ضمن اصدارات دار "نينوى للدراسات والنشر والتوزيع" الحديثة، صدرت مجموعة قصصية للأديب والكاتب البحريني الراحل عبدالله خليفة وسمت بـ "ضوء المعتزلة" حيث اشتملت على عدد من القصص التي كتبها الرحل قبل وفاته وكان من بينها «ضوء المعتزلة ــ جزرُ الأقمار السوداء ــ سيرة شهاب ــ معصومة وجلنار ــ سارق الأطفال ــ شظايا ــ الترابيون».
نص من المجموعة:
لكَ النورُ والظلالُ والحلم أيها الشراع، لك الفضاء المفتوح تتجه لجزرِ الكنوز والنساء. وراءنا الشواطئ الرثة الضاجة التعبة المهترئة تحاصرنا تخنقنا ثم تنثرنا في البحار والمدن البعيدة والبلدان النتنة. لا تلقي نظرةً طويلةً للوراء، حتى لو تحطم الخشب أسبحْ، أسبح، حتى تصل للجزر، للجبال فيها، للعطاء داخلها، لتصل للساحرات، النساء المتجددات عذريةً.
الهواء الحار يلفحكم، الرجال يجدفون، وينفخون بأنفاسهم وأيديهم الهواء, الظهيرة قاسية، الموج يضربُ الحطبَ اليابس ويكاد يشققه، هذه الكتلة المحدودة المثقلة بالأجساد والأشياء الموضوعة في الخن، وبالأشباح الكثيرة وذكريات الموتى ورغبات الأجساد العارمة التي تصطدمُ بعرق الرجال وزنخهم، الذين يتعرون ويساقطون في الظلمة فيم مياه البحر اللذيذة المنعشة.
ليس قربك سوى الربان طارش يهمهمُ ويغمغم، يتصلُ بكائناتهِ العليا، يتطلعُ للنجوم والكواكب والشهب ويراسلها، يلقي عليها مياهاً مقروءً عليها، متبلات بنفحِ الطيب المحمدي فتندفع المياهُ في قوالب ممتدةٍ كأنها صاعدةٍ من نافورة. رأسُهُ الصلعاء مضاءة، جمجمته فيض نور. هذا الربان العجوز كأنه حيةٌ تجددُ شبابَها في كل سنة، يعرس، يسكن أكواخاً وبيوتاً جديدة، ينجب قبائل من الأولاد والبنات، يختفي، يظهرُ في أمكنةٍ أخرى، كأن البناتَ تغيرُ جلدَه، والعيالُ يسلخونه، يهرب للألق، للمغامرات الغريبة، يلتقي بالسحرة والعلماء والربابنة.
فكيف الآن يقشعرُ جلدُهُ من المغامرة الكبيرة القادمة؟
تلك التي أعددتَ لها طويلاً.
يلتفتُ إليه مروِّعاً:
ــ حلمت البارحة يا غانم حلماً مخيفاً، هذه السفينة سوف تتصدع!