العدد 5381 - الأربعاء 31 مايو 2017م الموافق 05 رمضان 1438هـ

المحكمة الإدارية تحلُّ جمعية «وعد»... وأنباء متضاربة عن إغلاق مقرها

حضر عدد من المحامين جلسة النطق بالحكم في قضية «وعد» أمس
حضر عدد من المحامين جلسة النطق بالحكم في قضية «وعد» أمس

قضت المحكمة الكبرى الإدارية الأولى، برئاسة القاضي جمعة الموسى، وعضوية القضاة محمد توفيق وطارق علي ومحمد الدسوقي، وأمانة سر عبدالله إبراهيم عبدالله، يوم أمس الأربعاء (31 مايو/ أيار 2017)، بحل جمعية «وعد» وتصفية أموالها وأيلولتها إلى خزينة الدولة، وألزمت المدعى عليها المصروفات، كما قضت برفض الدفع بعدم دستورية نص المادة (23) من القانون رقم 26 لسنة 2005 في شأن الجمعيات السياسية والمعدل بالقانون رقم 34 لسنة 2014.

من جانب آخر، قال قياديون في جمعية «وعد»: «إن رجال أمن حضروا إلى مقر الجمعية عند قرابة الساعة الثامنة مساءً أمس وأقفلوا الجمعية ومنعوا أعضاءها من الدخول وأخرجوا من كان داخلها، حيث كان من المفترض أن يتم عقد مؤتمر صحافي الساعة التاسعة والنصف البارحة، لتوضيح موقف الجمعية من الحكم القضائي، فضلاً عن كون مساء أمس (الأربعاء) مخصصاً للقاء الأعضاء ومحبي الجمعية في مجلسها الرمضاني بمقر الجمعية».

من جانبه، قال الوكيل المساعد للشئون القانونية بوزارة الداخلية عبر حساب الوزارة في «تويتر» أمس (الأربعاء) إنه «تعقيباً على ما يتم تداوله بشأن إغلاق الشرطة مقر جمعية «وعد»، فقد قامت قوات الشرطة بواجباتها القانونية في منع تجمع مخالف للقانون رافقته دعوات تحريضية من شأنها الإخلال بالأمن العام والسلم الأهلي».


المحكمة الإدارية تحلُّ جمعية «وعد» وتصفّي أموالها وأيلولتها إلى خزينة الدولة

المنطقة الدبلوماسية - علي طريف

قضت المحكمة الكبرى الإدارية الأولى برئاسة القاضي جمعة الموسى، وعضوية القضاة محمد توفيق وطارق علي ومحمد الدسوقي، وأمانة سر عبدالله إبراهيم عبدالله، يوم أمس الأربعاء (31 مايو/ أيار 2017)، أولًا: برفض الدفع بعدم دستورية نص المادة (23) من القانون رقم 26 لسنة 2005 في شأن الجمعيات السياسية والمعدل بالقانون رقم 34 لسنة 2014.

ثانيًا: بحل الجمعية المدعى عليها وتصفية أموالها وأيلولتها إلى خزينة الدولة، وألزمت المدعى عليها المصروفات.

وقد حضر عدد من المحامين جلسة النطق بالحكم من بينهم: المحامي سامي سيادي، وعبدالله الشملاوي، وعيسى إبراهيم، وعبدالجليل العرادي، وعبدالله الحداد، كما شهدت الجلسة حضور ممثلين عن السفارة الأميركية والبريطانية والفرنسية والألمانية.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن وقائع الدعوى الماثلة تخلص -حسبما يبين من سائر الأوراق- في أن المدعي أقامها بلائحة أعلنت قانونًا بطلب الحكم بحل الجمعية المدعى عليها وتصفية أموالها وأيلولتها إلى خزينة الدولة، وإلزام المدعى عليها المصروفات.

وذكر المدعي -وزير العدل- شرحًا لتلك الدعوى أنه بمتابعة نشاط الجمعية -المدعى عليها- وانطلاقًا من تنفيذ أحكام القانون رقم (26) لسنة 2005 في شأن الجمعيات السياسية، فقد تم رصد مخالفات جسيمة ارتكبتها تلك الجمعية، ترسخ مدى الخطورة الجسيمة الناتجة عن استمرارها في مباشرة نشاطها المخالف لأصل مشروعية العمل السياســي؛ حيث سعت هذه الجمعية، وبشكل ممنهج، إلى الطعن في الشرعية الدستورية والمساس بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، إلى درجة التحبيذ العلني للإرهاب والعنف، مما يشكل في حد ذاته مخالفة جسيمة تفقدها أسباب استمرارها كجمعية سياسية مُرخصة وفقًا لنص المادة (4) من قانون الجمعيات السياسية، الأمر الذي حدا به إلى إقامة الدعوى الماثلة بغية الحكم بما سلف بيانه من طلبات.

وأرفق لائحة دعواه حافظة مستندات طويت على المستندات المعلاة بغلافها اطلعت عليها المحكمة وألمت بها.

وقد تم تداول نظر الدعوى بجلسات المحكمة على النحو الثابت بمحاضرها، حيث حضر وكلاء المدعى عليها وقدموا مذكرة دفاع مرفقًا بها مستندات اطلعت عليها المحكمة وألمت بها، كما حضر ممثل المدعي وقدم مذكرة بالرد.

وقررت المحكمة إصدار الحكم في الدعوى بجلسة اليوم (يوم أمس الاربعاء).

وتابعت المحكمة، حيث إنه عن موضوع الدعوى، فإن المادة الأولى من القانون رقم 26 لسنة 2005 في شأن الجمعيات السياسية -والمعدل بالقانون رقم 34 لسنة 2014- تنص على أن «للمواطنين -رجالاً ونساءً- حق تكوين الجمعيات السياسية، ولكل منهم الحق في الانضمام لأي منها، وذلك طبقًا لأحكام هذا القانون».

كما تنص المادة الثانية من القانون ذاته على أن «يُقصد بالجمعية السياسية كل جماعة منظمة، تؤسس طبقًا لأحكام هذا القانون، وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة، وتعمل بصورة علنية بوسائل سياسية ديمقراطية مشروعة، بقصد المشاركة في الحياة السياسية، لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمملكة البحرين.

ولا تعتبر جمعية سياسية كل جمعية أو جماعة تقوم على محض أغراض دينية أو علمية أو اجتماعية أو ثقافيــة أو رياضية أو مهنية».

وتنص المادة الثالثة من ذات القانون على أن «تسهم الجمعيات السياسية التي تؤسس طبقًا لأحكام هذا القانون في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المملكة. وتعمل باعتبارها تنظيمات وطنية شعبية ديمقراطية على تنظيم المواطنين وتمثيلهم، وتعميق الثقافة والممارسة السياسية في إطار من الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والديمقراطية، وذلك كله على الوجه المبين بالدستور وميثاق العمل الوطني».

وتنص المادة الرابعة من ذات القانون على أن «يشترط لتأسيس أية جمعية سياسية أو استمرارها ما يلي:

1 - أن يكون للجمعية نظام أساسي مكتوب موقع عليه من المؤسسين.

2 - ألا يقل عدد المؤسسين لأية جمعية عن 50 عضوًا.

3 - ألا تتعارض مبادئ الجمعية وأهدافها وبرامجها وسياساتها وأساليبها مع:

‌أ- مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدرًا رئيسيًا للتشريع.

‌ب- الثوابت الوطنية التي يقوم عليها نظام الحكم في مملكة البحرين.

4 - ألا تقوم الجمعية على أساس طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي أو مهني، أو على أساس التفرقة بسبب الجنـس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.

5 - ألا تهدف الجمعية إلى إقامة أي تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية أو تأخذ طابع التدريبات العنيفة التي تهدف إلى الإعداد القتالي، أو التحريض على عداوة عرقية أو قومية أو دينية.

6 - ألا تكون الجمعية فرعًا لجمعية سياسية أو حزب سياسي أو أي تنظيم سياسي آخر في الخارج.

7 - ألا ترتبط الجمعية أو تتعاون مع أي أحزاب أو تنظيمات أو جماعات أو أفراد أو قوى سياسية تقوم على معـــــــــاداة أو مناهضة المبادئ أو القواعد أو الأحكام المنصوص عليها في الدستور أو المنصوص عليها في البند (3) من هذه المادة.

8 - أن يكون مقر الجمعية وفروعها داخل مملكة البحرين، وأن تمارس نشاطها في أراضي المملكة.

9 - أن تعلن الجمعية مبادئها وأهدافها وبرامجها ووسائلها وهياكلها التنظيمية ومصادر تمويلها.

10 - ألا تستخدم الجمعية المنبر الديني للترويج لمبادئها أو أهدافها أو برامجها أو كمرجعية لها».

وتنص المادة السادسة من ذات القانون على أن «يجب أن يشتمل النظام الأساسي للجمعية على القواعد التي تنظم كافة شئونها السياسية والتنظيمية والمالية والإدارية بما يتفق وأحكام هذا القانون».

وواصلت المحكمة في حيثيات حكمها بأنه يجب أن يتضمن هذا النظام بصفة خاصة ما يلي: النص على التقيد بالمبادئ والقواعد التالية في ممارسة نشاط الجمعية:

‌- أحكام ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين واحترام سيادة القانون.

‌‌- المحافظة على استقلال وأمن المملكة، وصون الوحدة الوطنية، ونبذ العنف بجميع أشكاله.

- عدم توجيه أنشطة أو برامج الجمعية لخدمة أغراض طائفية أو للإضرار بالاقتصاد الوطني أو المصالح العامة للدولة.

كما تنص المادة (23) من ذات القانون على أن «يجوز لوزير العدل أن يطلب من المحكمة الكبرى المدنية، بناءً على دعوى يقيمها، الحكم بحل الجمعية وتصفية أموالها وتحديد الجهة التي تؤول إليها هذه الأموال، وذلك إذا ارتكبت مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة أو هذا القانون أو أي قانون آخر من قوانينها...».

وافادت المحكمة «إن مفاد ما تقدم، أن المشرع، إيمانًا منه بخطورة وأهمية الدور الذي تؤديه الجمعيات السياسية في المشاركة في الحياة السياسية وترسيخ مبادئ السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية، قد أجاز للمواطنين حق تكوين الجمعيات السياسية أو الانضمام لأى منها، ولم يترك ممارسة هذا الحق سُدى؛ بل أحاطه بسياج من الضوابط والإجراءات التى تنظم ممارسته، بما يضمن عدم الانحراف فى ممارسة النشاط السياسى عن الأهداف المرجوة من تكوين تلك الجمعيات، إذ من غير المقبول مثلًا ولا بالمستساغ منطقيًا ولا الجائز دستوريًا، أن تكون ممارسة هذا الحق مغفلة الضوابط متحررة من كل قيد، بل هى تفرض حتمًا وتتطلب دومًا قيمة كلية تكون أساسًا تبنى عليه الأحكام التفصيلية كما تمثل حدودًا تمنع الشطط فى ممارسة العمل السياسي. وقد ناط المشرع بوزير العدل -باعتباره القوَام على تطبيق أحكام قانون الجمعيات السياسية- رقابة أداء تلك الجمعيات وتقويم اعوجاجها كلما نكلت عن طبيعة واجباتها إهمـالًا أو انحرافًا، فأجاز له أن يطلب من المحكمة الكبرى المدنية، بناءً على دعوى يقيمها، إصدار حكم بحل الجمعية السياسية في حالة ارتكاب الأخيرة مخالفة جسيمة لأحكام دستور مملكة البحرين أو قانون الجمعيات السياسية أو أي قانون آخر من قوانين المملكة، وما يتصل بذلك بحكم اللزوم من ذود عن الحقوق والحريات المقررة، وكل ذلك من صميم ما يتطلبه استقرار المجتمع وما يلزم لتحقيق أمنه وأمان أفراده».

وذكرت المحكمة «إنه لما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن الجمعية المدعى عليها قامت -عبر حسابها الرسمي على شبكة الإنترنت- بإطلاق وصف «شهداء الوطن» على جناة صدر في شأنهم حكم بات بالإعدام بعد استهدافهم قوات الشرطة بعبوة متفجرة نجم عنها مقتل 3 من رجال الشرطة، وهو ما يشكل مخالفة لنص المادة (6) من قانون الجمعيات السياسية، المشار إليه، والتي توجب على الجمعية المدعى عليها المحافظة على استقلال وأمن المملكة، وصون الوحدة الوطنية، ونبذ العنف بجميع أشكاله. كما أكدت المدعى عليها وقوفها وتضامنها مع جمعية «الوفاق الوطني الإسلامية»، وهي جمعية منحلة بموجب حكم قضائي أدانها بالطعن في شرعية دستور مملكة البحرين، والانحراف في ممارسة نشاطها السياسي إلى حد التحريض على العنف وتشجيع المسيرات والاعتصامات الجماهيرية، بما قد يؤدي إلى إحداث فتنة طائفية في البلاد، وهو ما يعد أيضًا مخالفة من قبل المدعى عليها لنص المادة (4) فقرة (7)، سالفة الذكر، والتي تحظر عليها الارتباط أو التعاون مع أية قوى سياسية تقوم على معــاداة أو مناهضة المبـادئ أو القواعد أو الأحكام المنصوص عليها في الدستور أو الثوابت الوطنية التي يقوم عليها نظام الحكم في مملكة البحرين، كما أعلنت المدعى عليها في بيان تضامني لها مع جمعيات أخرى «رفضها دستور 2002 واعتباره ساقطًا، وأنه دستور غير شرعي طبخ في الخفاء وفي غفلة من المواطنين، وأنه زور إرادة الشــــعب...»، وهو ما يشكل مخالفة أخرى لأحكام المادة (6)، سالفة الذكر، التي توجب عليها التقيد بأحكام ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين واحترام سيادة القانون».

وبينت المحكمة «انه لما كان ذلك، وإذ لم تجحد الجمعية المدعى عليها ارتكابها هذه المخالفات، مُعلِلة إياها بحجج وأسانيد واهية لا يمكن بحال أن تبرر إتيانها مثل هذه الأفعال التي تعد -ولا ريب- من المخالفات الجسيمة لأحكام قانون الجمعيات السياسية، المشار إليه؛ بالنظر إلى حقيقة معانيها ومراميها في ضوء الظروف التي حدثت فيها، وفي ظل أحداث إرهابية تعرضت لها البلاد، كان يُفترض معها على المدعى عليها -باعتبارها أحد التنظيمات الوطنية الشعبية- المحافظة على أمن المملكة في إطار من الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي على الوجه المبين بالدستور والقانون، لا أن تثني على جناة قاموا بعمليات إرهابية واصفة إياهم بأنهم «شهداء الوطن»، وتساند وتدعم في ذات الوقت قوى سياسية عمدت إلى الإضرار بالمصالح العامة للدولة وتمت إدانتها بموجب أحكام قضائية، على نحو ما سبق الإلماح إليه، ومن ثم فإنها تكون قد انحرفت في ممارسة نشاطها السياسي بتصريحات وبيانات صادرة عنها، لم تنكرها أو تدحضها، من شأنها الإضرار بالمصالح العامة للدولة وزعزعة أمن واستقرار المجتمع، فضلًا عن عدم اعترافها بدستور المملكة ورفضها إياه بعبارات تحمل معنى الإهانة والتجريح، بما يُعد تطاولًا على مؤسسات الدولة المناط بها وضع وإعداد الدستور، وبالتالي فقد انطوت على انحراف في ممارسة نشاطها السياسي بمعزل عن المكانة التي يحظـى، أو يتعين أن يحظى بها في ظل قانون الجمعيات السياسية، المشار إليه، حيث يتعين أن تدور هذه الجمعيات في فلك احترام هذه المكانة وتوفير كل سبيل يهدف إلى احترام القانون الاحترام الأوفى، ويتطلب ذلك أول ما يتطلب أن يكون مباشرة العمل السياسي مما يتعين أن تراعى بشأنه كل دواعي الحرص في اتباع جادة السبيل في شأن إجراءات ممارسته، فبذلك وحده يتحقق مبدأ سيادة القانون الذي هو غاية أساسية ومبدأ كلي يقوم عليه البنيان القانوني بكامله، بما فيه الدستور، بداهة، باعتباره الوثيقة التي تحوي المبادئ التي تحكم حركة المجتمع وتضمن الحقوق والحريات».

وأضافت المحكمة «ولا ينال من ذلك ما تمسكت به المدعى عليها من التزامها بالعمل وفق أحكام الدستور والقانون، وأن ذلك واضح من خلال الوثائق التي تصدرها والبرامج الانتخابية المقدمة منها؛ إذ العبرة بحقيقة ممارستها نشاطها السياسي على أرض الواقع، لاسيما في ظل الظروف والأحداث التي تمر بها البلاد، وبيان حقيقة موقفها في ظل هذه الظروف، بما يؤكد حرصها على الوحدة الوطنية والثوابت التي يقوم عليها نظام الحكم في مملكة البحرين، وليست العبرة بما تسطره من بيانات ووثائق نظرية لا صدى لها في ظل ما تتعرض له البلاد من أحداث تنال من أمنها واستقرارها، توجب على المدعى عليها -على أقل تقدير- الالتزام بما صدر عنها وما صرحت به في برامجها، لا أن تدلي بما يناقضه؛ ذلك أنه يتعين دائمًا وأبدا أن تكون مباشرة العمل السياسي وسيلة منطقية لتحقيق الأغراض التي قصد إليها المشرع، فإن انفصم اتصالها بها، وقعت باطلة بسبب الانحراف بها عن الغايات المقررة دستوريًا وقانونيًا، ويحق عليها بالتالي الجزاء المقرر قانونًا».

وتابعت المحكمة «كما لا ينال مما تقدم، ما ذهبت إليه المدعى عليها من عدم اتخاذ إجراءات جنائية ضدها، وبالتالي فإن ما صدر عنها لا يعد من المخالفات الجسيمة؛ ذلك أن المشرع لم يستلزم في المخالفة الجسيمة أن تشكل فعلًا يدخل تحت طائلة العقاب الجنائي، وإنما يكفي أن يصدق عليها هذا الوصف في إطار الظروف والملابسات التي وقعت فيها والنتائج المترتبة عليها، ومدى تأثيرها على أمن ووحدة واستقرار المجتمع».

وأوضحت المحكمة «انه لا يحاج بما تمسكت به المدعى عليها من أن ما صدر عنها من بيانات وتصريحات إنما يندرج في إطار «حرية التعبير» التي كفلها الدستور؛ ذلك أن حرية التعبير وإن كانت من الحقوق الطبيعية للأفراد بصفة مطلقة وعامة، إلا أن لهذا الحق حدود يقف عندها ولا يتعداها، فإن اندفع في عبارات خارجة تكيل الاتهامات بغير دليل، فإنه يكون قد ضل سبيله وأخطأ هدفه وفقد سنده المشروع وانقلب إلى فعل شائن وتصرف معيب، وبالتالي إذا ما أرادت المدعى عليها استخدام حقها في حرية التعبير، فإنه يتعين عليها دوام استحضار المبادئ العامة التي تعتبر بمثابة الركائز الأساسية التي يقوم عليها تنظيم المجتمع سياسيًا وإداريًا واقتصاديًا، وأن تكون حرية التعبير وسيلة للإفصاح السلمي عن آرائها ومعتقداتها على وجه يتحقق به التطور الاجتماعي والسياسي في البلاد، ولا يكون ذلك إلا من خلال أداء دورها في حدود التراخيص الممنوحة لها ووفق نظمها الأساسية التي أقرتها الجهات الإدارية المختصة».

وقالت المحكمة: «انه لا يغير مما تقدم، ما ذهبت إليه المدعى عليها من أن المدعي سبق وأن أقام دعوى ضدها مطالبًا بوقف نشاطها ثم ترك الخصومة في هذه الدعوى، مما يؤكد بأن المخالفات المنسوبة إليها لو كان لها سند، لكان المدعي قد رفع دعوى الحل سابقًا ولم يترك تلك الدعوى؛ فهذا الدفع مردود بأن المشرع قد أجاز للمدعي أن يطلب وقف نشاط الجمعية المدعى عليها لمدة لا تزيد على 3 أشهر تقوم خلالها بإزالة أسباب المخالفة، ومن ثم لا تثريب عليه إذا ما تراءى له أن المدعى عليها شرعت في توفيق أوضاعها فترك الخصومة في تلك الدعوى؛ حيث إن ذلك لا يحول بينه وبين المطالبة بحل الجمعية المدعى عليها إذا ما تكررت مخالفاتها، وكل ذلك من صميم دوره الرقابي المناط به قانونًا، لاسيما وأن بعض المخالفات المنسوبة للمدعى عليها في الدعوى الراهنة وقعت بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة التي تعرضت لها البلاد، على نحو ما سلف بيانه، وصدور أحكام قضائية بحل جمعية «الوفاق» التي أكدت المدعى عليها وقوفها وتضامنها معها، مُصرِحة بأن القرار الصادر بحلها «تقويض للعمل السياسي»، وكل ذلك كان بعد ترك الخصومة في الدعوى، المشار إليها، بما يكفى بذاته لاستنهاض السلطة المختصة ممثلة في المدعي -بصفته- وحثه على التصدي لهذه المخالفات من خلال الآليات المقررة قانونًا، ومن أخصها دعواه الماثلة للمطالبة بحل الجمعية المدعى عليها».

وعلقت المحكمة عن الدفع بعدم دستورية نص المادة (23) من قانون الجمعيات السياسية، المشار إليه، فقالت: «على سند من إعطائها صلاحيات للمدعي من شأنها النيل من جوهر الحقوق والحريات العامة بما في ذلك حرية التعبير عن الرأي، فهذا الدفع في غير محله؛ ذلك أن الدستور وإن حرص على كفالة حرية الرأي باعتبارها من الحريات الأساسية التي تحتمها طبيعة النظام الديمقراطي، كما يندرج منها ويأخذ حكمها حق المواطنين في المشاركة في السياسة، سواءً عن طريق تكوين الأحزاب السياسية أو جمعيات تكون وسيلة للإفصاح السلمي عن آرائها ومعتقداتها، إلا أنه لم يجعلها مغفلة الضوابط متحررة من كل قيد؛ فنص في جلاء ووضوح على أن ممارسة هذا الحق أو الحرية لا تكون إلا وفقًا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية؛ أساس ذلك أنه لا يتقرر حق إلا بمقتضى قاعدة قانونية، أيًا كان مصدرها، تكفل تنظيمه وحمايته بما يضمن عدم المساس بأصل هذا الحق تقييداً أو انتقاصًا، وهو ما يعد مفترضًا أوليًا لقيام دولة القانون وحجر الزاوية للنظام القانوني في الدولة المعاصرة. ومن هنا كان قانون الجمعيات السياسية، المشار إليه، الذي نظم حق المواطنين في تكوين الجمعيات السياسية، على نحو ما سبق الإلماح إليه، وخول وزير العدل سلطة رقابة أداء تلك الجمعيات، وفي سبيل ذلك مكنه من اتخاذ التدابير المناسبة لمواجهة انحراف هذه الجمعيات في مباشرة نشاطها السياسي، ومن أخصها ما تضمنته المادة (23)، آنفة الذكر، من أحكام تضمن عدم انفراد وزير العدل بإصدار قرار حل الجمعية المخالفة، وإنما توجب عليه، إذا ما ترجحت لديه أسباب تحمله على ذلك، أن يلجأ إلى القضاء لاستصدار حكم بحل الجمعية؛ بما يجعل رقابته رقابة متوازنة لا تميل اندفاعًا، بما يؤذن بانفلاتها من كوابحها، ولا تتراخى تخاذلًا بما يخرجها عن الأغراض التي تتواخها، ليظل أمرها دومًا مقيدًا بما يصون موجباتـــها، ويرعى حقائقها، وبما لا يعزلها عن جوهر مراميها كأداة تكفل سيادة القانون، ومن ثم فإن الدفع الماثل هو دفع غير جدي لا يقوم على سند من القانون، حريًا بالرفض».

ومن حيث إنه من جماع ما تقدم، تخلص المحكمة إلى أن ما نُسب إلى الجمعية المدعى عليها إنما يعد إخلالاً جسيمًا منها بأحكام قانون الجمعيات السياسية، المشار إليه، بما يتعين معه إجابة المدعي إلى طلباته لقيامها على سند صحيح من الواقع والقانون، دون أن ينال من ذلك ما أوردته المدعى عليها من دفوع وأوجه دفاع؛ لانطوائها على فهم خاطئ لأحكام القانون.

ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بحكم المادة (192/1/2) مرافعات.

فلهذه الأسباب، حكمت المحكمة أولًا: برفض الدفع بعدم دستورية نص المادة (23) من القانون رقم 26 لسنة 2005 في شأن الجمعيات السياسية والمعدل بالقانون رقم 34 لسنة 2014.

ثانيًا: بحل الجمعية المدعى عليها وتصفية أموالها وأيلولتها إلى خزينة الدولة، وألزمت المدعى عليها المصروفات.

وكان محامو «وعد» تقدموا بمرافعتهم وطلبوا في نهايتها بصفة أصلية: تقرير جدية الدفع بعدم دستورية المادة (23) من قانون الجمعيات السياسية، وتأجيل الدعوى لإقامة الدعوى بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية.

واحتياطياً: الحكم برفض الدعوى وتضمين رافعها المصروفات شاملة أتعاب المحاماة.

وقد تمسك المحامون بكافة أوجه دفاعهم الذي أبدوه بموجب مذكرتهم المقدمة بجلسة يوم 17 أبريل/ نيسان2017، واعتبار ذلك الدفاع جزءاً لا يتجزأ من دفاعهم الوارد بموجب هذه المذكرة.

وقال المحامون إنهم يضيفون إلى ما سبق بيانه أن نص المادة (23) من قانون الجمعيات السياسية، الذي أعطى الحق للمدعي في أن يطلب من المحكمة الكبرى المدنية الحكم بحل الجمعية السياسية، هو حق مقيد -دوماً- بالقيد الدستوري المنصوص عليه بموجب المادة (31) من الدستور والتي تنص على أنه «لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناء عليه. ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية»، وحيث إن الدعوى الماثلة تقع ضمن إطار اجتهاد السلطة التنفيذية لقياس الرأي المبدى بالطرق السلمية والمشروعة، والتي تنتقد فيها اعوجاجاً تعتقد بقيامه من قبل القائمين بالعمل العام أو أفعالهم، وهو ما يتعارض مع ما استقرت عليه مبادئ الفقه، وأحكام القضاء والقانون، مما يضحى معه الطعن بعدم دستورية المادة سالفة الذكر يبلغ مبلغاً من الجدية يستوجب معه، من عدالة المحكمة الموقرة، تقرير جدية هذا الدفع، وتأجيل نظر الدعوى، لتقيم المدعى عليها دعواها أمام المحكمة الدستورية.

العدد 5381 - الأربعاء 31 مايو 2017م الموافق 05 رمضان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 6:34 ص

      مثل الانباء المتضاربة عن فك الحصار عن مدينة الدراز

    • زائر 8 | 6:33 ص

      حل وعد بسبب مطالبها الوطنية بدولة مدنية ديمقراطية يتساوى فيها الجميع بدون استثناء في الحقوق والواجبات

    • زائر 6 | 2:00 ص

      يجب احترام قرار المحكمة والكل تحت طائلة القانون وكفانا مهاترات في هذا الموضوع وغيره والبلد لن ترجع إلى الوراء يأذن الله تعالى

    • زائر 5 | 12:25 ص

      لاتعليق
      حل الجمعية ليس هو الحل العقل هو الحل
      الجمعية مجرد مبنى ولكن تستطيعون توقيف الاشخاص عن عملهم الحقوقي والانساني

    • زائر 12 زائر 5 | 6:37 ص

      وهل الحل بيد وعد أو غيرها ، هم من أرادو فالبلاد والعباد سوء
      هناك جمعيات اضرت فالبحرين تحت مسميات وهمية لا وفاق ولا وعد ولا اصالة ولا منبر وان شاء الله الدور جاي للاثنين الأخيرين
      تعبنا بسبب هذه الجمعيات المتناحره اذا طالبتم بالحرية فلماذا تنساقون خلف الجمعيات خلكم أحرار واصحاب شأن مو شأنكم بيد هذه الجمعيات

    • زائر 4 | 10:30 م

      قال لهم الشابي :، يها الظَّالمُ المستبدُ حَبيبُ الظَّلامِ، عَدوُّ الحياهْ
      سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ وكفُّكَ مخضوبة ُ من دِماهُ
      وَسِرْتَ تُشَوِّه سِحْرَ الوجودِ وتبذرُ شوكَ الأسى في رُباهُ
      رُوَيدَكَ! لا يخدعنْك الربيعُ وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ
      ففي الأفُق الرحب هولُ الظلام وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ
      حذارِ! فتحت الرّمادِ اللهيبُ ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ.

    • زائر 15 زائر 4 | 7:26 ص

      ياأخي ارحمنيٰ شوية نحن في رمضان مافينا شدة الصياح وذرف الدموع تكتب لنا هذه القصائد المبكية الحزينة خلها لشهر عاشوراء علي الاقل الوقت يكون مناسب أكثر

    • زائر 21 زائر 15 | 2:08 م

      جاهل أنت و ربّ الكعبة ، ما علاقة الشابي بعاشوراء ؟؟؟ و ما علاقة الأبيات بالحزن و طرف الدموع ؟؟؟ ألا إنّ للجهل أحكامه !!!!!!

    • زائر 1 | 9:39 م

      انتم السابقون .. ونحن اللاحقون

    • زائر 20 زائر 1 | 12:27 م

      زائر 15
      سد حلجك وانجعم

اقرأ ايضاً