هل تستطيع الولايات المتحدة تحمل ضربة مشابهة لتلك التي وقعت في 11 سبتمبر/ ايلول 2001 كما هدد الناطق الاعلامي لتنظيم «القاعدة» سليمان ابوغيث؟ بغض النظر عن الاسئلة البوليسية المتعلقة بالضربة الاولى فإن الجواب: لا.
في ضربة 11 سبتمبر قالت الادارة الاميركية انها غُدرت ولم تتوقع ان تكون بهذا الحجم، وانها توقعتها في الشرق فجاءت في الغرب، وانها ظنت أن الضربة ستكون موجهة ضد سفاراتها وطائراتها في مكان ما من العالم إلا داخل اميركا، وانها حصلت على معلومات مشوشة من الحلفاء والاصدقاء عن احتمال حصول عمل مخيف إلا انها لم تتوصل في تحليلاتها وتوقعاتها إلى افتراض سيناريو بالحجم الذي حصل...
الآن اختلف الوضع، فكل الذرائع التي كررتها طوال الأشهر والاسابيع الماضية لا تستطيع اعادتها من جديد في حال وقع ما يشبه تلك الضربة. فالثانية اذا وقعت، حتى لو كانت اقل ضررا وحجما من الاولى، فإن تداعياتها النفسية ستكون فعلا كارثية. فكل الذرائع التي ساقتها لتبرير تقصير الاجهزة الامنية ستكون قاصرة ولن تستطيع الاجابة عن الأسئلة.
اسئلة كثيرة ستثار واجوبة كثيرة ستطلق وكلها ستنصب على تحميل الولايات المتحدة المسئولية الكبرى وتحديدا تلك الاجهزة الامنية والدفاعية التي وصل إنفاقها إلى ارقام خيالية وارتفعت موازنتها إلى مليار ومئه مليون يوميا وهي نفقات لم يصل إليها الانسان في تاريخه المعروف والمكتوب.
منذ 11 سبتمبر تتصرف الادارة الاميركية كالنمر المجروح أو الثور الهائج. فهي اعتبرت الضربة اكبر اهانة تلقتها على ارضها الام منذ تأسست الدولة واستقلت عن بريطانيا. وأصعب من الاهانة تلك الشكوك التي رافقت تداعيات الضربة. فالادارة حاولت تغطية المسئولية الداخلية عما حصل واندفعت عشوائيا إلى الخارج للأخذ بالثأر ورد الصفعة بمئات الصفعات. وحتى الان ترى الاجهزة الاميركية أن مردود تلك الصفعة كان أقوى بدرجات من كل صفعاتها. وان الثأر من المسئول المباشر أو ممن تحمله المسئولية المباشرة لم يتحقق. وهذا تعتبره بعض الجهات المتطرفة في الادارة من علامات فشل الحملة الدولية على ما تسميه «شبكة الارهاب».
إلا ان الشبهات التي احاطت بالضربة الاولى ستتضاعف عشرات المرات في حال وقعت الثانية. فحتى الآن لاتزال الكتب والدراسات والمقالات تنشر وفيها الكثير من الظنون عن صحة المعلومات التي ذكرتها الادارة الاميركية عن تفاصيل حوادث 11 سبتمبر. وأخطر تلك الشكوك وجود اشارات إلى جهات داخلية لعبت لعبتها أو سهلت وقوع الكارثة عن قصد أو تقصير. فالظنون المثارة عن العناصر الاميركية في الموضوع تعتبر من اقوى الاسلحة التي تزعج ادارة البيت الابيض. فهناك كلام تلمح إليه الصحافة سريعا ومن دون توقف أو تحليل عن الفساد الاداري الذي ينخر اجهزة الأمن وشبكة المخابرات الداخلية والخارجية. وهناك كلام غير مؤكد عن وجود خلافات قوية على صلاحيات البنتاغون ودوره، والسي. اي. ايه ومجال عملها، والاف. بي اي ونطاق تحركاتها. وهناك وجهات نظر متعارضة بين الشرطة الفيديرالية على مستوى الولايات والاجهزة المحلية (الكونفيديرالية) في كل ولاية. حتى ان بعض الصحف اشارت سريعا إلى انقطاع التنسيق بين البنتاغون (وزارة الدفاع) واجهزة المخابرات، فكل طرف يتصرف بشكل مستقل عن الآخر نظرا الى الشكوك المتبادلة وتحميل كل جهة الجهة الأخرى مسئولية ما حصل.
وحتى الآن لايزال الانقطاع على حاله كما تقول بعض المصادر الصحافية. البنتاغون لا يرد على تقارير ومعلومات اجهزة المخابرات ويتعاطى معها بسخرية وسلبية وشماتة.
كذلك شبكة المخابرات غير واثقة بخطط البنتاغون وقدراته على احتواء الوضع بمفرده ومن دون ارشادات أو معلومات تتلقاها الاجهزة من ملايين المصادر التي تشمل التنصت والمراقبة ومعلومات مباشرة من الناس.
وحتى الآن تقول الصحف الاميركية ان هناك مشكلة. والثغرات التي حاول الرئيس جورج بوش سدّها كتشكيل وزارة للأمن الداخلي واخيرا تسليم «ملف الارهاب» الى وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسنجر وغيرها من اجراءات فشلت في الاحاطة بكل المسألة وتحديدا بعد تفجير بالي في اندونيسيا وعملية ممباسا في كينيا.
والسؤال في وضع كهذا: هل تستطيع اميركا تحمل ضربة ثانية؟ الجواب: لا... ولكن مَنْ هي الضحية المباشرة والمفترضة لمثل هذا الاحتمال؟ العراق طبعا.
وليد نويهض
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 95 - الإثنين 09 ديسمبر 2002م الموافق 04 شوال 1423هـ