لم يكن تصريح رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان عن خطورة تكدس وانتشار الأجانب وتزايدهم في دولة الامارات، صاعقة في سماء خليجية صافية بل في سماء تلبدت بالغيوم المخيفة لما يمثله الأجانب من تهديد واضح للهوية الاسلامية، وللهوية القومية، وما يمثلونه من خطر على اقتصادنا وسياستنا وحياتنا الاجتماعية ايضا، إذ أعرب الشيخ زايد «عن قلقه لتكاثر الأجانب في دولة الامارات - على رغم كبر حجمها ووفرتها المادية - إذ يشكل الأجانب 85 في المئة من سكانها البالغ عددهم 3 ملايين نسمة وأكثر من 90 في المئة من القوة العاملة».
إن الشيخ زايد أبدى قلقه على رغم ان دولة الامارات من اشد الدول الخليجية انضباطا في عدم منح الجنسية - على رغم قلة عدد المواطنين قياسا بحجم مساحة الدولة - او التساهل في اعطائها من هبّ ودب. فهو يبدي قلقه على رغم عدم تبني الدولة مشروع تجنيس، وعلى رغم ان المواطن الاماراتي مقدم في كل شيء على الاجنبي وله تميزه وبطاقاته الخاصة واستحقاقاته الوطنية والخدماتية الخاصة وفوق ذلك يتميز بالدخل الرفيع وبالدعم اللامحدود اقتصاديا واجتماعيا.
وهذا الحرص والحساسية البالغة من التفريط في الجنسية الاماراتية أديا إلى عدم اعطائها حتى مستحقيها من مواطني الدول الخليجية. فالامارات قام جزء من عمرانها الحداثوي والعمراني والتكنولوجي ايضا على ايد بحرينية وعلى كوادر وطاقات علمية بحرينية عملت في الامارات في الستينات والسبعينات وعلى رغم ذلك لم يحصل غالبية هؤلاء على الجنسية الاماراتية على رغم الكرم الاماراتي في المواقع الاخرى.
لعل البعض يتساءل: لماذا طرقت هذا الباب (التجنيس العشوائي). ان مثل هذا السؤال لن يأتي على لسان القريبين من الواقع بل من يعيشون في عاجية مفرطة ولكن على رغم كل ذلك سأطرح بعض هذه الاسباب.
- وانا أشهد حالات الفقر المأسوية المتناثرة هنا وهناك يستفزني كثيرا القفز على ذلك والالتجاء إلى مشروعات تزيدنا اعباء اضافية وتهدر موازنتنا في حين يبقى مستوى الفقر على حاله اللهم إلا من خطوات كريمة - وان كانت محل تقدير - إلا انها لا تستطيع استيعاب ومسح أكثر المناطق. هذا اولا وثانيا وهو المهم: يجب ان نعرف طبيعة تشكل المستقبل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للمجتمع البحريني:
1- ازدياد في الفقر لأن هؤلاء - بعد انتهاء عقودهم - لن يرحلوا بل سيبقون يحلبون البقرة حتى آخر قطرة دم وسيضاعف ذلك من حجم البطالة، فبدلا من ان يكون هناك احلال سيكون هناك استيطان وتشبث بكل استحقاقات المواطنة ويؤسفني جدا ان يقدم بعض اكاديمي جامعة البحرين طلب تعويض - بعد تسلمهم الجنسية البحرينية - او تقاعد بأثر رجعي يوم ان كانوا بلا جنسية فهم بالامس حصلوا على كل المميزات الخدماتية من اموال وعلاوات وتذاكر وسكن مجاني واليوم يطالبون بأن يعطوا مميزات المواطنة لفترة بقائهم بلا جنسية.
هذا ليس منطقيا وإلا فمن حق المواطنين المطالبة بتلك المميزات التي كانت تعطى لهؤلاء قبل تسلمهم الجنسية.
2- ان من اكبر المشكلات التي تعيشها دولنا العربية عدم استشرافها للمستقبل. فلو جئنا إلى مسألة التجنيس العشوائي فهي تمثل لغما اجتماعيا قد يسبب ازمة تأتي مردوداتها على النسيج المجتمعي البحريني وذلك بظهور بوادر افكار منمطة قد تؤدي إلى فتن عرقية في المستقبل البعيد وخصوصا مع عدم تقبل المجتمع اندماج مثل هذه المجموعات البشرية. ويعرف علماء النفس الافكار المنمطة بأنها عبارة عن رؤية شعبية عدائية يأخذها مثلا شعب ضد مجموعة معينة تعيش معه في الأرض ذاتها فهي عبارة عن افكار تحمل طابعا إدانيا وتحقيريا لمجموعة سكانية معينة انطلاقا من فروق عرقية أو دينية او قومية او سياسية وتؤدي إلى بروز تحيزات ومواقف عدائية: مثلا الموقف من السود الافارقة انطلاقا من أحكام منمطة يطلقها عليهم الاميركان البيض على ان الزنجي هو الاسود الكسول الخامل... وتارة تكون هذه التصورات ظالمة وتارة موضوعية فيجب ألا يعاتبنا أحد ان أخذنا تلك الصورة القاتمة لبعض المجنسين ونحن نرى سلوكيات أكثرهم تقوم على التسول وطرق البيوت، والتعجرف السلوكي، والنهم في حب المال وخلق المشكلات وغير ذلك. يقال ان بعض هؤلاء يعمدون لبيع واستغلال كل شيء حتى (الدواء المجاني) الذي تعطيه الدولة لهم فبعضهم اتخذ ذلك طريقا للحصول على الدواء وبيعه في الوطن الام.
هذه السلوكيات تدفع باتجاه عدم اندماجهم في المجتمع البحريني مما يولد في داخلهم ازمة هوية وغربة قبول وعقدة حقارة قد تترجم غدا إلى سلوكيات جانحة او اجرامية تتلبس بألبسة عرقية فتزداد الهوة بينهم وبين المواطنين الاصليين.
ولكن التمني لا يفيد ولا يمكن ان يوقف منغصات المستقبل ما لم توضع آلية قانونية حذرة تراعي القانون في منح الجنسية البحرينية وتكون هناك اولوية للمواطن وخصوصا اننا نعاني من ازمات اقتصادية خانقة وهي كالآتي:
- ألف عاطل عن العمل بحسب تصريح بعض المسئولين.
- قرى كثيرة مازالت تعاني الاهمال الرسمي وما يطرح في الصحافة من صور ومشكلات وشكاوى غيض من فيض.
- مستوى دخل الفرد البحريني مازال متواضعا وإلى يومنا هذا لم يقنن قانون للحد الادنى لاجر العامل البحريني مازال بحرينيون يتقاضون راتب 80 دينارا أو 100 دينار في حين بعض المجنسين وفي العمل نفسه يحصلون على 450 دينارا.
- مازالت هناك بيوت تسكنها اشباح الفقر على رغم مرور 30 عاما على الطفرة النفطية، تمر على منازل في القرى لا تظن انها لعوائل بحرينية، تنظر إلى شوارع بعض قرانا فتجدها مهملة بشكل ملفت للانتباه في حين كيف هي (سافرة) وغيرها من مناطق هؤلاء؟
- عندنا اكاديميون بلا عمل وفوق كل لك نرى متجنسا سنة اولى يمتلك كل الامتيازات والصلاحيات وفي افضل القطاعات، فلو كان الشعب ملائكيا فلن يقبل بذلك فكيف نراهم وهم يوظفون ويسكنون في حياة حريرية ونحن المواطنين الاصليين نعاني الأمرين بل ما يقلقني اكثر هو عزلهم في كنتونات اسكانية كما هو حادث في سافرة.
ان بعض هؤلاء لا نعلم عنهم شيئا، فهم لا يختلطون مع المجتمع وان اختلطوا أصبنا بالكوارث.
اذن المواطنون البحرينيون يجب ان يقدموا في كل شيء في الخدمات الصحية والتعليمية والاسكانية وغيرها وليت وزارة التربية تفصح عن تلك البعثات التي قدمت (قبل التغيير الوزاري الاخير) إلى المجنسين ... ولكن لا حياة لمن تنادي.
- هل لنا ان نوجه سؤالا إلى وزارتنا الكريمة عن سر تجديد عقود مدرسي الكمبيوتر في قطاعات الوزارة؟ ألا يوجد بحرينيون تخصص حاسوب آلي عاطلون حتى تجدد عقودهم؟
- لماذا جنس أكثر مدرسي المدارس الخاصة تحت الستار؟ ولماذا تعامل المعلمة البحرينية والبحريني معاملة ظالمة سواء على مستوى الاداء الإداري او شحة الراتب؟ لماذا نفضت الوزارة يدها منهم وتركت لمالكي هذه المدارس الخاصة التعامل معهم بلا حساب؟ هذا قبل ان يجنسوا فكيف ستكون العملية بعد التجنيس؟ انهم يعصرون فهل ستنظر إليهم الوزارة ام سيكون حليفهم الموت البطيء كما فعل الوكيل بدر السادة مع المواطنين البحرينيين عندما ألغى 80 شهادة بكالوريوس وجعلهم في العراء؟ اما جمعية المعلمين فلا استطيع ان اقول لها إلا: «صح النوم، ونام حبيبي نام حنفرخ بيض وحمام».
- بعض التجنيس يقفز على القانون ويأتي بسبب معارف وعلاقات مع متنفذين (ولا من شاف ولا من دري) فهناك خدم جنسوا وعمال، فلو ذهبنا إلى مناطق وجودهم لأصبنا بالذهول. وتلك حقيقة لا مفر منها: ليس من الوطنية في شيء التساهل في تجنيس ومنح هذه الجنسية العزيزة على قلوب كل البحرينيين من الرفاع إلى المحرق وسترة حتى بني جمرة لكل من هب ودب من غجر سدج وبدو اقحاح. ولماذا يعطون هذه الجنسية؟ هل هم ساهموا في بناء هذا الوطن؟ اننا لم نرهم يوما طالبوا بحق من حقوق المواطنين... هل ترافعوا عن بطالة ابنائنا؟ هل دافعوا يوما عن قضيتنا الشرعية والوطنية العظيمة في مطالبتنا بجزر حوار؟ هل كانوا معنا عندما وقفنا ضد الطمع الايراني البغيض يوم طالب الشاه بأرضنا؟
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 94 - الأحد 08 ديسمبر 2002م الموافق 03 شوال 1423هـ