تعتبر الصحافة من اهم معالم الحياة العصرية ولا يمكن اغفالها بأي شكل من الاشكال. والصحافة عندما نشأت مع تطور النظم الحديثة للدولة والمجتمع كانت لأداء دور معين يتمثل في ايصال الاخبار إلى أفراد المجتمع كي يستعد كل واحد منهم لما قد تحمله هذه الاخبار من امور تتعلق بالحياة اليومية. ثم تطور هذا الدور لنقل وجهة النظر وانتقاد المفاسد واستيضاح الامور واقتراح الحلول وتوفير الخدمات.
والصحافة عندما تطورت واخذت دورها الفاعل اتسمت بدور ناقد ومشكك وناقل للخبر غير الاعتيادي. فالاخبار الروتينية التي يتوقعها الناس ليست اخبارا حقيقية. هذا الدور ادى إلى ظهورها باعتبارها سلطة منافسة للسلطات الاخرى في الدولة، إلا انها سلطة ليست تابعة للدولة، وانما للمجتمع. ولذلك يطلق عليها «سلطة الرأي العام».
وكان احد اعضاء البرلمان البريطاني المفكر ادموند بيرك (عاش بين 1729 و1797) اول من وصف الصحافة بـ «السلطة الرابعة»، وكان عندما استخدم مصطلح السلطة الرابعة يقصد بالسلطات الاخرى: الملك والكنيسة والبرلمان، بخلاف ما يتصوره البعض ان المقصود هو السلطة الرابعة بعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. ومع استقامة السلطات لاحقا (في القرن التاسع عشر) على اساس هذا التوزيع الواضح (تشريعية، تنفيذية، قضائية) اتخذت الصحافة وصف السلطة الرابعة بكل جدارة.
غير ان الدول التي تسيطر عليها الدكتاتورية تحوِّل كل شيء إلى السلطة التنفيذية. فالسلطة التنفيذية هي السلطة التشريعية وهي السلطة القضائية وهي ايضا تسيطر على الصحافة. وبالتالي تصبح الصحافة بوقا يستخدم في سوق النخاسة السياسية التي تستعبد كل انسان وتحوِّل الحياة الكريمة إلى ارض بوار او مقبرة جماعية او اقفاص تحوي بني البشر.
في هذه الحال فإن الصحافة تعتبر اللسان الناطق للظلم الذي يبث بياناته إلى المواطنين الذين لا يتوقعون قراءة اي شيء يفيديهم ولا يرون صورة الواقع منقولة على صفحات تلك الصحف ولا يصدقون أية كلمة مما يقال. ولكنهم مع ذلك مضطرون إلى قراءة الصحيفة لأنهم بشر ويودون معرفة اخبار الآخرين حتى لو كانت لمن لا يعترف بهم ومن يسعى إلى اضطهادهم باستمرار. وهذا ما شرحه القصصي «جورج اورويل» في احد كتبه، اذ يشرح فيه صفات «الاخ الاكبر». والاخ الاكبر هو المصطلح الذي استخدمه ويرمز فيه إلى «الدولة». فالاخ الاكبر (الدولة) يراقب الاخ الاصغر (المواطن) ويؤذيه. وعندما لا يجد الاخ الاصغر غير الاكبر رفيقا يحن إليه ويحن إلى ما يوفره له لإشعاره بأنه جزء من مجموعة بشرية. وحتى لو كان الاخ الاكبر معذبا فإن الاخ الاصغر مضطر إلى الاشتياق إلى الاخ القاسي. وهكذا ايضا، فإن «صحافة الاخ الاكبر» هي صحافة نخاسة، يستخدمها ذلك الاخ الاكبر القاسي بوصفها واحدة من الوسائل لايذاء الاخ الاصغر.
ومما لا شك فيه، ان جوهر المشروع الاصلاحي البحريني يكمن في عدم ايذاء المواطن، وعليه فإن الصحافة ومن باب الامانة للوطن والمواطن يجب عليها ألا تكون وسيلة إيذاء وألا تكون سوطا على المظلوم.
وعندما ندشن مرحلة انفتاحية فإنه يتوجب رفع «الوصاية» عن الصحافة، «والرقابة المسبقة» على الكتب، وازالة كل المواد القانونية غير العادلة التي تحاول تجيير الصحافة لاجواء ما قبل الانفتاح.
على اننا ايضا لا ندعو إلى صحافة «نحيسة». فبعض الصحف التي تحصل على حرية الكلمة تمارس النحاسة وتناحس في كل شيء من باب «خالف تعرف». اننا نؤمن بأن الصحافة مسئولية وامانة، ونؤمن بأننا في ارض طيبة لا تقبل إلا الكلمة الطيبة، ومن اجل ذلك فقط تأسست «الوسط» وهي بإذن الله ستبقى مخلصة لأسباب وجودها، ولن تفرط في قول كلمة الحق خدمة للبحرين وأهلها
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 94 - الأحد 08 ديسمبر 2002م الموافق 03 شوال 1423هـ