إضافة إلى فرض ضرائب أمثال ضريبة القيمة المضافة أو بعض أنواع الرسوم على الشركات لسد الفجوة في ميزانياتها. وقد تؤدي تلك الإجراءات بالطبع إلى ارتفاع معدلات التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات القليلة المقبلة، ما سوف يعزز الطلب على المنتجات التي توفر تحوطاً قوياً للتضخم أمثال صناديق الاستثمار العقاري الإسلامية.
أما بعد، فلا تقتصر عوامل نمو صناديق الاستثمار العقاري الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي على الطلب المحلي فقط ولكنها تمتد لتشمل مزيجاً من ارتفاع الطلب المحلي والدولي في القطاع العقاري للمنطقة. وخلُصَت دراسات أُجرِيَت بهذا الصدد إلى أن إضافة عقارات دولية وعدم الاكتفاء بالعقارات المحلية يقلص المخاطر التي تتعرض إليها المحافظ الاستثمارية إلى ما يتراوح بين 5 و10 في المئة وصولاً إلى ما يتراوح بين 10 و20 في المئة.
وأشار استبيان أجرته شركة جيه إل إل للاستشارات العقارية العام 2014 حول مشاعر المستثمرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى أن أسواق العقارات السكنية في دولة الإمارات العربية المتحدة تستقطب أكبر حجم من طلب المستثمرين في المنطقة. كما أشار الاستبيان أيضاً إلى أن أسواق العقارات السكنية السعودية تتمتع بدورها بأكبر احتمالات النمو في المستقبل، وأن المنطقة بأكملها مقبلة بالتالي على ارتفاع في طلب المستثمرين الأجانب على أسواقها العقارية.
وعلى الرغم من أن مستقبل صناديق الاستثمار العقاري الإسلامية يبدو واعداً سوف تعترض طريقه تحديات عدة يتوجب على الشركات التي تدير تلك الأصول التصدي لها. إذ إنه إضافة إلى أهمية تنظيم حملات لتعزيز وعي المستثمرين بمزايا تلك الصناديق، من المهم أن تبتكر شركات إدارة أصول تلك الصناديق مناهج عمل عالية الكفاءة ومنطقية للاستثمار في صناديق الاستثمار العقاري الإسلامية بالإضافة إلى أعلى مستويات المبادئ الأخلاقية السليمة بغية تعزيز الثقة بهذه المنتجات وضمان استمرارية نمو صناديق الاستثمار العقاري الإسلامية في المنطقة.
إقرأ أيضا لـ "حامد يوسف المشعل"العدد 5381 - الأربعاء 31 مايو 2017م الموافق 05 رمضان 1438هـ