مدينة «يزد» من المدن القديمة المشهورة في الشرق، وكانت تعرف قديماً بأسماء شتى، من ذلك «دار العباد» و«ايساتيس» و«فرافيرج»، كما دُعيت أيضاً بـ«سجن الاسكندر»، وفقاً للروايات التي ذكرت أن الاسكندر المقدوني قد بنى في موضعها سجناً، ثم شُيّدت المدينة فيما بعد وحملت ذلك الاسم.
ومن أهم ما تميّزت به مدينة يزد عبر تاريخها الطويل، أنها كانت المركز الأول للديانة الزرادشتية، وحين دخل الإسلام إلى إيران فتحت يزد، وصولح أهلها على دفع الجزية، ثم دخل مجوسها في الإسلام بمرور الوقت حتى لم يبق من أتباع زرادشت إلا فئة قليلة في تلك الأنحاء. وهاجر الكثير منهم إلى بومبي في الهند، حيث تعتبر اليوم مركزها الروحي الأول.
وحسبما يشير الباحث والمحقق العراقي محمد سعيد الطريحي - وقد عاش سنوات طويلة في الهند وجاب العالم في سبيل ملاحقة المخطوطات العربية والإسلامية - فإن الجالية الزرادشتية من أقدم الجاليات والطوائف التي استوطنت الهند منذ ما يزيد على ألف عام، ولهم مؤسساتهم وهيئاتهم الاجتماعية والثقافية ومعابدهم الخاصة، ولديهم خزانة كتب حافلة بالمخطوطات العربية والفارسية والهندوستانية والانجليزية وغيرها، وقد وضع الطريحي فهرساً لمخطوطاتها العربية في كتاب «المخطوطات العربية في الهند».
يعيش في يزد اليوم مجموعةٌ مختلفةٌ من الأديان والمذاهب، من المسلمين والمسيحيين والزرادشتيين واليهود، كما تحفل المدينة بمعالم تاريخية وثقافية مهمة، منها «مكتبة الوزيري» التي تزخر بمخطوطات عربية وإسلامية بالغة الأهمية، فما هي حكاية هذه المكتبة؟
هذه المكتبة هي ثمرة من ثمرات العمل الخيري الأهلي، وتجسيدٌ حيٌّ لشغف الإيرانيين بالمعرفة واحترامهم للعلم، وصاحب الفكرة التي تحوّلت إلى صرح ثقافي كبير هو الحاج السيد علي محمد الوزيري، أحد علماء يزد ومن أشهر عشّاق الكتب فيها. وقد بدأ السيد علي الوزيري منذ عام 1954م/ 1333هـ بتأسيس مكتبة عامرة تزخر بآلاف الكتب المطبوعة والمخطوطة، وفي العام 1955 خصّص للمكتبة زاوية في شمال غرب مسجد الجامع الكبير في يزد، عند المقبرة الخاصة بأسرة الوزيري وأئمة المسجد المذكور، وبقيت هناك حتى العام 1956، حيث انتقلت فيما بعد إلى مقرّ جديد بني بدعم سخي من أهالي يزد الخيّرين.
وفي العام 1959 أهديت إلى مؤسسة «آستان قدس رضوي» في مشهد خراسان، وبقيت في مكانها الأول، غير أن دور الإشراف عليها أصبح للمؤسسة المذكورة، ضمن التوجه الرسمي للحكومة الإيرانية الذي أخذ يولي اهتماماً متزايداً بالإشراف على المكتبات الخطية في البلاد خصوصاً بعد الثورة الإسلامية.
وقد عمل محمد الشيرواني على فهرسة مخطوطات هذه المكتبة في كتابه «فهرست نسخه هاي كتابخانه وزيري يزد» وصدر باللغة الفارسية في خمسة مجلدات في الفترة من العام 61 – 1969م، ثم قام محمد سعيد الطريحي في العام 1988م بإعداد «فهرس مكتبة الوزيري بيزد» ضمن سلسلة المخطوطات العربية في إيران.
أهمية هذه المكتبة بالنسبة لنا أنها تضمُّ ميراثاً علمياً مخطوطاً لعلماء البحرين، ويحفل فهرس المخطوطات العربية في مكتبة الوزيري الذي أعدّه الطريحي بطائفةٍ من أعلام مؤلفي المخطوطات البحرينيين ممن لهم تراث علمي وأدبي في المكتبة المذكورة، منهم: أحمد الزنجي البحراني، وحسن بن هاشم البحراني السماهيجي، وعبدالحسين بن أحمد الإصبعي البحراني، وعبدالله بن سليمان الحسيني البحراني، عبدالله بن نور الله البحراني، وهو من تلامذة العلامة المجلسي، وعلي بن أحمد الجدحفصي البحراني، ومحمد بن عبدالله البلادي، ومرتضى التوبلي البحراني، ومفلح بن حسن الصيمري، والفيلسوف العارف ميثم بن علي بن ميثم البحراني، والمُحدّث السيد هاشم بن سليمان البحراني صاحب «تفسير البرهان»، ويحيى بن عشيرة البحراني، والفقيه الشيخ يوسف بن أحمد آل عصفور صاحب «الحدائق»، والشاعر الكبير الشيخ حسن الدمستاني.
مكتبة الوزيري، واحدةٌ من عشرات المؤسسات التي ساهمت في حفظ التراث العربي والإسلامي، وتعهّدته بالحفظ والرعاية والنشر، إلى جانب مكتبات ومؤسسات ومراكز أخرى كالمكتبة الرضوية في مشهد، وفي طهران مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، وفي مدينة قم مكتبة المرعشي النجفي، ومكتبة السيد الكلبيكاني، ومكتبة إحياء التراث الإسلامي، ومؤسسة أهل البيت لإحياء التراث، ومكتبة المسجد الأعظم، ومكتبة جامعة شيراز ومكتبة السيد محمد علي الروضاتي في أصفهان وغيرها.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 5379 - الإثنين 29 مايو 2017م الموافق 03 رمضان 1438هـ
الله يعطيك العافية، هل هناك مكتبة وطنية في البحرين تحتفظ بنسخ من هذه المخطوطات؟
هناك جهود فردية ، ولايوجد عمل مؤسسي منظم في هذا الاطار حسب علمي
استاذ مقال مهم وجهد مشكور كم نحن بحاجة لمثل هذه المعلومات المهمة عن علماء وأدباء البحرين ، نرى في كل مدن العالم تنصب لكتابها التماثيل وحتفل بكاتب من هذه المدينة أو نلك ويحفظ ويعتز بعلماء وأدباء كل مدينة حصوصا في مدن أوربا وحتى بيوتهم وأماكن ولادتهم ونحن أبناء أوال لنا الفخر ان أنجبت ارضنا الطيبة نخب من اللمع النجباء خلفوا كنوز من التراث مهمة ، جزاك الله الف خير أيها الكاتب الفاضل على هذا المقال واسأل الله لك التوفيق والسداد والى المزيد من المقالات ، لا حرمنا الله فوائدها