على كرسي متحرك هو... وأنا كذلك. متقابِلَيْن أمام غرفة الطبيب
أنا أرتعش ألمًا، وهو ساكنٌ كجذع شجرة
ابنه فارع القامة كث الشعر أملسه، متململ ويطرق باب غرفة المعالجة كل خمس دقائق
أما زوجي فقد ذهب يبحث عن مسئول يشكو له التأخير.
التقتْ عيونُنا أنا والشيخُ العجوزُ قِبالتي
-«أنا أعرفُكَ، فهل تعرفني؟»
«...»-
ربما أصيب بالزهايمر أو أنني أنا أصبت بالهلوسة تحت تأثير آلام الحروق في فخذي الأيسر!
ربما لم أسأله إلا في مخيلتي!
ربما سمعني في مخيلته!
- «إن ابنَكَ يتَمنّى لو أنك تموتُ بسرعة كي يرتاح، أما زوجي فهو سعيد باندلاق الشاي المغلي على فخذي، فستتاحُ له فرصة العناية بي وإرضاء شعوره بالحاجة إلى من يحتاجه ويعتمد عليه... أنت لم تَعُدْ فردًا منتجًا، أما أنا فسلعةٌ فيها بقيةٌ من جسد وضَعْف شهيّ»
كان عليه أن يسمعني لأنني صادقة وأخبره الحقيقة التي يعرفها بصوت حانٍ لكنه ظلَّ مطأطئ الرأس فارغَ الملامح.
بدأت رائحة عفونة تنبعث مع هبوب هواء بارد من قاعةِ الاحتفال حيثُ يقيمُ الأطباءُ معرضًا للإسعافاتِ الأولية.
- «ألا يحممونك يا صغيري العجوز؟»
فرفع رأسه وكأنما شعَرَ بإهانة ما.
إنه يستجيب لأفكاري أو ربما أنا أهلوس تحت تأثير الغضب على زوجي وعلى قهقهة الأطباء والمسئولين في القاعة الباردة.
«إنني أنتظر أن يقشروا رماد فخذي ويفقأوا فقاعات الشاي أيها العجوز أخضرُ العينين، فما أنت منتظر هنا على عتبات المعالجة؟ لقد كان جسدي أبيضَ نضِرا، سودَّه الشاي المغلي صباحاً وزوجي فرِحٌ»
عادَ ابنُه متأففا نظاراته السوداء لم تخفِ اشمئزازه من رائحة الأبِ الكسيح الهزيل، ويبدو الكلل على ساعديه الفتيين.
- «أترى يا رفيق الألم كيف يمثّلون أمام كاميرات التلفزة خطوات الإسعاف على تلك الدمى، بكل إتقان ولُطف؟ هيا نكن دميتين! هيا نستلقِ أمام الممرضة في قاعة الاحتفال! نخلعْ حذائينا الفانجوخيين ونُسلمْ جِراحَنا وعجزَنا لشاشات البث المباشر على فضائية البحرين! أليس المهم أن نتخلص من الألم؟ أشعر بأن الجحيم يغلي على فخذي وأريد علاجا... آااااه! وأنت يا رفيقَ الانتظار ممَّ تشكو؟ هل تعفنتْ أصابعُ قدميك؟ هل تبولتَ على نفسِك اليوم أيضا؟»
انقطع غمامُ التخاطرِ بيني وبين الشيخ الذي لم يرفع رأسه ليردَّ على نظراتي .. بعودةِ زوجي ظافرًا يجرُّ أحدَ الأطباء من قاعةِ الاحتفال مهددًا برفع رسالة شكوى عند المسئولين.
فُتحَ باب غرفة المعالجة ودخل الطبيب معه ممرضتان بِيَدِ إحداهما أوراقي وبطاقتي الشخصية... وحين هَمَّ زوجي بدفع الكرسي المتحرك مددتُ يدي ولامستُ رُكبة الشيخ العجوز بخفةٍ معتذرةً لأنهم أدخلوني قبلَه، ولكنني ما كنت لأسمح لهم بإدخاله قبلي فأنا أتلوى من الألم والدمُ ينزُّ من جلدي المتفحم... أردتُ الشعورَ بأنني ملاكٌ طيبٌ لكنَّ الشيخَ تجاهلني تماماً كما يتجاهلُ نفاقَ أبنائِه دائماً... ويبدو أنه قد اعتاد الأمر.