شبيهة بالطبيعة
شبيهة بالزغب، بالفكرة، شبيهة بالخطأ والنعومة
بدجاجة تحت ورقة موز، شبيهة بي أنا
وأكثر بمن هو ليس أنا
-بتصرف- هنري ميشو
السيد جومبهيرا. البنغلاديشي الأسمر ذو القامة الطويلة والشارب الخفيف. يغني طوال اليوم بأغانيهم التراثية ويبتكر رقصات ناعمة. هو لا يحسن غير ذلك. لذا لا يعرفونه إلا بهذا الاسم. وحين يناديه أحدهم باسمه الحقيقي فإنه لا يلتفت إليه إلا حين يمزج مناداته بإيقاع موسيقى. فيبتسم قائلاً: الآن تسمعك حبيبتي النائمة.
بقي أسبوع واحد وتبدأ الأيام الثقافية البنغلاديشية في مركز الفنون الدولي. وجومبهيرا غارق في تدريبات الفرقة الراقصة حيث يقودها بمساعدة المطربة رحمان أنيما التي ستغني أغنيتين الأولى: هاسون والثانية: لالون. أما هو فسيشرف شخصياً على أهم فقرة وهي الختامية. حيث يختتم أعضاء الفرقة الأمسية برقصة (جانما بهومي) التي ستوظف علم بنغلاديش بصورة ستبهر الجميع. اليد التي امتدت وربتت على كتف جومبهيرا بعد أن بقيا وحدهما في المسرح. تموسق اسمه كالآخرين وتسأله: وأنت. متى تسمعك حبيبتك؟!
لم يكن من عادته الإكثار من الكلام. لذا لف ذراعيه على خصرها النحيل واقترب من أذنها هامسًا: سترينها في كل مكان وأنت تغنين أغنية (نازرول) هل تدربتم عليها جيدًا مع السيد بوشبو؟ تهز رأسها وتكرر سؤالها. فيبتعد عنها خطوات ليجلس على كرسي خشبي وهو يحكي ببطء: قولي.. كيف ينجو قارب مكسور وسط أمواج متلاطمة في خليج البنغال. حين يتخلى المهربون عنه بعدما نفد الوقود؟ هل تجيد تشندرا السباحة إلى الساحل؟ فتاتي الجميلة تخاف من الكلاب السائبة وأصوات الرياح. هي تجيد فقط قطف الشاي في حقول سيلهيت. هل تتفقين معي بأن صوتي سيطوي روحها في ورقة شاي صغيرة ويسافر بها إلى هنا؟
تدني رقية كرسي آخر لتقترب منه وتجيب: ألم تشاهد الوجوه الضاحكة في لوحة الفنان جهاد نسيم؟ سيكشف عنها الستار غدًا السيد السفير. لقد رسم جميع أطفال بنغلاديش المنكوبة. أولئك الذين كانوا ينتظرون آباءهم وأمهاتهم العائدين من مصنع رانا المنهار. حتمًا ستحلق تشندرا معهم. هو يغمض عينيه لبرهة. أما هي فتحمل حقيبتها وتتجه لإطفاء الأنوار معلنة إغلاق المسرح.
في الغرفة العلوية التي يسكنها جومبهيرا. تنام في نافذته الوحيدة حمامة مع صغارها. يعود كل ليلة فيراها نائمة. يطيل النظر إليها دون حراك. مخافة إيذائها. يتذكر الوجه الذي لا يغيب. كيف يُمحى بهزة محركات تجعل من المبنى ذي الطوابق السبعة ينهار على أصحابه بمعداتهم. بخيوطهم وأقمشتهم وماكنات الخياطة الضخمة وأكواب الشاي المتسخة والخبز الناشف. فيصبحون في لحظة واحدة مخلوطين بالدم والتراب والحديد؟ لماذا أتت تشندرا في ذلك اليوم تحديدًا إلى المصنع لتخبرني بأنها ستنتقل مع عمتها إلى بلدة سافار. فتموت وأنجو وأهرب من وجهها الذي يلاحقني في مقابر جماعية ضمت ما يزيد عن الألف ضحية. هل الموت يشبه الحرب التي تبدأ بكلمة واحدة، بمحادثة هاتف، بمنشورٍ على الفيسبوك. فتقف أنتَ إلى جانب القتلة؟! لكنني لم أكن قاتلاً. كنت كتمثال المسيح الذي نصبوه في وسط الكنيسة فانهالت عليها القذائف بشكل مستقيم دون أن يتحرك. صديقي اللبناني عماد قال لي أن الأمر يشبه ما حدث إبان حربهم الأهلية. زوجته إيملي ماتت بهذه الطريقة البشعة. على ذراع المسيح اليسرى وقد التقت عيناها بعينيه. حيث مزقتها قذيفة مجهولة.
ترى هل ستترك لي تشندرا في عرض الغد فرصة لأدعك اسمها في فمي؟ أبحلق في الحمامة النائمة. أفكر طويلاً..
هل كل من حلمتْ به أطلقته في السماء!