العدد 95 - الإثنين 09 ديسمبر 2002م الموافق 04 شوال 1423هـ

حكاية أبوالرجال والمصباح

حدث في مكان ما على هذه الكرة الأرضية، أن رجلا يدعى أبوالرجال أراد زيادة إنتاج قريته من محاصيل زراعية وأعمال فخارية ومنسوجات، لتعم الرفاهية والتقدم القرية وأهلها ، فأخبر زوجته بهذه الفكرة فتحمست لها، وما لبثت حتى نشرتها في القرية وحشدت التأييد لتنفيذها، على رغم وجود قلة من المعارضين لها ، فبدأت الاجتماعات وجمعت التبرعات وتوجه ابوالرجال إلى اليابان لجلب هذا المصباح العظيم، وكان من مميزات هذا المصباح انه يعمل تلقائيا إذا غربت الشمس وما هي إلا سويعات حتى يصبح المصباح جاهزا للعمل، فحمله أبوالرجال على عجل وأتى به إلى قريته في الصباح الباكر وبدأ في تركيبه على سفح الجبل وتجمع الناس حوله منتظرين لحظة عمل المصباح، حتى إذا غربت الشمس أضاء المصباح كأنه شمس الضحى ابتهج الجميع وغنوا ورقصوا عدا المعارضين الذين عادوا إلى منازلهم آسفين على حال القرية، وجُعل ذلك اليوم يوما وطنيا يحتفل به كل عام . وفي اليوم التالي بدأ العمل بجد و إخلاص وعزيمة إلى أن حال الحول وإذا بإنتاج القرية يتضاعف إلى معدلات هائلة عمت بها الرفاهية القرية وكان ذلك هو الهدف المنشود من هذه الفكرة ، ورفع اسم ابو الرجال وزوجته، واصبحا رمزا للتقدم والرخاء ، ولما رأى أشراف القرى المجاورة هذا التقدم أرادوا أن يحذو حذو أبي الرجال وزوجته ولكن أهالي قراهم لم يقتنعوا بهذه الفكرة، وتمر السنوات والتقدم يزداد في قرية أبي الرجال، وبعد مرور سنوات كثيرة وقع ما لم يكن في الحسبان من انتشار الأمراض ، وقلة المحاصيل الزراعية وأصبحت الأرض بورا ، وقل إنتاج القرية إلى الصفر وانتشرت المشكلات الاجتماعية وعمّ الفقر والفوضى، وظهر المصلحون يحاولون إصلاح ما يمكن إصلاحه ولكن كان الفساد أقوى منهم .

وفي هذه اللحظات العصيبة خرج ابوالرجال بعد أن اصبح شيخا كبيرا وجمع الناس وخطب فيهم قائلا: «يا أيها الناس إن لكل منا في هذه الحياة دورا يؤديه يكمّل به الآخر فلا تخلطوا أدواركم وإن الله جعل لنا الليل لباسا وجعل لنا النهار معاشا فأردنا غير ذلك فأخللنا بالموازين، فتمتعنا قليلا ثم اضطررنا إلى عذاب أليم، وهذا جزاء كل من لا يرضى بحكمة رب العالمين ويُحدث خللا في الموازين ، ولم يسمع للناصحين وحتما سيرى عاقبة أمره، ولو بعد حين وما نحن فيه إلا من هذا المصباح اللعين فحطموه إنى لكم من الناصحين»، صدق الله العظيم إذ قال: «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ، وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأنثَى ، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى» وحُطم المصباح وعاد الناس إلى رشدهم بعدما عانوا سنين عديدة .

طارق حمد فارس

العدد 95 - الإثنين 09 ديسمبر 2002م الموافق 04 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً