هل هناك علاقة بين عودة الجناسي المسحوبة وزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟ ربما.
المؤكد والثابت هنا هو أن السيد ترامب صرّح في أكثر من مكان بأنه غير معني بحقوق الإنسان، وأن زمن ربط السياسة الخارجية بحقوق الإنسان قد ولى. وأنه بالضرورة سيدعم ويساند دول المنطقة وغيرها على القمع، ولن يسائلها عن انتهاكاتها.
بطبيعة الحال الكثير من الزعامات التي التقاها ستصفق لانسلاخ «الرؤية الترامبية» عن المعايير الدولية لكرامة الإنسان، والمعلن في هذه الحالة أكثر من المخفي والله المستعان.
وحيث إن سحب جنسيات البشر ظلماً، أو لأسباب سياسية مباشرة، يعد انتهاكاً لا لبس فيه لحقوق البشر، فالعلاقة هنا ظاهرة غير مستترة. ونحن هنا نتحدث تحديداً عمن تسحب جناسيهم ظلماً، ولكل منا أن يحدد معنى الظلم حسب ضميره، الذي قد يكون صافياً كماء زلال، أو ذا نتوءات، أو ضميراً غائباً، أو ضمير «كالكتويل» كيفما مالت الرياح يميل. فقد تعود الناس هنا على أن يتحدّثوا عن العدالة وانتكاستها عندما تمس جماعتهم فقط، ويفرحوا عندما تنتكس في حال خصومهم.
هكذا يأتي قرار عودة الجناسي، لمن سحبت منهم ظلماً، قراراً رشيداً، حكيماً، حصيفاً، بغض النظر عن التفاصيل. كان أمراً مؤسفاً أن يتم ذلك عبر صفقة سياسية، ولكن ما باليد حيلة. وكأنه صار علينا أن ننتظر إحقاق الحق لمن اغتصب منه، عبر صفقات سياسية، وهو أمر محزن. كم كانت الدولة ستوفر على نفسها العناء والتعب، والإنهاك المجتمعي، لو جعلت القضاء ملجأً للمظلوم؟ ولكنها الحالة العبثية التي نعيشها.
في مثل هذه الحالة يحق لنا أن نتحدث عن «رب ضارة نافعة»، فالصفقة السياسية كانت معنيةً بإعادة جنسيات سُحِبت لمبررات سياسية فقط، ولو استمر ذلك، وضاع آخرون من سحبت جناسيهم ظلماً قبل الحوادث، لكان ذلك تغولاً في الظلم. وبالتالي كانت العودة لتشمل كل من سحبت جناسيهم هي عودة حميدة محمودة، فكان التراجع عن قصور المشمولين فقط بالصفقة السياسية تراجعاً في محله.
الملاحظ هو أنه على رغم كل الضجيج بشأن التزوير والمزورين والتلاعب بالأرقام وتكبيرها، فإن عدد الذين تقدّموا لـ «لجنة الجناسي» لم يتجاوز المئتين فقط لا غير. رفع الظلم عن المظلوم هو عودةٌ للتوازن داخل المجتمع، وتعزيز لاستقراره وليس العكس، ويشمل ذلك الكثير من القضايا وعلى رأسها قضية البدون، التي تم طمسها في إطار الحديث الموهوم عن المزورين والمزدوجين، والذين إن وجدوا يفترض أن يطبق عليهم القانون، لا أن يتم استخدامهم كفزاعة لمزيد من الظلم. عودة الجناسي في هذا التوقيت تحديداً مفيدة لأسباب كثيرة، ولابد من إدخال الموضوع محراب القضاء لنقضي على إنهاك أعصاب المجتمع والدخول في معارك غبية، فالصراع الغبي لا يأتي إلا بنتائج غبية.
يأتي السيد ترامب، والمنطقة زاخرة بالدمار، ليعدنا بمزيد من الدمار وقعقعة السلاح، يأتي أو لا يأتي، يحسبه الظمآن ماءً، وكم نحن ظماء للسلام، إلا أنه ليس إلا سراباً بقيعة. الصيف قادم ومعه رمضان، وكم نحن بحاجة إلى الماء المفقود.
إقرأ أيضا لـ "غانم النجار"العدد 5381 - الأربعاء 31 مايو 2017م الموافق 05 رمضان 1438هـ