العدد 95 - الإثنين 09 ديسمبر 2002م الموافق 04 شوال 1423هـ

هل وُلد المجلس النيابي ميتا؟

في وسائل الإعلام كما في الديوانيات والمجالس وقبل هذا وذاك في حوارات بعض الرموز الوطنية والسياسية والمنتديات العامة والإلكترونية كثيرا ما يتردد الاعتقاد بأن المجلس النيابي ولد ميتا أو ضعيفا لا يستطيع أن ينجز شيئا، ومع الاحترام الشديد إلى وجهة النظر تلك والمنطلقات القانونية والدستورية التي يتكئ عليها وتسببت في إرباك سياسي مرت به بداية المشاركة في الحياة السياسية في المملكة اعتبره عدد من المراقبين أول الاختبارات التي عاناها المجتمع ولا يزال يحاول بجد تلمس طريقه لتجاوز آثارها وتداعياتها لو استطاع.

ولكن دعونا نمعن النظر في صحة هذه المقولة - المجلس النيابي ولد ميتا وضعيفا لا يستطيع أن ينجز شيئا - فهي كما نرى وجهة نظر تقديرية وتحتاج إلى إثبات ودليل، فإذا أعدنا فحص الموضوع بتجرد فسوف نرى أن هذا المجلس يمكن أن يشكل نواة تجربة مديدة ذات أفق وتطلع إلى بدايات حياة ديمقراطية واعدة تحتاج إلى التعزيز والدفع من كل الخيرين من أبناء هذا الوطن والحريصين على استمرار انطلاقة مشروع الإصلاح والتحديث منطلقين في ذلك من قاعدة تدعو إلى اعتبار العملية الديمقراطية والمكاسب التي تصاحبها والمترتبة عليها هي محصلة لعملية تراكمية مرتبطة بمجريات الحراك المجتمعي العام وفي القلب منه حركة الاقتصاد والتنمية التي يجب أن يشترك في الإسهام في بنائها كل فئات وطبقات المجتمع بما يشمل المؤسسة التشريعية والجمعيات السياسية والمهنية والرموز والشخصيات الوطنية الفاعلة في البلاد وعلى الخصوص السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة التي يقع عليها عبء التخطيط والتنفيذ السليمين وقبل ذلك إبداء قدر أكبر من حسن النوايا. وذلك ما يدعو إلى أهمية توفير وحشد طاقات المجتمع كافة وتوجيهها لدعم هذا التوجه وتركيز العوامل المساعدة على استمرار هذا النهج.

لذلك ففي كل المجالس التمثيلية في مختلف دول العالم، نيابية، بلدية، محلية، في الدول المتقدمة كما هو الحال في النامية فإن الحكومة كممثلة للسلطة التنفيذية تسعى دائما إلى تمرير سياساتها وبرامجها وتشريعاتها بصورة سلسة وتوافقية سريعة من غير إملاء أو فرض. والبحرين لن تكون خلاف هذا الواقع ولا استثناء منه، إلا أن ذلك لا يمنع ممثلي الشعب المنتخبين الذين يتبنون القضايا العامة في تلك الدول من خوض غمار الصراع المرير ضد تلك البرامج والسياسات إذا تبين أنها لا تدعم حقوق المواطنين الدستورية والإنسانية، وإن الواقع ذاته لن يمنع ممثلي التيار الوطني والديمقراطي من الاعتراض والائتلاف مع النواب الخيرين منعا لتمرير القرارات غير الشعبية والمقيدة للحريات أو التي تحمي الفساد وتطلق أيدي الجلادين من منتهكي حقوق المواطنين الدستورية وكل ما هو في غير المصلحة العليا للمملكة وعزة وكرامة المواطن على هذه الأرض الطيبة، ومثل ما هنالك احتمال لحصول بعض التراجع في بعض المنعطفات وقبل استقرار التوازنات، فإن هناك أملا لحصول بعض عناصر التقدم لو أحسنت قوى المجتمع المؤثرة قراءة الواقع والعوامل المؤثرة فيه والمحددة لمساره وهو ما يفترض أن نستهدفه في عملنا البرلماني والوطني مما يجعل من مراكمة التقدم وتعزيز المكتسبات والإصلاحات والإنجازات ممكنا عبر السعي الحثيث إلى توطيد المنظور القائل إن العملية الديمقراطية تراكمية لا تأتي دفعة واحدة.

ومن هنا نرى أن علينا جميعا المضي بخطى حثيثة للأمام للابتعاد عن نقطة البداية والاقتراب من الهدف الذي نرمي إليه في بناء الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة حتى نجعل من العودة للوراء عملية غير ممكنة وليست ذات جدوى. وسوف يدرك الجميع ولو - بعد حين - ان ما سوف يتحقق من خلال الممارسة السياسية الصحيحة داخل وخارج البرلمان سيجعل من مشروع الإصلاح خيار بناء الوطن وأمل أطفاله في المستقبل وأحد أهم محاور تحقيق المطالب الشعبية والارتقاء بمستوى أداء التنمية الاقتصادية والمجتمعية على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما سوف يؤدي له هذا الحراك المستمر من تطوير في المستوى المعاشي للمواطن البحريني. غير ان على جميع القوى المؤثرة والدافعة لمسيرة تطور المجتمع الإدراك ان الوصول إلى هذه الغاية لا تتم عبر آلية الخط الهندسي المستقيم بل إن ذلك سوف يمر حتما عبر خط متعرج يرتفع حينا ويهبط أخرى، وبالمثل ربما يكون سقف التوقعات والآمال المعلقة على الأداء والإنجاز مختلفا يتسع حينا ويضيق أخرى بحسب معطيات الزمن، ما يرتب مسئولية على جميع الغيورين والحريصين وهي ألا يجعلوا هذا المنحنى يهبط إلى درجة الصفر والعدم وفقدان الأمل من خلال إبداء حرص أكبر على إبقاء اقنية الحوار مفتوحة وذلك عبر المبادرة بالفعل المحسوب وليس بمعيار الربح والخسارة اللحظية، لأن هنالك من المعطيات الموضوعية ما هو اكبر وأعمق، وهي المصلحة المجتمعية في الدفع بأجواء الانفتاح وتعزيز المكاسب على الصعيد الاقتصادي الذي سينعكس - حتما- فعلا إيجابيا على الجبهة الاجتماعية والشعبية.

عبدالهادي مرهون

عضو مجلس النواب

العدد 95 - الإثنين 09 ديسمبر 2002م الموافق 04 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً