من الملاحظ في السنوات العشر الأخيرة خصوصاً، أن هناك هوساً غير طبيعي في تهافت الكثير من الشباب البحريني على الماركات المشهورة، سواء كان ذلك التهافت على شراء السيارات والألبسة ومختلف الاحتياجات الأساسية وبعض الكماليات، حتى أصبح الشاب العقلاني، الذي يبحث عن البضاعة الجيدة، بعيداً عن أية ماركة مشهورة ينظر إليه بدونية في أوساطه الشبابية، وينعت بنعوت غير لائقة أخلاقياً، فهوس الماركات التجارية المشهورة عالمياً يجعل الشباب يذهبون إلى شراء سياراتهم وملابسهم وإكسسواراتهم وساعاتهم بأسعار باهظة جداً، التي تثقل كواهلهم وتفرغ جيوبهم، وليس هذا الهوس مقصوراً على الأغنياء وميسوري الحال في المجتمع، فحتى أبناء الأسر الفقيرة انتقلت لهم هذه العدوى غير الحسنة، التي لا تتناسب ولو بنسبة واحد في المئة مع أوضاعهم المالية، ما يجعل الخناق يشتد على آبائهم وأسرهم، الذين يعانون الأمرين من ضعف دخولهم الشهرية، وخصوصاً في مواسم الأعياد والمناسبات العائلية، ناهيك إذا كان عدد أولادهم وبناتهم كبيراً.
تصوروا كيف سيكون حال الأب الذي لديه 5 أبناء، وجميعهم لديهم هوس بالماركات التجارية في الأعياد والمناسبات العائلية؟ بالتأكيد أن تلبيته لاحتياجاتهم الأساسية من الملابس وبقية المتطلبات والمستلزمات اللازمة في مثل هذه المناسبات، يحتاج أن يوفر له المبالغ الكبيرة تفوق قدراته الاقتصادية، أحد الشباب قال لنا كلاماً عن بعض الشباب الذين يلهثون وراء كل جديد من الماركات التجارية، فلو لم نثق بكلامه، لكان من الصعب جدا تصديقه، ومن ضمن ما قاله الشاب عن هذا الشأن، أن هناك ماركة من ساعات اليد يصل ثمنها إلى 80 ألف دينار، وبعض الشباب من أجل أن يقتنونها يلجأون إلى الاقتراض من البنوك، وليس لديهم أي مانع بأن يكونوا مديونين للبنك طوال 10 سنوات متتالية، في سبيل أن يتباهوا أمام أصحابهم وأقرانهم من الشباب، بأنهم لا يلبسون ولا يركبون ولا يقتنون إلا من أغلى الماركات التجارية، حتى ولو بقيت جيوبهم شبه خالية.
فمقياس الجودة لديهم لا يقاس بجودة البضاعة، وإنما تقاس بغلاء ثمنها وشهرة ماركتها، فبعض الشباب والشابات يخجلون كثيراً شراء الملابس التي تحمل ماركات تجارية مشهورة في موسم التخفيضات أو التصفيات، لأنهم يعتبرون ذلك منقصة لهم، في إحدى المرات وبالتحديد في الثلث الأخير من شهر أبريل / نيسان 2017، رأيت أحد الشباب جاء لمحطة البترول بسيارة فارهة، ثمنها لا يقل عن 30 ألف دينار، وقال للعامل في المحطة بصوت خافت وبلهجة دارجة «صب بترول بدينار واحد»، ويظهر بسبب عدم سماع العامل لطلب الشاب بوضوح، سأله بكم تبغي بترول؟ رد عليه الشاب بانفعال شديد، قلت لك بدينار واحد ما تسمع، وقال وهو منفعل... لازم تفضحنه أمام الناس، اتضح لنا بعد أن أطلعنا أحد أصدقاء الشاب، أنه كان يدفع أقساطاً شهرية عن السيارة تقدر بـ 350 ديناراً، ولمدة 7 سنوات متتالية، وأنه لم يبقَ من راتبه الشهري إلا أقل من 200 دينار، وليس لديه دخل آخر، وهو ينتمي إلى أسرة تصنف ضمن الأسر محدودة الدخل، وعليه التزامات عائلية كثيرة، فمثل هذا الشاب ينطبق عليه المثل الشعبي القائل «الاسم شائع والبطن جائع».
وقال لنا أحد الشباب إن مثل هذا النوع من الشباب عددهم لا يستهان به في مجتمعنا، فهؤلاء همهم الوحيد هو الظهور بمظهر زائف لا يتناسب مع أحوالهم المادية، حتى ولو بقت جيوبهم خالية وأصبحت أحوالهم وأحوال أسرهم متردية بعد الثلث الأخير من كل شهر، فالشابات لا يقلّن عن الشباب في هوس البحث عن الماركات المشهورة، والكثير من المروجات في «اليوتيوب» يسترزقن ويرتفع رصيدهن المالي من مثل هؤلاء الشباب، الذين لا يمدون رجلاهم على قدر لحافهم كما يقولون، ويهرولون وراء بهارج الدنيا وزيفها المخادع، وليس في قاموسهم مفهوم الادخار للمستقبل، دائماً يقولون لمن يقول لهم ادخروا لمستقبلكم، خلنا انعيش حياتنا الآن ولا تحرمنا منها، خل المستقبل لأهله، ولم يتخذوا من الشباب الذين تعثروا مادياً بسبب جريهم وراء الحياة الكاذبة، ولاقوا ما لاقوا من الويلات والمآسي والنكبات المادية، درساً يستفيدون من خلاله لتعديل سلوكياتهم الخاطئة التي من المحتمل جداً أن تتسبب بإحداث مشاكل مادية كثيرة لهم في المستقبل القريب.
المصيبة أنهم لم يبالُ بالأزمة الاقتصادية التي تهز موازنات بلدان كثيرة، بسبب انخفاض سعر برميل النفط، ولم يحاولوا التفكير في التقشف الحاصل في البلاد على قدم وساق، ولم يخطر ببالهم أن يأتي اليوم الذي تعلن فيه الشركات التي يعملون فيها إفلاسها وتسريحهم عن أعمالهم من دون أن تعّوضهم مالياً، ولم ينتبهوا إلى ماذا يعني رفع الدعم عن الكثير من المواد والسلع الأساسية ومن ضمنها البنزين والكهرباء والماء، ولم يكترثوا بزيادة رسوم الكثير من الخدمات الرسمية، ولم يلتفتوا إلى تفاقم الدين العام الذي آخذ في الارتفاع، ولا إلى تأخير الحكومة عن تقديم الموازنة العامة لمجلس النواب، ولا إلى العجز في الموازنة العامة، وكأن كل ما يحدث بسبب الأزمة الاقتصادية لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، ولم يخطر ببالهم أن حالهم يمكن أن يطرأ عليه أي تغيير إلى الأسوأ، غيابهم عن الواقع وتحليقهم في فضاءات خيالية وغير واقعية، يجعلهم عرضة للأزمات المالية والنفسية والمعنوية التي لم يكونوا يحسبون إليها أية حسابات عقلانية.
هذه الغفلة الغريبة التي يعيشونها، لا ندري متى سيأتي الوقت الذي يستفيقون منه؟ لكي يروا الواقع على حقيقته، ويستوعبوا المؤشرات الخطيرة التي تدل على أن الأحوال الاقتصادية ذاهبة إلى المجهول، وأن ليس هناك بصيص أمل في تحسينها في المستقبل القريب، فكل المعطيات وآراء الاقتصاديين جميعها تؤكد على أن المستقبل الاقتصادي لا يبشر بخير، ما لم تحدث معجزات اقتصادية خارقة للعادة.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 5376 - الجمعة 26 مايو 2017م الموافق 29 شعبان 1438هـ
للآباء دور وإن لم يكن هذا الدور يتماشى مع تربية الأبناء منذ صغرهم و حتى السن الذي يطغى فيه هذا النمط على حياتهم، فعندها تكون المشكلة مشكلتان ، و لا بمكننا التغاضي عن دور الآباء السلبي فهو مشكلة قائمة و تداعياتها تؤثر على مختلف نواحي الشباب
تحية طيبة لك استاذ سلمان
من واقع الحال اولادي في عمر الزهور و التطلعات بين عمر المراهقة و اول سنوات الجامعة و في ظل الضغط الاعلامي و الاجتماعي لا يمكن تجاوز و تخطي تأثيرها السلبي و الاجابي عليهم
و عبثا محاولا ضبط الامر غالبا تبوء المحاولات بالفشل و النتيجة استنزاف عصبي و مالي الى اخر الحدود
معظم الذين ذكرتهم في مقالك همهم التباهي و التفاخر و الظهور بأحدث الصيحات و الماركات و السيارات غير مكترثين بالعواقب
انه التأثير النفسي و السكيولوجي المدروس بدقة متناهية من وسائل الاعلام
د. حسن الصددي
يجب علينا تطبيق نظام كايزن الياباني لتقليل الهدر.