الطبيعة البشرية مجبولة على التعلق بما حولها من بشر وجمادات. فكيف بالأهل والأحبة والأصدقاء؟
يجيء شهر رمضان على بعض القلوب ناقصاً، على رغم جماله وروحانية أجوائه وشوقنا إليه في كل عام. ناقصٌ حين يغيب عن أوقاتنا أحد.
الغائب خارج البلاد لأي سبب كان قسرياً أو اختيارياً، والغائب لمرض، والغائب لسجن أو أسر، والغائب لسوء فهم أو خصام، والغائب تحت الثرى غياباً أبدياً. كل هؤلاء غائبون بأجسادهم، حاضرون بذكراهم «يفطرون» القلب بغيابهم وخاصة في وقت «الإفطار».
بعض الغائبين اعتدنا أدوارهم عند تجهيز مائدة الإفطار، بعضهم اعتدنا سماع أصواتهم وهم يرتلون القرآن في المجلس كل ليلة، وهناك من اعتدنا وجودهم وتفقدهم لمن حولهم بحنانهم وروعة مشاعرهم. كل هؤلاء يكون غيابهم ثقيلاً يجعل في القلب غصة عند تذكرهم.
هذا الغياب يجعلنا نتشبث وندعو للتشبث بمن حولنا ممن جعلهم الله نعماً لقلوبنا. يداوون جراحنا حين يجرحنا طارئ، ويجبرون كسورنا حين يكسرنا الألم، ويشاركوننا فرحتنا وأحزاننا، ويأخذون مكانهم الذي لا يمكن لغيرهم أن يملأه. هؤلاء نعم الله علينا ربما لا نشعر بجمال وجودهم وأهميته إلا حين نفقدهم ولو ليوم واحد. وربما نشعر بذلك كله ونعرفه جيداً ولكننا لم نبدِهِ لهم قط، وهو ما قد نندم عليه يوماً، حين يغيبون عنا ولا نستطيع أن نخبرهم بما كنا نشعر به تجاههم.
جاء شهر رمضان ككل عام، وبعض القلوب تحن حنيناً شديداً لغائب قد لا يعود يوماً، أو لغائب ربما يعود ويكون حاضراً في مكانه في العام المقبل. هذه القلوب تحتاج لمن يواسيها ويقف إلى جانبها، وخصوصاً حين يكون غياب عزيز عليها غياباً قسرياً رغماً عنها وعنه، وخصوصاً أولئك الذين غاب عنهم حبيب بسبب الموت أو النفي أو الأسر.
ربما نذكر هنا تهنئة أحد البنوك التي استطاعت أن تصل إلى القلوب جميعها، لأنها لامست هذا الجانب الذي لا يخلو منه أي منزل ولا تخلو منه القلوب، ففي كل قلب ذكرى لأحد غاب لأي سبب ذكر أعلاه أو لم يذكر. ربما لا يكون غيابه صاخباً في الأوقات العادية على رغم وجعه، إلا أن هذه المناسبات التي ننتظرها في كل عام تجعل من غيابه جامحاً لا يلجم ألمه أي لجام. لجميع الغائبين غياباً مؤقتاً على الأرض، كل عام وأنتم بخير، ولجميع الغائبين غياباً أبديا تحت الأرض لتغمركم رحمة الله وغفرانه. وكل عام والجميع بخير.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 5378 - الأحد 28 مايو 2017م الموافق 02 رمضان 1438هـ